الباحث القرآني
﴿ولَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ مِن خَلْقِهِ تَعالى لِجَمِيعِ مَخْلُوقاتِهِ عَلى حِكْمَةٍ بالِغَةٍ ونِظامٍ كامِلٍ وأنَّهُ سُبْحانَهُ يُحِقُّ الحَقَّ ويُزْهِقُ الباطِلَ، وقِيلَ هو عَدِيلٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكُمُ الوَيْلُ﴾ وهو كَما تَرى أيْ ولَهُ تَعالى خاصَّةً جَمِيعُ المَخْلُوقاتِ خَلْقًا ومِلْكًا وتَدْبِيرًا وتَصَرُّفًا وإحْياءً وإماتَةً وتَعْذِيبًا وإثابَةً مِن غَيْرِ أنْ (p-21)يَكُونَ لِأحَدٍ في ذَلِكَ دَخْلٌ ما اسْتِقْلالًا واسْتِتْباعًا، وكَأنَّهُ أُرِيدَ هُنا إظْهارُ مَزِيدِ العَظَمَةِ فَجِيءَ بِالسَّماواتِ جَمْعًا عَلى مَعْنى لَهُ كُلُّ مَن هو في واحِدَةٍ واحِدَةٍ مِنَ السَّماواتِ ولَمْ يُرِدْ فِيما مَرَّ سِوى بَيانِ اشْتِمالِ هَذا السَّقْفِ المُشاهَدِ والفِراشِ المُمَهَّدِ وما اسْتَقَرَّ بَيْنَهُما عَلى الحِكَمِ الَّتِي لا تُحْصى فَلِذا جِيءَ بِصِيغَةِ الإفْرادِ دُونَ الجَمْعِ.
وفِي الإتْقانِ حَيْثُ يُرادُ العَدَدُ يُؤْتى بِالسَّماءِ مَجْمُوعَةً وحَيْثُ يُرادُ الجِهَةُ يُؤْتى بِها مُفْرَدَةً ﴿ومَن عِنْدَهُ﴾ وهُمُ المَلائِكَةُ مُطْلَقًا عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلى ما رُوِيَ عَنْ قَتادَةَ وغَيْرِهِ، والمُرادُ بِالعِنْدِيَّةِ عِنْدِيَّةُ الشَّرَفِ لا عِنْدِيَّةُ المَكانِ وقَدْ شُبِّهَ قُرْبُ المَكانَةِ والمَنزِلَةِ بِقُرْبِ المَكانِ والمَسافَةِ فَعُبِّرَ عَنِ المُشَبَّهِ بِلَفْظٍ دالٍّ عَلى المُشَبَّهِ بِهِ فَهُناكَ اسْتِعارَةٌ مُصَرِّحَةٌ.
وقِيلَ عَبَّرَ عَنْهم بِذَلِكَ تَنْزِيلًا لَهم لِكَرامَتِهِمْ عَلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ مَنزِلَةَ المُقَرَّبِينَ عِنْدَ المُلُوكِ بِطَرِيقِ التَّمْثِيلِ، والمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ﴾ أيْ لا يَتَعَظَّمُونَ عَنْها ولا يَعُدُّونَ أنْفُسَهم كُبَراءَ ﴿ولا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ أيْ لا يَكِلُّونَ ولا يَتْعَبُونَ يُقالُ حَسَرَ البَعِيرُ واسْتَحْسَرَ كُلَّ وتَعِبَ وحَسَرْتُهُ أنا فَهو مُتَعَدٍّ ولازِمٌ ويُقالُ أيْضًا أحْسَرْتُهُ بِالهَمْزِ.
والظّاهِرُ أنَّ الِاسْتِحْسارَ حَيْثُ لا طَلَبَ كَما هُنا أبْلَغُ مِنَ الحُسُورِ فَإنَّ زِيادَةَ المَبْنى تَدُلُّ عَلى زِيادَةِ المَعْنى، والمُرادُ مِنَ الِاتِّحادِ بَيْنَهُما الدّالِّ عَلَيْهِ كَلامُهُمُ الِاتِّحادُ في أصْلِ المَعْنى، والتَّعْبِيرُ بِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ عِبادَتَهم بِثِقَلِها ودَوامِها حَقِيقَةٌ بِأنْ يُسْتَحْسَرَ مِنها ومَعَ ذَلِكَ لا يَسْتَحْسِرُونَ ولَيْسَ لِنَفْيِ المُبالَغَةِ في الحُسُورِ مَعَ ثُبُوتِ أصْلِهِ في الجُمْلَةِ، ونَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فُصِّلَتَ: 46] عَلى أحَدِ الأوْجُهِ المَشْهُورَةِ فِيهِ.
وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ وغَيْرُهُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْطُوفًا عَلى مَنِ الأُولى وأمْرُ تَفْسِيرِهِ بِالمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلى حالِهِ، وذَكَرَ أنَّ هَذا العَطْفَ لِكَوْنِ المَعْطُوفِ أخَصَّ مِنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ في نَفْسِ الأمْرِ كالعَطْفِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ﴾ [القَدْرَ: 4] في الدَّلالَةِ عَلى رِفْعَةِ شَأْنِ المَعْطُوفِ وتَعْظِيمِهِ حَيْثُ أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ مَعَ انْدِراجِهِ في عُمُومِ ما قَبْلَهُ، وقِيلَ: إنَّما أُفْرِدَ لِأنَّهُ أعَمُّ مِن وجْهٍ فَإنَّ مَن في الأرْضِ يَشْمَلُ البَشَرَ ونَحْوَهم وهو يَشْمَلُ الحافِّينَ بِالعَرْشِ دُونَهُ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِمَن عِنْدَهُ نَوْعٌ مِنَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مُتَعالٍ عَنِ التَّبَوُّءِ والِاسْتِقْرارِ في السَّماءِ والأرْضِ، وكَأنَّ هَذا مَيْلٌ إلى القَوْلِ بِتَجَرُّدِ نَوْعٍ مِنَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ جُمْهُورَ أهْلِ الإسْلامِ لا يَقُولُونَ بِتَجَرُّدِ شَيْءٍ مِنَ المُمْكِناتِ. والمَشْهُورُ عَنِ القائِلِينَ بِهِ القَوْلُ بِتَجَرُّدِ المَلائِكَةِ مُطْلَقًا لا بِتَجَرُّدِ بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.
ثُمَّ إنَّ أبا البَقاءِ جَوَّزَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَلى هَذا الوَجْهِ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الأُولى والثّانِيَةِ عَلى قَوْلِ مَن رَفَعَ بِالظَّرْفِ أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في الظَّرْفِ الَّذِي هو الخَبَرُ أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في ( عِنْدَهُ ) ويَتَعَيَّنُ أحَدُ الأخِيرَيْنِ عِنْدَ مَن يُعْرِبُ مَن مُبْتَدَأً ولا يَجُوزُ مَجِيءُ الحالِ مِنَ المُبْتَدَأِ ولا يَخْفى.
وجَوَّزَ بَعْضُ الأفاضِلِ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً والأظْهَرُ جَعْلُها خَبَرًا لِمَن عِنْدَهُ، وفي بَعْضِ أوْجُهِ الحالِيَّةِ ما لا يَخْفى،
{"ayah":"وَلَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا یَسۡتَحۡسِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق