الباحث القرآني
﴿قالَ﴾ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالِ نَشَأ مِن حِكايَةِ اعْتِذارِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وهو السِّرُّ في وُرُودِهِ عَلى صِيغَةِ الغائِبِ لا أنَّهُ التِفاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إلى الغَيْبَةِ لِما أنَّ المُقَدَّرَ فِيما سَبَقَ عَلى صِيغَةِ التَّكَلُّمِ كَأنَّهُ قِيلَ مِن جِهَةِ السّامِعِينَ: فَماذا قالَ لَهُ رَبُّهُ تَعالى حِينَئِذٍ؟ فَقِيلَ: قالَ سُبْحانَهُ ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ﴾ أيِ اخْتَبَرْناهم بِما فَعَلَ السّامِرِيُّ أوْ أوْقَعْناهم في فِتْنَةٍ أيْ مَيْلٍ مَعَ الشَّهَواتِ ووُقُوعٍ في اخْتِلافٍ ﴿مِن بَعْدِكَ﴾ مِن بَعْدِ فِراقِكَ لَهم وذَهابِكَ مِن بَيْنِهِمْ ﴿وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ حَيْثُ أخْرَجَ لَهم عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ ودَعاهم إلى عِبادَتِهِ. وقِيلَ: قالَ لَهم بَعْدَ أنْ غابَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْهم عِشْرِينَ لَيْلَةً: إنَّهُ قَدْ كَمُلَتِ الأرْبَعُونَ فَجَعَلَ العِشْرِينَ مَعَ أيّامِها أرْبَعِينَ لَيْلَةً. ولَيْسَ مِن مُوسى عَيْنٌ ولا أثَرٌ ولَيْسَ إخْلافُهُ مِيعادَكم إلّا لِما مَعَكم مِن حُلِيِّ القَوْمِ وهو حَرامُ عَلَيْكم فَجَمَعُوهُ وكانَ مِن أمْرِ العِجْلِ ما كانَ. والمُرادُ بِقَوْمِكَ هُنا الَّذِينَ خَلَّفَهم مَعَ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وكانُوا عَلى ما قِيلَ سِتَّمِائَةِ ألْفٍ ما نَجا مِنهم مَن عِبادَةِ العِجْلِ إلّا اثْنا عَشَرَ ألْفًا فالمُرادُ بِهِمْ غَيْرُ المُرادِ بِقَوْمِكَ فِيما تَقَدَّمَ، ولِذا لَمْ يُؤْتَ بِضَمِيرِهِمْ، وقِيلَ: المُرادُ بِالقَوْمِ في المَوْضِعَيْنِ المُتَخَلِّينَ لِتَعَيُّنِ إرادَتِهِمْ هُنا، والمَعْرِفَةُ المُعادَةُ عَيْنُ الأُولى. ومَعْنى ﴿هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ هم بِالقُرْبِ مِنِّي يَنْتَظِرُونَنِي.
وتَعَقَّبَهُ في الكَشْفِ بِأنَّهُ غَيْرُ مُلائِمٍ لِلَفْظِ الأثَرِ ولا هو مُطابِقٌ لِتَمْهِيدِ عُذْرِ العَجَلَةِ ومِن أيْنَ لِصاحِبِ هَذا التَّأْوِيلِ النَّقْلُ بِأنَّهم كانُوا عَلى القُرْبِ مِنَ الطُّورِ وحَدِيثُ المَعْرِفَةِ المُعادَةِ إنَّما هو إذا لَمْ يَقُمْ دَلِيلُ التَّغايُرِ وقَدْ قامَ، عَلى أنَّ لَنا أنْ تَقُولَ: هي عَيْنُ الأُولى لِأنَّ المُرادَ بِالقَوْمِ الجِنْسُ في المَوْضِعَيْنِ لَكِنَّ المَقْصُودَ مِنهُ أوَّلًا النُّقَباءُ وثانِيًا المُتَخَلِّفُونَ ومِثْلُهُ كَثِيرٌ في القُرْآنِ انْتَهى. وما ذَكَرَهُ مِن نَفْيِ النَّقْلِ الدّالِّ عَلى القُرْبِ فِيهِ مُقالٌ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى قَرِيبًا مِنَ الأخْبارِ ما يَدُلُّ بِظاهِرِهِ عَلى القُرْبِ إلّا أنّا لَمْ نَقِفْ عَلى تَصْحِيحِهِ أوْ تَضْعِيفِهِ.
وما ذُكِرَ مِن تَفْسِيرِ ﴿هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ عَلى إرادَةِ المُتَخَلِّفِينَ في الأوَّلِ أيْضًا نَقَلَهُ الطَّبَرَسِيُّ عَنِ الحَسَنِ، ونُقِلَ عَنْهُ أيْضًا تَفْسِيرُهُ بِأنَّهم عَلى دِينِي ومِنهاجِي والأمْرُ عَلَيْهِ أهْوَنُ. والفاءُ لِتَعْلِيلِ ما يُفْهِمُهُ الكَلامُ السّابِقُ كَأنَّهُ قِيلَ: لا يَنْبَغِي عَجَلَتُكَ عَنْ قَوْمِكَ وتَقَدُّمُكَ عَلَيْهِمْ وإهْمالُ أمْرِهِمْ لِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ فَإنَّهم لِحَداثَةِ عُهَدِهِمْ بِاتِّباعِكَ ومَزِيدِ بَلاهَتِهِمْ وحَماقَتِهِمْ بِمَكانٍ يَحِيقُ فِيهِ مَكْرُ الشَّيْطانِ ويَتَمَكَّنُ مِن إضْلالِهِمْ فَإنَّ القَوْمَ الَّذِينَ خَلَّفْتَهم مَعَ أخِيكَ قَدْ فُتِنُوا وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ بِخُرُوجِكَ مِن بَيْنِهِمْ فَكَيْفَ تَأْمَنُ عَلى هَؤُلاءِ الَّذِينَ أغْفَلْتَهم وأهْمَلْتَ أمْرَهم.
وفِي إرْشادِ العَقْلِ السَّلِيمِ إنَّها لِتَرْتِيبِ الأخْبارِ بِما ذُكِرَ مِنَ الِابْتِلاءِ عَلى أخْبارِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِعَجَلَتِهِ لَكِنْ لا لِأنَّ الأخْبارَ بِها سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلْإخْبارِ بِهِ بَلْ لِما بَيْنَهُما مِنَ المُناسَبَةِ المُصَحِّحَةِ لِلِانْتِقالِ مِن أحَدِهِما إلى الآخَرِ مِن حَيْثُ إنَّ مَدارَ الِابْتِلاءِ المَذْكُورِ عَجَلَةُ القَوْمِ ولَيْسَ بِذاكَ. وأمّا قَوْلُ الخَفاجِيِّ: إنَّها لِلتَّعْقِيبِ مِن غَيْرِ تَعْلِيلٍ أخَرَ أقُولُ لَكَ عَقِبَ ما ذُكِرَ إنّا قَدْ فُتِنّا إلى آخِرِهِ فَفِيهِ سَهْوٌ ظاهِرٌ؛ لِأنَّ هَذا المَعْنى إنَّما يَتَسَنّى لَوْ كانَتِ الفاءُ داخِلَةً عَلى القَوْلِ لَكِنَّها داخِلَةٌ عَلى ما بَعْدَهُ وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الفِتَنَ وإضْلالَ السّامِرِيِّ إيّاهم قَدْ تَحَقَّقا ووَقَعا قَبْلَ الإخْبارِ بِهِما إذْ صِيغَةُ الماضِي ظاهِرَةٌ في ذَلِكَ، والظّاهِرُ أيْضًا عَلى ما قَرَّرْنا أنَّ الإخْبارَ كانَ عِنْدَ مَجِيئِهِ عَلَيْهِ (p-244)السَّلامُ لِلطَّوْرِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إلّا العِتابُ والِاعْتِذارُ. وفي الآثارِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ وُقُوعَ ما ذُكِرَ كانَ بَعْدَ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِن ذَهابِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِجانِبِ الطُّورِ، وقِيلَ: بَعْدَ سِتٍّ وثَلاثِينَ يَوْمًا وحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الماضِي لِاعْتِبارِ تَحَقُّقِهِ في عِلْمِ اللَّهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ أوْ لِأنَّهُ قَرِيبُ الوُقُوعِ مُتَرَقَّبُهُ أوْ لِأنَّ السّامِرِيَّ كانَ قَدْ عَزَمَ عَلى إيقاعِ الفِتْنَةِ عِنْدَ ذَهابِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وتَصَدّى لِتَرْتِيبِ مَبادِئِها وتَمْهِيدِ مَبانِيها فَنَزَّلَ مُباشَرَةَ الأسْبابِ مَنزِلَةَ الوُقُوعِ. والسّامِرِيُّ عِنْدَ الأكْثَرِ كَما قالَ الزَّجّاجُ: كانَ عَظِيمًا مِن عُظَماءِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَبِيلَةٍ تُعْرَفُ بِالسّامِرَةِ وهم إلى هَذِهِ الغايَةِ في الشّامِ يُعْرَفُونَ بِالسّامِرِيِّينَ، وقِيلَ: هو ابْنُ خالَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: ابْنُ عَمِّهِ، وقِيلَ: كانَ عِلْجًا مَن كِرْمانَ، وقِيلَ: كانَ مِن أهْلِ باجِرْما قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِن مِصْرَ أوْ قَرْيَةٍ مِن قُرى مُوصِلَ، وقِيلَ: كانَ مِنَ القِبْطِ وخَرَجَ مَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُظْهِرًا الإيمانَ وكانَ جارَهُ.
وقِيلَ: كانَ مِن عُبّادِ البَقَرِ وقَعَ في مِصْرَ فَدَخَلَ في بَنِي إسْرائِيلَ بِظاهِرِهِ وفي قَلْبِهِ عِبادَةُ البَقَرِ. واسْمُهُ قِيلَ مُوسى بْنُ ظَفَرٍ، وقِيلَ: مُنَجّا، والأوَّلُ أشْهَرُ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ أُمَّهُ حِينَ خافَتْ أنْ يُذْبَحَ خَلَّفَتْهُ في غارٍ وأطْبَقَتْ عَلَيْهِ فَكانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَأْتِيهِ فَيَغْذُوهُ بِأصابِعِهِ في واحِدَةٍ لَبَنًا وفي الأُخْرى عَسَلًا، وفي الأُخْرى سَمْنًا ولَمْ يَزَلْ يَغْذُوهُ حَتّى نَشَأ وعَلى ذَلِكَ قَوْلُ مَن قالَ:
؎إذا المَرْءُ لَمْ يُخْلَقْ سَعِيدًا تَحَيَّرَتْ عُقُولُ مُرَبِّيهِ وخابَ المُؤَمِّلُ
؎فَمُوسى الَّذِي رَبّاهُ جِبْرِيلُ كافِرٌ ∗∗∗ ومُوسى الَّذِي رَبّاهُ فِرْعَوْنُ مُرْسَلُ
وبِالجُمْلَةِ كانَ عِنْدَ الجُمْهُورِ مُنافِقًا يُظْهِرُ الإيمانُ ويُبْطِنُ الكُفْرَ، وقَرَأ مُعاذٌ (أضَلُّهُمْ) عَلى أنَّهُ أفْعَلُ تَفْضِيلٍ أيْ أشَدُّهم ضَلالًا لِأنَّهُ ضالٌّ ومُضِلٌّ
{"ayah":"قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِیُّ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











