الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ﴾ بُرْهانٌ عَلى ما أنْكَرَ مِن خُلُودِهِمْ وفِيهِ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وما جَعَلْنا﴾ إلَخْ، والمَوْتُ عِنْدَ الشَّيْخِ الأشْعَرِيِّ كَيْفِيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ تَضادُّ الحَياةَ، وعِنْدَ الإسْفِرايِنِيِّ وعُزِيَ لِلْأكْثَرِينَ أنَّهُ عَدَمُ الحَياةِ عَمّا مِن شَأْنِهِ الحَياةُ بِالفِعْلِ فَيَكُونُ عَدَمُ تِلْكَ الحَياةِ كَما في العَمى الطّارِئِ عَلى البَصَرِ لا مُطْلَقُ العَمى فَلا يَلْزَمُ كَوْنُ عَدَمِ الحَياةِ عَنِ الجَنِينِ عِنْدَ اسْتِعْدادِهِ لِلْحَياةِ مَوْتًا، وقِيلَ عَدَمُ الحَياةِ عَمّا مِن شَأْنِهِ الحَياةُ مُطْلَقًا فَيَلْزَمُ ذَلِكَ ولا ضَيْرَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البَقَرَةَ: 28] واسْتَدَلَّ الأشْعَرِيُّ عَلى كَوْنِهِ وُجُودِيًّا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ﴾ [المُلْكَ: 2] فَإنَّ الخَلْقَ هو الإيجادُ والإخْراجُ مِنَ العَدَمِ وبِأنَّهُ جائِزٌ والجائِزُ لا بُدَّ لَهُ مِن فاعِلٍ والعَدَمُ لا يَفْعَلُ. وأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ وهو أعَمُّ مِنَ الإيجادِ ولَوْ سُلِّمَ كَوْنُهُ بِمَعْنى الإيجادِ فَيَجُوزُ أنْ يُرادَ بِخَلْقِ المَوْتِ إيجادُ أسْبابِهِ أوْ يُقَدَّرُ المُضافُ وهو غَيْرُ عَزِيزٍ في الكَلامِ، وعَنِ الأُسْتاذِ أنَّ المُرادَ بِالمَوْتِ الآخِرَةُ والحَياةُ الدُّنْيا لِما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ تَفْسِيرُهُما بِذَلِكَ، وعَنِ الثّانِي بِأنَّ الفاعِلَ قَدْ يُرِيدُ العَدَمَ كَما يُرِيدُ الحَياةَ فالفاعِلُ يَعْدَمُ الحَياةَ كَما يَعْدَمُ البَصَرَ مَثَلًا. وقالَ اللَّقانِيُّ: الظّاهِرُ قاضٍ بِما عَلَيْهِ الأشْعَرِيُّ والعُدُولُ عَنِ الظّاهِرِ مِن غَيْرِ داعٍ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ العُدُولِ، وكَلامُهُ صَرِيحٌ في أنَّهُ عَرَضٌ وتَوَقَّفَ بَعْضُ العُلَماءِ القائِلِينَ بِأنَّهُ وُجُودِيٌّ في أنَّهُ جَوْهَرٌ أوْ عَرَضٌ لِما أنَّ في بَعْضِ الأحادِيثِ أنَّهُ مَعْنًى خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى في كَفِّ مَلَكِ المَوْتِ، وفي بَعْضِها أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَهُ عَلى صُورَةِ كَبْشٍ لا يَمُرُّ بِشَيْءٍ يَجِدُ رِيحَهُ إلّا ماتَ، وجُلُّ عِباراتِ العُلَماءِ أنَّهُ عَرَضٌ يَعْقُبُ الحَياةَ أوْ فَسادُ بِنْيَةِ الحَيَوانِ، والأوَّلُ غَيْرُ مانِعٍ والثّانِي رَسْمٌ بِالثَّمَرَةِ، وقَرِيبٌ مِنهُ ما قالَهُ بَعْضُ الأفاضِلِ: إنَّهُ تَعَطُّلُ القُوى لِانْطِفاءِ الحَرارَةِ الغَرِيزِيَّةِ الَّتِي هي آلَتُها فَإنْ كانَ ذَلِكَ لِانْطِفاءِ الرُّطُوبَةِ الغَرِيزِيَّةِ فَهو المَوْتُ الطَّبِيعِيُّ وإلّا فَهو الغَيْرُ الطَّبِيعِيُّ، والنّاسُ لا يَعْرِفُونَ مِنَ المَوْتِ إلّا انْقِطاعَ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالبَدَنِ التَّعَلُّقَ المَخْصُوصَ ومُفارَقَتِها إيّاهُ، والمُرادُ بِالنَّفْسِ النَّفْسُ الحَيَوانِيَّةُ وهي مُطْلَقًا أعَمُّ مِنَ النَّفْسِ الإنْسانِيَّةِ كَما أنَّ الحَيَوانَ مُطْلَقًا أعَمُّ مِنَ الإنْسانِ. والنُّفُوسُ عِنْدَ الفَلاسِفَةِ ومَن حَذا حَذْوَهم ثَلاثَةٌ: النَّباتِيَّةُ والحَيَوانِيَّةُ والفَلَكِيَّةُ والنَّفْسُ مَقُولَةٌ عَلى الثَّلاثَةِ بِالِاشْتِراكِ اللَّفْظِيِّ عَلى ما حَكاهُ الإمامُ في المُلَخَّصِ عَنِ المُحَقِّقِينَ. وبِالِاشْتِراكِ المَعْنَوِيِّ عَلى ما يَقْتَضِيهِ كَلامُ الشَّيْخِ في الشِّفاءِ، وتَحْقِيقُ ذَلِكَ في مَحِلِّهِ، وإرادَةُ ما يَشْمَلُ الجَمِيعَ هُنا مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ، وقالَ بَعْضُهُمُ: المُرادُ بِها النَّفْسُ الإنْسانِيَّةُ لِأنَّ الكَلامَ مَسُوقٌ لِنَفْيِ خُلُودِ البَشَرِ، واخْتِيرَ عُمُومُها لِتَشْمَلَ نُفُوسَ البَشَرِ والجِنِّ وسائِرِ أنْواعِ الحَيَوانِ ولا يَضُرُّ ذَلِكَ بِالسَّوْقِ بَلْ هو أنْفَعُ فِيهِ، ولا شَكَّ في مَوْتِ كُلٍّ مِن أفْرادِ تِلْكَ الأنْواعِ، نَعَمِ اخْتُلِفَ في أنَّهُ هَلْ يَصِحُّ إرادَةُ عُمُومِها بِحَيْثُ تَشْمَلُ نَفْسَ كُلِّ حَيٍّ كالمَلَكِ وغَيْرِهِ أمْ لا بِناءً عَلى الِاخْتِلافِ في مَوْتِ (p-46)المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والحُورِ العِينِ فَقالَ بَعْضُهم: إنَّ الكُلَّ يَمُوتُونَ ولَوْ لَحْظَةً لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلا وجْهَهُ﴾ [القَصَصَ: 88] وقالَ بَعْضُهم: إنَّهم لا يَمُوتُونَ لِدَلالَةِ بَعْضِ الأخْبارِ عَلى ذَلِكَ، والمُرادُ مِن كُلِّ نَفْسٍ النُّفُوسُ الأرْضِيَّةُ والآيَةُ الَّتِي اسْتُدِلَّ بِها مُؤَوَّلَةٌ بِما سَتَعْلَمُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى وهم داخِلُونَ في المُسْتَثْنى في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ اللَّهُ﴾ [الزُّمُرَ: 68] أوَّلًا يُسَلِّمُ أنَّ كُلَّ صَعْقٍ مَوْتٌ، وقالَ بَعْضُهم: إنَّ المَلائِكَةَ يَمُوتُونَ والحُورَ لا تَمُوتُ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّ بَعْضَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَمُوتُونَ وبَعْضُهم لا يَمُوتُ كَجِبْرِيلَ وإسْرافِيلَ ومِيكائِيلَ وعِزْرائِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ورُجِّحَ قَوْلُ البَعْضِ، ولا يَرِدُ أنَّ المَوْتَ يَقْتَضِي مُفارَقَةَ الرُّوحِ البَدَنَ والمَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لا أبْدانَ لَهم لِأنَّ القائِلَ بِمَوْتِهِمْ يَقُولُ بِأنَّ لَهم أبْدانًا لَكِنَّها لَطِيفَةٌ كَما هو الحَقُّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، ورُبَّما يَمْنَعُ اقْتِضاءُ المَوْتِ البَدَنَ. وبالَغَ بَعْضُهم فادَّعى أنَّ النُّفُوسَ أنْفُسَها تَمُوتُ بَعْدَ مُفارَقَتِها لِلْبَدَنِ وإنْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ المُفارَقَةِ ذاتَ بَدَنٍ، وكَأنَّهُ يَلْتَزِمُ تَفْسِيرَ المَوْتِ بِالعَدَمِ والِاضْمِحْلالِ، والحَقُّ أنَّها لا تَمُوتُ سَواءٌ فُسِرَّ المَوْتُ بِما ذُكِرَ أمْ لا، وقَدْ أشارَ أحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ الكِنْدِيُّ إلى هَذا الِاخْتِلافِ بِقَوْلِهِ: ؎تَنازَعَ النّاسُ حَتّى لا اتِّفاقَ لَهم إلّا عَلى شَجْبٍ والخُلْفُ في شَجْبِ ؎فَقِيلَ تَخْلُصُ نَفْسُ المَرْءِ سالِمَةً ∗∗∗ وقِيلَ تُشْرِكُ جِسْمَ المَرْءِ في العَطَبِ وذَهَبَ الإمامُ إلى العُمُومِ في الآيَةِ إلّا أنَّهُ قالَ: هو مَخْصُوصٌ فَإنَّ لَهُ تَعالى نَفْسًا كَما قالَ سُبْحانَهُ حِكايَةً عَنْ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ﴾ [المائِدَةَ: 116] مَعَ أنَّ المَوْتَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ، وكَذا الجَماداتُ لَها نُفُوسٌ وهي لا تَمُوتُ، ثُمَّ قالَ: والعامُّ المَخْصُوصُ حُجَّةٌ فَيَبْقى مَعْمُولًا بِهِ عَلى ظاهِرِهِ فِيما عَدا ما أُخْرِجَ مِنهُ، وذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ الفَلاسِفَةِ في الأرْواحِ البَشَرِيَّةِ والعُقُولِ المُفارِقَةِ والنُّفُوسِ الفَلَكِيَّةِ إنَّها لا تَمُوتُ اهَـ، وفِيهِ أنَّهُ إنْ أرادَ بِالنَّفْسِ الجَوْهَرَ المُتَعَلِّقَ بِالبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ والتَّصْرِيفِ كَما قالَهُ الفَلاسِفَةُ ومَن وافَقَهم أوِ الجِسْمَ النُّورانِيَّ الخَفِيفَ الحَيَّ المُتَحَرِّكَ النّافِذَ في الأعْضاءِ السّارِي فِيها سَرَيانَ ماءِ الوَرْدِ كَما عَلَيْهِ جُمْهُورُ المُحْدَثِينَ وذَكَرَ لَهُ ابْنُ القِيِّمِ مِائَةَ دَلِيلٍ فاللَّهُ تَعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ أصْلًا. وكَذا الجَماداتُ لا تَتَّصِفُ بِها عَلى الشّائِعِ، وأيْضًا لَيْسَ لِلْأرْواحِ البَشَرِيَّةِ والعُقُولِ المُفارِقَةِ عِنْدَ الفَلاسِفَةِ نَفْسًا بِأحَدِ ذَيْنِكَ المَعْنَيَيْنِ فَكَيْفَ يَبْطُلُ بِالآيَةِ الكَرِيمَةِ قَوْلُهم، وإنْ أرادَ بِها الذّاتَ كَما هو أحَدُ مَعانِيها جازَ أنْ تُثْبَتَ لِلَّهِ تَعالى وقَدْ قِيلَ بِهِ في الآيَةِ الَّتِي ذَكَرَها، وكَذا هي ثابِتَةٌ لِلْجَماداتِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أنَّهُ إنْ أرادَ بِالمَوْتِ مُفارَقَةَ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ يَبْطُلُ قَوْلُهُ وذَلِكَ يُبْطِلُ إلَخْ لِأنَّ الأرْواحَ والعُقُولَ المَذْكُورَةَ لا أبْدانَ لَها عِنْدَ الفَلاسِفَةِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِيها المَوْتُ بِذَلِكَ المَعْنى، وإنْ أرادَ بِهِ العَدَمَ والِاضْمِحْلالَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أنَّ الجَماداتِ تَتَّصِفُ بِهِ فَلا يَصِحُّ قَوْلُهُ وهي لا تَمُوتُ، وبِالجُمْلَةِ لا يَخْفى عَلى المُتَذَكِّرِ أنَّ الإمامَ سَها في هَذا المَقامِ، ثُمَّ إنَّ مَعْنى كَوْنِ النَّفْسِ ذائِقَةَ المَوْتِ أنَّها تُلابِسُهُ عَلى وجْهٍ تَتَألَّمُ بِهِ أوْ تَلْتَذُّ مِن حَيْثُ إنَّها تَخْلُصُ بِهِ مِن مَضِيقِ الدُّنْيا الدَّنِيئَةِ إلى عالَمِ المَلَكُوتِ وحَظائِرِ القُدْسِ كَذا قِيلَ. والظّاهِرُ أنَّ كُلَّ نَفْسٍ تَتَألَّمُ بِالمَوْتِ لَكِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ شَدَّةً وضَعْفًا، وفي الحَدِيثِ ««إنَّ لِلْمَوْتِ سَكَراتٍ»» ولا يَلْزَمُ مِنَ التَّخَلُّصِ المَذْكُورِ لِبَعْضِ النّاسِ عَدَمُ التَّألُّمِ، ولَعَلَّ في اخْتِيارِ الذَّوْقِ إيماءً إلى ذَلِكَ لِمَن لَهُ ذَوْقٌ (p-47)فَإنَّ أكْثَرَ ما جاءَ في العَذابِ، وقالَ الإمامُ: إنَّ الذَّوْقَ إدْراكٌ خاصٌّ وهو ها هُنا مَجازٌ عَنْ أصْلِ الإدْراكِ ولا يُمْكِنُ إجْراؤُهُ عَلى ظاهِرِهِ لِأنَّ المَوْتَ لَيْسَ مِن جِنْسِ الطَّعامِ حَتّى يُذاقَ، وذَكَرَ أنَّ المُرادَ مِنَ المَوْتِ مُقَدِّماتُهُ مِنَ الآلامِ العَظِيمَةِ لِأنَّهُ قِيلَ دُخُولُهُ في الوُجُودِ مُمْتَنِعُ الإدْراكِ وحالَ وُجُودِهِ يَصِيرُ الشَّخْصُ مَيِّتًا والمَيِّتُ لا يُدْرِكُ، وتُعُقِّبُ بِأنَّ المُدْرِكَ النَّفْسُ المُفارِقَةُ وتُدْرِكُ ألَمَ مُفارَقَتِها البَدَنَ ﴿ونَبْلُوكُمْ﴾ الخِطابُ إمّا لِلنّاسِ كافَّةً بِطَرِيقِ التَّلْوِينِ أوْ لِلْكَفَرَةِ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ أيْ نُعامِلُكم مُعامَلَةَ مَن يَخْتَبِرُكم ﴿بِالشَّرِّ والخَيْرِ﴾ بِالمَكْرُوهِ والمَحْبُوبِ هَلْ تَصْبِرُونَ وتَشْكُرُونَ أوْ لا. وتَفْسِيرُ الشَّرِّ والخَيْرِ بِما ذُكِرَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُما الشِّدَّةُ والرَّخاءُ، وقالَ الضَّحّاكُ: الفَقْرُ والمَرَضُ والغِنى والصِّحَّةُ، والتَّعْمِيمُ أوْلى، وقُدِّمَ الشَّرُّ لِأنَّهُ اللّائِقُ بِالمُنْكَرِ عَلَيْهِمْ أوْ لِأنَّهُ ألْصَقُ بِالمَوْتِ المَذْكُورِ قَبْلَهُ، وذَكَرَ الرّاغِبُ أنَّ اخْتِيارَ اللَّهِ تَعالى لِلْعِبادِ تارَةً بِالمَسارِّ لِيَشْكُرُوا وتارَةً بِالمَضارِّ لِيَصْبِرُوا فالمِنحَةُ والمِحْنَةُ جَمِيعًا بَلاءٌ فالمِحْنَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِلصَّبْرِ والمِنحَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِلشُّكْرِ والقِيامُ بِحُقُوقِ الصَّبْرِ أيْسَرُ مِنَ القِيامِ بِحُقُوقِ الشُّكْرِ فالمِنحَةُ أعْظَمُ البَلاءَيْنِ، وبِهَذا النَّظَرِ قالَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: بُلِينا بِالضَّرّاءِ فَصَبَرْنا وبُلِينا بِالسَّرّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ، ولِهَذا قالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ: مَن وُسِّعَ عَلَيْهِ دُنْياهُ فَلَمْ يَعْلَمْ أنَّهُ قَدْ مُكِرَ بِهِ فَهو مَخْدُوعٌ عَنْ عَقْلِهِ اهَـ، ولَعَلَّهُ يُعْلَمُ مِنهُ وجْهٌ لِتَقْدِيمِ الشَّرِّ ﴿فِتْنَةً﴾ أيِ ابْتِلاءٍ فَهو مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِنَبْلُوَكم عَلى غَيْرِ لَفْظِهِ. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ أوْ حالًا عَلى مَعْنى نَبْلُوكم بِالشَّرِّ والخَيْرِ لِأجْلِ إظْهارِ جَوْدَتِكم ورَداءَتِكم أوْ مُظْهِرِينَ ذَلِكَ فَتَأمَّلْ ولا تَغْفُلْ ﴿وإلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ لا إلى غَيْرِنا لا اسْتِقْلالًا ولا اشْتِراكًا فَنُجازِيكم حَسْبَما يَظْهَرُ مِنكم مِنَ الأعْمالِ، فَهو عَلى الأوَّلِ مِن وجْهَيِ الخِطابِ وعْدٌ ووَعِيدٌ وعَلى الثّانِي مِنهُما وعِيدٌ مَحْضٌ، وفي الآيَةِ إيماءٌ إلى أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا الِابْتِلاءُ والتَّعْرِيضُ لِلثَّوابِ والعِقابِ. وقُرِئَ (يَرْجِعُونَ ) بِياءِ الغَيْبَةِ عَلى الِالتِفاتِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب