الباحث القرآني
﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ زَبُورُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ الكُتُبُ، والذِّكْرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ التَّوْراةُ. ورُوِيَ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ عَنِ الضَّحّاكِ أيْضًا. وقالَ في الزَّبُورِ: الكُتُبُ مِن بَعْدِ التَّوْراةِ. وأخْرَجَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ أنَّ الذِّكْرَ التَّوْراةُ والزَّبُورَ القُرْآنُ.
وأخْرَجَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّ الزَّبُورَ الكُتُبُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ والذِّكْرَ أُمُّ الكِتابِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الأشْياءُ قَبْلَ ذَلِكَ وهو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ كَما في بَعْضِ الآثارِ، واخْتارَ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ الزَّجّاجُ وإطْلاقُ الذِّكْرِ عَلَيْهِ مَجازٌ. وقَدْ وقَعَ في حَدِيثِ البُخارِيِّ عَنْهُ ﷺ ««كانَ اللَّهُ تَعالى ولَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ شَيْءٌ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ»» وقِيلَ: الذِّكْرُ العِلْمُ وهو المُرادُ بِأُمِّ الكِتابِ، وأصْلُ الزَّبُورِ كُلُّ كِتابٍ غَلِيظِ الكِتابَةِ مِن زَبَرْتُ الكِتابَ أزْبُرُ بِفَتْحِ المُوَحَّدَةِ وضَمِّها كَما في المُحْكَمِ إذا كَتَبْتُهُ كِتابَةً غَلِيظَةً وخُصَّ في المَشْهُورِ بِالكِتابِ المُنَزَّلِ عَلى داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقالَ بَعْضُهم: هو اسْمٌ لِلْكِتابِ المَقْصُورِ عَلى الحِكْمَةِ العَقْلِيَّةِ دُونَ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ ولِهَذا يُقالُ لِلْمُنَزَّلِ عَلى داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ لا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنَ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ.
والظّاهِرُ أنَّهُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ بِمَعْنى المَزْبُورِ، ولِذا جُوِّزَ تَعَلُّقُ ( مِن بَعْدِ ) بِهِ كَما جُوِّزَ تَعَلُّقُهُ بِكَتَبْنا، وقالَ حَمْزَةُ: هو اسْمٌ سُرْيانِيٌّ، وأيًّا ما كانَ فَإذا أُرِيدَ مِنهُ الكُتُبُ كانَ اللّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ أيْ كَتَبْنا في جِنْسِ الزَّبُورِ.
﴿أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وغَيْرُهُما عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المُرادَ بِالأرْضِ أرْضُ الجَنَّةِ قالَ الإمامُ: ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْرَثَنا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ﴾ [الزُّمُرَ: 74] وإنَّها الأرْضُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِها الصّالِحُونَ لِأنَّها لَهم خُلِقَتْ، وغَيْرُهم إذا حَصَلُوا فِيها فَعَلى وجْهِ التَّبَعِ وأنَّ (p-104)الآيَةَ ذُكِرَتْ عُقَيْبَ ذِكْرِ الإعادَةِ ولَيْسَ بَعْدَ الإعادَةِ أرْضٌ يَسْتَقِرُّ بِها الصّالِحُونَ ويُمْتَنُّ بِها عَلَيْهِمْ سِوى أرْضِ الجَنَّةِ، ورُوِيَ هَذا القَوْلُ عَنْ مُجاهِدٍ وابْنِ جُبَيْرٍ وعِكْرِمَةَ والسُّدِّيِّ وأبِي العالِيَةِ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ المُرادَ بِها أرْضُ الدُّنْيا يَرِثُها المُؤْمِنُونَ ويَسْتَوْلُونَ عَلَيْها وهو قَوْلُ الكَلْبِيِّ وأُيِّدَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ﴾ [النُّورَ: 55] .
وأخْرَجَ مُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ ثَوْبانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إنَّ اللَّهَ تَعالى زَوى لِيَ الأرْضَ فَرَأيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها وأنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لِي مِنها»» وهَذا وعْدٌ مِنهُ تَعالى بِإظْهارِ الدِّينِ وإعْزازِ أهْلِهِ واسْتِيلائِهِمْ عَلى أكْثَرِ المَعْمُورَةِ الَّتِي يَكْثُرُ تَرَدُّدُ المُسافِرِينَ إلَيْها وإلّا فَمِنَ الأرْضِ ما لَمْ يَطَأْها المُؤْمِنُونَ كالأرْضِ الشَّهِيرَةِ بِالدُّنْيا الجَدِيدَةِ وبِالهِنْدِ الغَرْبِيِّ، وإنْ قُلْنا بِأنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَكُونُ في حَوْزَةِ المُؤْمِنِينَ أيّامَ المَهْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ونُزُولِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَلا حاجَةَ إلى ما ذُكِرَ، وقِيلَ: المُرادُ بِها الأرْضُ المُقَدَّسَةُ، وقِيلَ: الشّامُ ولَعَلَّ بَقاءَ الكُفّارِ وحْدَهم في الأرْضِ جَمِيعِها في آخِرِ الزَّمانِ كَما صَحَّتْ بِهِ الأخْبارُ لا يَضُرُّ في هَذِهِ الوِراثَةِ لِما أنَّ بَيْنَ اسْتِقْلالِهِمْ في الأرْضِ حِينَئِذٍ وقِيامِ السّاعَةِ زَمَنًا يَسِيرًا لا يُعْتَدُّ بِهِ وقَدْ عُدَّ ذَلِكَ مِنَ المَبادِئِ القَرِيبَةِ لِيَوْمِ القِيامَةِ، والأوْلى أنْ تُفَسَّرَ الأرْضُ بِأرْضِ الجَنَّةِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ وهو أوْفَقُ بِالمَقامِ.
ومِنَ الغَرائِبِ قِصَّةُ تَفاؤُلِ السُّلْطانِ سَلِيمٍ بِهَذِهِ الآيَةِ حِينَ أضْمَرَ مُحارَبَتَهُ لِلْغُورِيِّ وبِشارَةِ ابْنِ كَمالٍ لَهُ أخْذًا مِمّا رَمَزَتْ إلَيْهِ الآيَةُ بِمِلْكَةِ مِصْرَ في سَنَةِ كَذا ووُقُوعِ الأمْرِ كَما بَشَّرَ وهي قِصَّةٌ شَهِيرَةٌ وذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الِاتِّفاقِيَّةِ ومِثْلُهُ لا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ
{"ayah":"وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِی ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق