الباحث القرآني

﴿قالَ﴾ أيِ السّامِرِيُّ مُجِيبًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ بِضَمِّ الصّادِ فِيهِما أيْ عَلِمْتُ ما لَمْ يَعْلَمْهُ القَوْمُ وفَطِنْتُ لِما لَمْ يَفْطَنُوا لَهُ، قالَ الزَّجّاجُ يُقالُ: بَصُرَ بِالشَّيْءِ إذا عَلِمَهُ وأبْصَرَ إذا نَظَرَ، وقِيلَ: بَصَرَهُ وأبْصَرَهُ بِمَعْنًى واحِدٍ: وقالَ الرّاغِبُ: البَصَرُ يُقالُ: لِلْجارِحَةِ النّاظِرَةُ ولِلْقُوَّةِ الَّتِي فِيها ويُقالُ: لِقُوَّةِ القَلْبِ المُدْرِكَةِ بَصِيرَةٌ وبَصَرٌ ويُقالُ مِنَ الأوَّلِ أبْصَرْتُ. ومِنَ الثّانِي أبْصَرْتُهُ وبَصُرْتُ بِهِ. وقَلَّما يُقالُ: بَصُرْتُ في الحاسَّةِ إذا لَمْ يُضامَّهُ رُؤْيَةُ القَلْبِ ا هـ. (p-253)وقَرَأ الأعْمَشُ وأبُو السَّمّالِ ( بَصِرْتُ ) بِكَسْرِ الصّادِ ( بِما لَمْ يَبْصَرُوا ) بِفَتْحِ الصّادِ. وقَرَأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ( بُصِرْتُ ) بِضَمِّ الباءِ وكَسْرِ الصّادِ ( بِما لَمْ تُبْصَرُوا ) بِضَمِّ التّاءِ المُثَنّاةِ مِن فَوْقُ وفَتْحِ الصّادِ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ الكِسائِيُّ وحَمْزَةُ وأبُو بَحَرِيَّةَ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وابْنُ أبِي لَيْلى وابْنُ مَناذِرَ وابْنُ سَعْدانَ وقُعْنُبٌ ( بِما لَمْ ( تَبْصُرُوا ) بِالتّاءِ الفَوْقانِيَّةِ المَفْتُوحَةِ وبِضَمِّ الصّادِ. والخِطابُ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وقَوْمِهِ. وقِيلَ: لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وحْدَهُ وضَمِيرُ الجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ كَما قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ وهَذا مَنقُولٌ عَنْ قُدَماءِ النُّحاةِ وقَدْ صَرَّحَ بِهِ الثَّعالِبِيُّ في سِرِّ العَرَبِيَّةِ، فَما ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ مِن أنَّ التَّعْظِيمَ إنَّما يَكُونُ في ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ مَعَ الغَيْرِ كَفِعْلُنا غَيْرُ مُرْتَضًى وإنْ تَبِعَهُ كَثِيرٌ. وادَّعى بَعْضُهم أنَّ الأنْسَبَ بِما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى مِن قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ تَفْسِيرُ بَصُرَ بِرُأًى لا سِيَّما عَلى القِراءَةِ بِالخِطابِ فَإنَّ ادِّعاءَ عِلْمِ ما لَمْ يَعْلَمْهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ جَراءَةً عَظِيمَةً لا تَلِيقُ بِشَأْنِهِ ولا بِمَقامِهِ بِخِلافِ ادِّعاءِ رُؤْيَةِ ما لَمْ يَرَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإنَّهُ مِمّا يَقَعُ بِحَسَبِ ما يَتَّفِقُ. وقَدْ كانَ فِيما أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَأى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ فَلَقِ البَحْرِ عَلى فَرَسٍ فَعَرَفَهُ لِما أنَّهُ كانَ يَغْذُوهُ صَغِيرًا حِينَ خافَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ فَألْقَتْهُ في غارٍ، فَأخَذَ قَبْضَةً مِن تَحْتِ حافِرِ الفَرَسِ وألْقى في رُوعِهِ أنَّهُ لا يُلْقِيها عَلى شَيْءٍ فَيَقُولَ: كُنْ كَذا إلّا كانَ. وعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنَّهُ رَآهُ عَلَيْهِ السَّلامُ راكِبًا عَلى فَرَسٍ حِينَ جاءَ لِيَذْهَبَ بِمُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ إلى المِيقاتِ ولَمْ يَرَهُ أحَدٌ غَيْرُهُ مِن قَوْمِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَأخَذَ مِن مَوْطِئِ فَرَسِهِ قَبْضَةً مِنَ التُّرابِ. وفِي بَعْضِ الآثارِ أنَّهُ رَآهُ كُلَّما رَفَعَ الفَرَسُ يَدَيْهِ أوْ رِجْلَيْهِ عَلى التُّرابِ اليَبَسِ يُخْرِجُ النَّباتَ فَعَرَفَ أنَّ لَهُ شَأْنًا فَأخَذَ مِن مَوْطِئِهِ حَفْنَةً، وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أثَرِ الرَّسُولِ﴾ أيْ: مِن أثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ. وكَذا قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، فالكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ كَما عَلَيْهِ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ. وأثَرُ الفَرَسِ التُّرابُ الَّذِي تَحْتَ حافِرِهِ. وقِيلَ: لا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ لِأنَّ أثَرَ فَرَسِهِ أثَرُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ. ولَعَلَّ ذِكْرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ لِأنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ إلّا بِهَذا العُنْوانِ أوْ لِلْإشْعارِ بِوُقُوفِهِ عَلى ما لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ القَوْمُ مِنَ الأسْرارِ الإلَهِيَّةِ تَأْكِيدًا لِما صَدَرَ بِهِ مَقالَتَهُ والتَّنْبِيهُ كَما قِيلَ عَلى وقْتِ أخْذِ ما أخَذَ. والقَبْضَةِ المَرَّةِ مِنَ القَبْضِ أطْلَقَتْ عَلى المَقْبُوضِ مَرَّةً، وبِذَلِكَ يَرُدُّ عَلى القائِلِينَ بِأنَّ المَصْدَرَ الواقِعَ كَذَلِكَ لا يُؤَنَّثُ بِالتّاءِ فَيَقُولُونَ: هَذِهِ حُلَّةُ نَسِيجِ اليَمَنِ ولا يَقُولُونَ: نَسِيجَةِ اليَمَنِ. والجَوابُ بِأنَّ المَمْنُوعَ إنَّما هو التّاءُ الدّالَّةُ عَلى التَّحْدِيدِ لا عَلى مُجَرَّدِ التَّأْنِيثِ كَما هُنا والمُناسِبُ عَلى هَذا أنْ لا تَعْتَبِرَهُ المَرَّةَ كَما لا يَخْفى. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وأُبَيٌّ وابْنُ الزُّبَيْرِ والحَسَنُ وحُمَيْدٌ ( قَبَصْتُ قَبْصَةً ) بِالصّادِ فِيهِما وفَرَّقُوا بَيْنَ القَبْضِ بِالضّادِ المُعْجَمَةِ والقَبْصِ بِالصّادِ بِأنَّ الأوَّلَ الأخْذُ بِجَمِيعِ الكَفِّ والثّانِيَ الأخْذُ بِأطْرافِ الأصابِعِ، ونَحْوُهُما الخَضْمُ بِالخاءِ لِلْأكْلِ بِجَمِيعِ الفَمِ والقَضْمُ بِالقافِ لِلْأكْلِ بِأطْرافِ الأسْنانِ. وذُكِرَ أنَّ ذَلِكَ مِمّا غُيِّرَ لَفْظُهُ لِمُناسِبَةِ مَعْناهُ فَإنَّ الضّادَ المُعْجَمَةَ لِلثِّقَلِ واسْتِطالَةِ مَخْرَجِها جُعِلَتْ فِيما يَدُلُّ عَلى الأكْثَرِ والصّادُ لِضِيقِ مَحَلِّها وخَفائِهِ جُعِلَتْ فِيما يَدُلُّ عَلى القَلِيلِ. وقَرَأ الحَسَنُ بِخِلافٍ عَنْهُ، وقَتادَةُ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ بِضَمِّ القافِ والصّادِ المُهْمِلَةِ وهو اسْمٌ لِلْمَقْبُوضِ كالمُضْغَةِ اسْمٌ لِلْمَمْضُوغِ (فَنَبَذْتُها) أيْ ألْقَيْتُها في الحُلِيِّ المُذابِ. وقِيلَ: في جَوْفِ العِجْلِ فَكانَ ما كانَ. (p-254)﴿وكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ أيْ: زَيَّنَتْهُ وحَسَّنَتْهُ إلَيَّ والإشارَةُ إلى مَصْدَرِ الفِعْلِ المَذْكُورِ بَعْدُ. وذَلِكَ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا﴾ وحاصِلُ جَوابِهِ أنَّ ما فَعَلَهُ إنَّما صَدَرَ عَنْهُ بِمَحْضِ اتِّباعِ هَوى النَّفْسِ الأمّارَةِ بِالسُّوءِ لا لِشَيْءٍ آخَرَ مِنَ البُرْهانِ العَقْلِيِّ أوِ النَّقْلِيِّ أوْ مِنَ الإلْهامِ الإلَهِيِّ. هَذا ثُمَّ ما ذُكِرَ مِن تَفْسِيرِ الآيَةِ هو المَأْثُورُ عَنِ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم وتَبِعَهم جُلُّ أجِلَّةِ المُفَسِّرِينَ، وقالَ أبُو مُسْلِمٍ الأصْبَهانِيُّ: لَيْسَ في القُرْآنِ تَصْرِيحٌ بِهَذا الَّذِي ذَكَرُوهُ. وهُنا وجْهٌ آخَرُ وهو أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالرَّسُولِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وأثَرُهُ سُنَّتُهُ ورَسْمُهُ الَّذِي أمَرَ بِهِ ودَرَجَ عَلَيْهِ فَقَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ: فُلانٌ يَقْفُو أثَرَ فُلانٍ ويَقْتَصُّ أثَرَهُ إذا كانَ يَمْتَثِلُ رَسْمَهُ، وتَقْرِيرُ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا أقْبَلَ عَلى السّامِرِيِّ بِاللَّوْمِ والمَسْألَةِ عَنِ الأمْرِ الَّذِي دَعاهُ إلى إضْلالِ القَوْمِ بِالعِجْلِ قالَ: بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أيْ عَرَفْتُ أنَّ الَّذِي عَلَيْهِ القَوْمُ لَيْسَ بِحَقٍّ وقَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أثَرِكَ أيْ شَيْئًا مِن دِينِكَ فَنَبَذْتُها أيْ طَرَحْتُها ولَمْ أتَمَسَّكْ بِها. وتَعْبِيرُهُ عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِلَفْظِ الغائِبِ عَلى نَحْوِ قَوْلِ مَن يُخاطِبُ الأمِيرَ: ما قَوْلُ الأمِيرِ في كَذا ؟ ويَكُونُ إطْلاقُ الرَّسُولِ مِنهُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ نَوْعًا مِنَ التَّهَكُّمِ حَيْثُ كانَ كافِرًا مُكَذِّبًا بِهِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنِ الكَفَرَةِ ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ انْتَهى، وانْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهم بِأنَّهُ أقْرَبُ إلى التَّحْقِيقِ. ويَبْعُدُ قَوْلُ المُفَسِّرِينَ أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَيْسَ مَعْهُودًا بِاسْمِ الرَّسُولِ ولَمْ يُرَ لَهُ فِيما تَقَدَّمَ ذِكْرٌ حَتّى تَكُونَ اللّامُ في الرَّسُولِ لِسابِقٍ في الذِّكْرِ وأنَّ ما قالُوهُ لا بُدَّ لَهُ مِن تَقْدِيرِ المُضافِ والتَّقْدِيرُ خِلافُ الأصْلِ، وأنَّ اخْتِصاصَ السّامِرِيِّ بِرُؤْيَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ومَعْرِفَتِهِ مِن بَيْنٍ سائِرِ النّاسِ بَعِيدٌ جِدًّا. وأيْضًا كَيْفَ عَرَفَ أنَّ أثَرَ حافِرِ فَرَسِهِ يُؤَثِّرُ هَذا الأمْرَ الغَرِيبَ العَجِيبَ مِن حَياةِ الجَمادِ وصَيْرُورَتِهِ لَحْمًا ودَمًا عَلى أنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ الأثَرُ نَفْسُهُ أوْلى بِالحَياةِ. وأيْضًا مَتى اطَّلَعَ كافِرٌ عَلى تُرابٍ هَذا شَأْنُهُ فَلِقائِلٍ أنْ يَقُولَ لَعَلَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ اطَّلَعَ شَيْءٌ آخَرُ يُشْبِهُ هَذا فَلِأجْلِهِ أتى بِالمُعْجِزاتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِيما أتى بِهِ المُرْسَلُونَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِنَ الخَوارِقِ، وأيْضًا يَبْعُدُ الكُفْرُ والإقْدامُ عَلى الإضْلالِ بَعْدَ أنْ عَرَفَ نُبُوَّةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِمَجِيءِ هَذا الرَّسُولِ الكَرِيمِ إلَيْهِ انْتَهى. وأُجِيبُ بِأنَّهُ قَدْ عُهِدَ في القُرْآنِ العَظِيمِ إطْلاقُ الرَّسُولِ عَلى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَدْ قالَ سُبْحانَهُ ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ وعَدَمُ جَرَيانِ ذِكْرٍ لَهُ فِيما تَقَدَّمَ لا يَمْنَعُ مِن أنْ يَكُونَ مَعْهُودًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إطْلاقُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلامُ شائِعًا في بَنِي إسْرائِيلَ لا سِيَّما إنْ قُلْنا بِصِحَّةِ ما رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يُغَذِّي مَن يَلْقى مِن أطْفالِهِمْ في الغارِ في زَمانِ قَتْلِ فِرْعَوْنَ لَهم، وبِأنَّ تَقْدِيرَ المُضافِ في الكَلامِ أكْثَرُ مِن أنْ يُحْصى وقَدْ عُهِدَ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى غَيْرَ مَرَّةٍ، وبِأنَّ رُؤْيَتَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ دُونَ النّاسِ كانَ ابْتِلاءً مِنهُ تَعالى لِيَقْضِيَ اللَّهُ أمْرًا كانَ مَفْعُولًا. وبِأنَّ مَعْرِفَتَهُ تَأْثِيرَ ذَلِكَ الأثَرِ ما ذُكِرَ كانَتْ لِما ألْقى في رُوعِهِ أنَّهُ لا يُلْقِيهِ عَلى شَيْءٍ فَيَقُولُ كُنْ كَذا إلّا كانَ كَما في خَبَرِ ابْنِ عَبّاسٍ أوْ كانَتْ لِما شاهَدَ مِن خُرُوجِ النَّباتِ بِالوَطْءِ كَما في بَعْضِ الآثارِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سَمِعَ ذَلِكَ مِن مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وبِأنَّ ما ذُكِرَ مِن أوْلَوِيَّةِ الأثَرِ نَفْسِهِ بِالحَياةِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ ألا تَرى أنَّ الإكْسِيرَ يَجْعَلُ ما يُلْقِي هو عَلَيْهِ ذَهَبًا ولا يَكُونُ هو بِنَفْسِهِ ذَهَبًا. وبِأنَّ المُعْجِزَةَ مَقْرُونَةٌ بِدَعْوى الرِّسالَةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى والتَّحَدِّي وقَدْ قالُوا: مَتى ادَّعى أحَدٌ الرِّسالَةَ وأظْهَرَ الخارِقَ وكانَ لِسَبَبٍ خَفِيٍّ يَجْهَلُهُ المُرْسَلُ إلَيْهِمْ قَيَّضَ اللَّهُ تَعالى ولا بُدَّ مَن يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ (p-255)ذَلِكَ بِإظْهارِ مِثْلِهِ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِالدَّعْوى أوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أوْ جَعَلَ المُدَّعِي بِحَيْثُ لا يَقْدُمُ عَلى فِعْلِ ذَلِكَ الخارِقِ بِذَلِكَ السَّبَبِ بِأنْ يَسْلُبَ قُوَّةَ التَّأْثِيرِ أوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وتَكُونُ لَهُ عَزَّ وجَلَّ الحُجَّةُ البالِغَةُ، وجَوَّزُوا ظُهُورَ الخارِقِ لا عَنْ سَبَبٍ أوْ عَنْ سَبَبٍ خَفِيٍّ عَلى يَدِ مُدَّعِي الأُلُوهِيَّةِ لِأنَّ كَذِبَهُ ظاهِرٌ عَقْلًا ونَقْلًا. ولا تَتَوَقَّفُ إقامَةُ الحُجَّةِ عَلى تَكْذِيبِهِ بِنَحْوِ ما تَقَدَّمَ. وبِأنَّ ما ذُكِرَ مِن بَعْدِ الكُفْرِ والإضْلالِ مِنَ السّامِرِيِّ بَعْدَ أنْ عَرَفَ نُبُوَّةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في غايَةِ السُّقُوطِ فَقَدْ قالَ تَعالى ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ ولَيْسَ كُفْرُ السّامِرِيِّ بِأبْعَدَ مِن كُفْرِ فِرْعَوْنَ وقَدْ رَأى ما رَأى. ويَرُدُّ عَلى ما ذَكَرَهُ أبُو مُسْلِمٍ مَعَ مُخالَفَتِهِ لِلْمَأْثُورِ عَنْ خَيْرِ القُرُونِ مِمّا لا يُقالُ مِثْلُهُ مِن قَبْلِ الرَّأْيِ فَلَهُ حُكْمُ المَرْفُوعِ أنَّ التَّعْبِيرَ عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِلَفْظِ الغائِبِ بَعِيدٌ. وإرادَةُ وقَدْ كُنْتُ قَبَضْتُ قَبْضَةً إلَخْ مِنَ النَّظْمِ الكَرِيمِ أبْعَدُ. وأنَّ نَبْذَ ما عُرِفَ أنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ لا يُعَدُّ مِن تَسْوِيلِ النَّفْسِ في شَيْءٍ فَلا يُناسِبُ خَتْمَ جَوابِهِ بِذَلِكَ. فَزَعَمَ أنَّ ما ذَكَرَهُ أقْرَبَ إلى التَّحْقِيقِ باطِلٌ عِنْدَ أرْبابِ التَّدْقِيقِ. وزَعَمَتِ اليَهُودُ أنَّ ما ألْقاهُ السّامِرِيُّ كانَ قِطْعَةً مِنَ الحُلِيِّ مَنقُوشًا عَلَيْها بَعْضُ الطَّلْسَماتِ وكانَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ عَلَّقَها في عُنُقِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ إذْ كانَ صَغِيرًا كَما يُعَلِّقُ النّاسُ اليَوْمَ في أعْناقِ أطْفالِهِمُ التَّمائِمَ ورُبَّما تَكُونُ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ مَنقُوشًا عَلَيْها شَيْءٌ مِنَ الآياتِ أوِ الأسْماءِ أوِ الطَّلْسَماتِ وقَدْ ظَفِرَ بِها مِن حَيْثُ ظَفِرَ فَنَبَذَها مَعَ حُلِيِّ بَنِي إسْرائِيلَ فَكانَ ما كانَ لِخاصِّيَّةِ ما نُقِشَ عَلَيْها فَيَكُونُ عَلى هَذا قَدْ أرادَ بِالرَّسُولِ رَسُولَ بَنِي إسْرائِيلَ في مِصْرَ مِن قَبْلُ وهو يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ. ولَمْ يَجِئْ عِنْدَنا خَبَرٌ صَحِيحٌ ولا ضَعِيفٌ بَلْ ولا مَوْضُوعٌ فِيما زَعَمُوا. نَعَمْ جاءَ عِنْدَنا أنَّ يَعْقُوبَ كانَ قَدْ جَعَلَ القَمِيصَ المُتَوارَثَ في تَعْوِيذٍ وعَلَّقَهُ في عُنُقِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وفَسَّرَ بَعْضُهم بِذَلِكَ قَوْلَهُ تَعالى ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا﴾ إلَخْ. وما أغْفَلَ أُولَئِكَ البُهْتِ عَنْ زَعْمِ أنَّ الأثَرَ هو ذَلِكَ القَمِيصُ فَإنَّهُ قَدْ عَهِدَ مِنهُ ما تَقَدَّمَ في أحْسَنِ القَصَصِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَألْقُوهُ عَلى وجْهِ أبِي يَأْتِ بَصِيرًا﴾ فَبَيْنَ مُعافاةِ المُبْتَلى وحَياةِ الجَمادِ مُناسَبَةٌ كُلِّيَّةٌ فَهَذا الكَذِبُ لَوِ ارْتَكَبُوهُ لَرُبَّما كانَ أرْوَجَ قَبُولًا عِنْدَ أمْثالِ الأصْبِهانِيِّ الَّذِينَ يَنْبِذُونَ ما رُوِيَ عَنِ الصَّحابَةِ مِمّا لا يُقالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ وراءَ ظُهُورِهِمْ نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعالى مِنَ الضَّلالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب