الباحث القرآني

﴿قالَ يا ابْنَ أُمَّ﴾ خَصَّ الأُمَّ بِالإضافَةِ اسْتِعْطافًا وتَرْقِيقًا لِقَلْبِهِ لا لِما قِيلَ مِن أنَّهُ كانَ أخاهُ لِأُمِّهِ فَإنَّ الجُمْهُورَ عَلى أنَّهُما كانا شَقِيقَيْنِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( يا بْنَ أُمِّ ) بِكَسْرِ المِيمِ ﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي﴾ أيْ بِشَعْرِ رَأْسِي فَإنَّ الأخْذَ أنْسَبُ بِهِ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ قَوْلَهُ (لِحْيَتِي) عَلى مَعْنى بِشَعْرِ لِحْيَتِي أيْضًا لِأنَّ أصْلَ وضْعِ اللِّحْيَةِ لِلْعُضْوِ النّابِتِ عَلَيْهِ الشَّعْرُ ولا يُناسِبُهُ الأخْذُ كَثِيرَ مُناسَبَةٍ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ المَشْهُورَ اسْتِعْمالُ اللِّحْيَةِ في الشَّعْرِ النّابِتِ عَلى العُضْوِ المَخْصُوصِ، وظاهِرُ الآياتِ والأخْبارِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أخَذَ بِذَلِكَ. رُوِيَ أنَّهُ أخَذَ شَعْرَ رَأْسِهِ بِيَمِينِهِ ولِحْيَتِهِ بِشَمالِهِ وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَدِيدًا مُتَصَلِّبًا غَضُوبًا لِلَّهِ تَعالى وقَدْ شاهَدَ ما شاهَدَ وغَلَبَ عَلى ظَنِّهِ تَقْصِيرٌ في هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَسْتَحِقُّ بِهِ وإنْ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ دائِرَةِ العِصْمَةِ الثّابِتَةِ لِلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ التَّأْدِيبُ فَفَعَلَ بِهِ ما فَعَلَ وباشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ولا مَحْذُورَ فِيهِ أصْلًا ولا مُخالَفَةَ لِلشَّرْعِ، فَلا يَرُدُّ ما تَوَهَّمَهُ الإمامُ فَقالَ: لا يَخْلُو الغَضَبُ مِن أنْ يُزِيلَ عَقْلَهُ أوَّلًا والأوَّلُ لا يَعْتَقِدُهُ مُسْلِمٌ والثّانِي لا يُزِيلُ السُّؤالَ بِلُزُومِ عَدَمِ العِصْمَةِ. وأجابَ بِما لا طائِلَ تَحْتَهُ. وقَرَأ عِيسى بْنُ سُلَيْمانَ الحِجازِيُّ ( بِلِحْيَتِي ) بِفَتْحِ اللّامِ وهي لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ (إنِّي خَشِيتُ) إلَخِ اسْتِئْنافٌ لِتَعْلِيلِ مُوجِبِ النَّهْيِ بِتَحْقِيقِ أنَّهُ غَيْرُ عاصٍ أمْرَهُ ولا مُقَصِّرٍ في المَصْلَحَةِ أيْ خَشِيتُ لَوْ قاتَلْتُ بَعْضَهم بِبَعْضٍ وتَفانَوْا وتَفَرَّقُوا أوْ خَشِيتً لَوْ لَحِقْتُكَ بِمَن آمَنَ ﴿أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ بِرَأْيِكَ مَعَ كَوْنِهِمْ أبْناءَ واحِدٍ كَما يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ ذِكْرُهم بِهَذا العُنْوانِ دُونَ القَوْمِ ونَحْوِهِ، واسْتِلْزامُ المُقاتَلَةِ التَّفْرِيقَ ظاهِرٌ، وكَذا اللُّحُوقُ بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ مَن آمَنَ ورُبَّما يَجُرُّ ذَلِكَ إلى المُقاتَلَةِ. وقِيلَ: أرادَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالتَّفْرِيقِ عَلى التَّفْسِيرِ الأوَّلِ ما يَسْتَتْبِعُهُ القِتالُ مِنَ التَّفْرِيقِ الَّذِي لا يُرْجى بَعْدَهُ الِاجْتِماعُ. (لَمْ تَرْقُبْ) أيْ ولَمْ تُراعِ (قَوْلِي) والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى (فَرَّقْتَ) أيْ خَشِيتُ أنْ تَقُولَ مَجْمُوعَ الجُمْلَتَيْنِ (p-252)وتَنْسُبَ إلَيَّ تَفْرِيقَ بَنِي إسْرائِيلَ وعَدَمَ مُراعاةِ قَوْلِكَ لِي ووَصِيَّتَكَ إيّايَ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ ﴿فَرَّقْتَ﴾ أيْ خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَهم غَيْرَ مُراعٍ قَوْلِي أيْ خَشِيتُ أنْ تَقُولَ مَجْمُوعَ هَذا الكَلامِ، وأرادَ بِقَوْلِ مُوسى المُضافِ إلى الياءِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿اخْلُفْنِي في قَوْمِي وأصْلِحْ﴾ إلَخْ، وحاصِلُ اعْتِذارِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إنِّي رَأيْتُ الإصْلاحَ في حِفْظِ الدَّهْماءِ والمُداراةِ مَعَهم وزَجْرِهِمْ عَلى وجْهٍ لا يَخْتَلُّ بِهِ أمْرُ انْتِظامِهِمْ واجْتِماعِهِمْ ولا يَكُونُ سَبَبًا لِلَوْمِكَ إيّايَ إلى أنْ تَرْجِعَ إلَيْهِمْ فَتَكُونَ أنْتَ المُتَدارِكُ لِلْأمْرِ حَسْبَما تَراهُ لا سِيَّما والقَوْمُ قَدِ اسْتَضْعَفُونِي وقَرُبُوا مِن أنْ يَقْتُلُونِي كَما أفْصَحَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِهَذا في آيَةٍ أُخْرى. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ مِنَ القَوْلِ المُضافِ قَوْلُ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وجُمْلَةُ (لَمْ تَرْقُبْ) في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ (تَقُولَ) أيْ خَشِيتُ أنْ تَقُولَ ذَلِكَ غَيْرَ مُنْتَظِرٍ قَوْلِي وبَيانُ حَقِيقَةِ الحالِ فَتَأمَّلْ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ ( ولَمْ تَرْقُبْ ) بِضَمِّ التّاءِ وكَسْرِ القافِ مُضارِعُ أرْقَبَ (قالَ) اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَمّا نَشَأ مِن حِكايَةِ ما سَلَفَ مِنِ اعْتِذارِ القَوْمِ بِإسْنادِ الفَسادِ إلى السّامِرِيِّ واعْتِذارِ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا صَنَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ سَماعِ ما حُكِيَ مِنَ الِاعْتِذارَيْنِ واسْتِقْرارِ أصْلِ الفِتْنَةِ عَلى السّامِرِيِّ؟ فَقِيلَ قالَ مُوَبِّخًا لَهُ إذا كانَ الأمْرُ هَذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب