الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ﴾ اسْتِئْنافٌ نَشَأ مِن حِكايَةِ جَوابِهِمُ السّابِقِ أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى ﴿ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ﴾ إلَخْ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ مُوسى لِهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ حِينَ سَمِعَ جَوابَهم وهَلْ رَضِيَ بِسُكُوتِهِ بَعْدَ ما شاهَدَ مِنهم ما شاهَدَ؟ فَقِيلَ: قالَ لَهُ وهو مُغْتاظٌ قَدْ أخَذَ بِلِحْيَتِهِ ورَأْسِهِ ﴿يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إذْ رَأيْتَهم ضَلُّوا﴾ بِعِبادَةِ العِجْلِ ولَمْ يَلْتَفِتُوا إلى دَلِيلِ بُطْلانِها ﴿ألا تَتَّبِعَنِي﴾ أيْ تَتَّبِعَنِي عَلى أنْ لا سَيْفٌ خَطِيبٌ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ما مَنَعَكَ ألا تَسْجُدَ﴾ وهو مَفْعُولٌ ثانٍ لِمَنَعَ وإذْ مُتَعَلِّقٌ بِمَنَعَ، وقِيلَ: بِتَتَّبِعَنِي، ورَدَ بِأنَّ ما بَعْدَ- أنْ- لا يَعْمَلُ فِيما قَبْلَها، وأُجِيبُ بِأنَّ الظَّرْفَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ ما لَمْ يُتَوَسَّعْ في غَيْرِهِ وبِأنَّ الفِعْلَ السّابِقَ لِما طَلَبَهُ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لَهُ كانَ مُقَدَّمًا حَكَمًا وهو كَما تَرى أيْ أيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ حِينَ رُؤْيَتِكَ لِضَلالِهِمْ مِن أنْ تَتَّبِعَنِي وتَسِيرَ بِسَيْرِي في الغَضَبِ لِلَّهِ تَعالى والمُقاتَلَةِ مَعَ مَن كَفَرَ بِهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُقاتِلٍ، وقِيلَ: في الإصْلاحِ والتَّسْدِيدِ ولا يُساعِدُهُ ظاهِرُ الِاعْتِذارِ، واسْتَظْهَرَ أبُو حَيّانَ أنْ يَكُونَ المَعْنى ما مَنَعَكَ مِن أنْ تَلْحَقَنِي إلى جَبَلِ الطُّورِ بِمَن آمَنُ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ (p-251)رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وكانَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ رَأى أنَّ مُفارَقَةَ هارُونَ لَهم وخُرُوجَهُ مِن بَيْنِهِمْ بَعْدَ تِلْكَ النَّصائِحِ القَوْلِيَّةِ أزْجَرُ لَهم مِنَ الِاقْتِصارِ عَلى النَّصائِحِ لِما أنَّ ذَلِكَ أدَلُّ عَلى الغَضَبِ وأشَدُّ في الإنْكارِ لا سِيَّما وقَدْ كانَ عَلَيْهِ السَّلامُ رَئِيسًا عَلَيْهِمْ مَحْبُوبًا لَدَيْهِمْ، ومُوسى يَعْلَمُ ذَلِكَ ومُفارَقَةُ الرَّئِيسِ المَحْبُوبِ كَراهَةً لِأمْرٍ تَشُقُّ جِدًّا عَلى النُّفُوسِ وتَسْتَدْعِي تَرْكَ ذَلِكَ الأمْرِ المَكْرُوهِ لَهُ الَّذِي يُوجِبُ مُفارَقَتَهُ وهَذا ظاهِرٌ لا غُبارَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَن أنْصَفَ. فالقَوْلُ بِأنَّ نَصائِحَ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَيْثُ لَمْ تَزْجُرْهم عَمّا كانُوا عَلَيْهِ فَلِأنْ لا تَزْجُرَهم مُفارَقَتُهُ إيّاهم عَنْهُ أوْلى عَلى ما فِيهِ لا يَرُدُّ عَلى ما ذَكَرْنا ولا حاجَةَ إلى الِاعْتِذارِ بِأنَّهم إذا عَلِمُوا أنَّهُ يَلْحَقُهُ ويُخْبِرُهُ عَلَيْهِما السَّلامُ بِالقِصَّةِ يَخافُونَ رُجُوعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَنْزَجِرُونَ عَنْ ذَلِكَ لِيُقالَ: إنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ القَبُولِ كَيْفَ لا وهْمَ قَدْ صَرَّحُوا بِأنَّهم عاكِفُونَ عَلَيْهِ إلى حِينِ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: إنَّ (لا) لَيْسَتْ مَزِيدَةً، والمَعْنى ما حَمَلَكَ عَلى عَدَمِ الِاتِّباعِ فَإنَّ المَنعَ عَنِ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَمْلِ عَلى مُقابِلِهِ ﴿أفَعَصَيْتَ أمْرِي﴾ بِسِياسَتِهِمْ حَسَبَ ما يَنْبَغِي فَإنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿اخْلُفْنِي في قَوْمِي﴾ بِدُونِ ضَمِّ قَوْلِهِ ﴿وأصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ﴾ مُتَضَمِّنٌ لِلْأمْرِ بِذَلِكَ حَتْمًا فَإنَّ الخِلافَةَ لا تَتَحَقَّقُ إلّا بِمُباشَرَةِ الخَلِيفَةِ ما كانَ يُباشِرُهُ المُسْتَخْلَفُ لَوْ كانَ حاضِرًا ومُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَوْ كانَ حاضِرًا لَساسَهم عَلى أبْلَغِ وجْهٍ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ أيْ ألَمْ تَتْبَعْنِي أوْ أخالَفْتَنِي فَعَصَيْتَ أمْرِي
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب