الباحث القرآني
﴿وإنِّي لَغَفّارٌ﴾ كَثِيرُ المَغْفِرَةِ ﴿لِمَن تابَ﴾ مِنَ الشِّرْكِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقِيلَ: مِنهُ ومِنَ المَعاصِي الَّتِي مِن جُمْلَتِها الطُّغْيانُ فِيما رُزِقَ ﴿وآمَنَ﴾ بِما يَجِبُ الإيمانُ بِهِ. واقْتَصَرَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فِيما يُرْوى عَنْهُ عَلى ذِكْرِ الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى ولَعَلَّهُ مِن بابِ الِاقْتِصارِ عَلى الأشْرَفِ، وإلّا فالأفْيَدُ إرادَةُ العُمُومِ مَعَ ذِكْرِ التَّوْبَةِ مِنَ الشِّرْكِ ﴿وعَمِلَ صالِحًا﴾ أيْ عَمَلًا مُسْتَقِيمًا عِنْدَ الشَّرْعِ وهو بِحَسَبِ الظّاهِرِ شامِلٌ لِلْفَرْضِ والسُّنَّةِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِأداءِ الفَرائِضِ ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ أيْ لَزِمَ الهُدى واسْتَقامَ عَلَيْهِ إلى المُوافاةِ وهو مَرْوِيٌّ عَنِ الحَبْرِ.
والهُدى يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ الإيمانُ، وقَدْ صَرَّحَ سُبْحانَهُ بِمَدْحِ المُسْتَقِيمِينَ عَلى ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ ألا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا﴾ .
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الِاهْتِداءُ هو الِاسْتِقامَةُ والثَّباتُ عَلى الهُدى المَذْكُورِ وهو التَّوْبَةُ والإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ وأيًّا ما كانَ فَكَلِمَةُ ثُمَّ إمّا لِلتَّراخِي بِاعْتِبارِ الِانْتِهاءِ لِبُعْدِهِ عَنْ أوَّلِ الِانْتِهاءِ أوْ لِلدَّلالَةِ عَلى بُعْدِ ما بَيْنَ المَرْتَبَتَيْنِ فَإنَّ المُداوَمَةَ أعْلى وأعْظَمُ مِنَ الشُّرُوعِ كَما قِيلَ:
؎لِكُلٍّ إلى شَأْوِ العُلى وثَباتٌ ولَكِنْ قَلِيلٌ في الرِّجالِ ثُباتُ
(p-241)وقِيلَ: المُرادُ ثُمَّ عَمِلَ بِالسُّنَّةِ، وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ عَنِ الحَبْرِ أنَّ المُرادَ مَنِ اهْتَدى عَلِمَ أنَّ لِعَمَلِهِ ثَوابًا يُجْزى عَلَيْهِ، ورُوِيَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وقِيلَ: المُرادُ طَهَّرَ قَلْبَهُ مِنَ الأخْلاقِ الذَّمِيمَةِ. كالعُجْبِ والحَسَدِ والكِبْرِ وغَيْرِها، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الَّذِي يَقْوى في مَعْنى ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ أنْ يَكُونَ ثُمَّ حَفِظَ مُعْتَقَداتِهِ مِن أنْ تُخالِفَ الحَقَّ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ فَإنَّ الِاهْتِداءَ عَلى هَذا الوَجْهِ غَيْرُ الإيمانِ وغَيْرُ العَمَلِ انْتَهى، ولا يَخْفى عَلَيْكَ أنَّ هَذا يَرْجِعُ إلى قَوْلِنا ثُمَّ اسْتَقامَ عَلى الإيمانِ بِما يَجِبُ الإيمانُ بِهِ عَلى الوَجْهِ الصَّحِيحِ، ورَوى الإمامِيَّةُ مِن عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ الباقِرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ثُمَّ اهْتَدى إلى وِلايَتِنا أهْلِ البَيْتِ فَواللَّهِ لَوْ أنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ تَعالى عُمْرَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ والمَقامِ ثُمَّ ماتَ ولَمْ يَجِئْ بِوِلايَتِنا لَأكَبَّهُ اللَّهُ تَعالى في النّارِ عَلى وجْهِهِ.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ وِلايَتَهم وحُبَّهم رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم مِمّا لا كَلامَ عِنْدَنا في وُجُوبِهِ لَكِنَّ حَمْلَ الِاهْتِداءِ في الآيَةِ عَلى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِها حِكايَةً لِما خاطَبَ اللَّهُ تَعالى بِهِ بَنِي إسْرائِيلَ في زَمانِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِمّا يَسْتَدْعِي القَوْلَ بِأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ أعْلَمُ بَنِي إسْرائِيلَ بِأهْلِ البَيْتِ وأوْجَبَ عَلَيْهِمْ ولايَتَهم إذْ ذاكَ ولَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ في صَحِيحِ الأخْبارِ.
نَعَمْ رَوى الإمامِيَّةُ مِن خَبَرِ جارُودِ بْنِ المُنْذِرِ العَبْدِيِّ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لَهُ: ( «يا جارُودُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إلى السَّماءِ أوْحى اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إلَيَّ أنْ سَلْ مَن أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِن رُسُلِنا عَلامَ بُعِثُوا؟ قُلْتُ: عَلامَ بُعِثُوا؟ قالَ: عَلى نُبُوَّتِكَ ووِلايَةِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ والأئِمَّةِ مِنكُما، ثُمَّ عَرَّفَنِي اللَّهُ تَعالى بِهِمْ بِأسْمائِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ ﷺ أسْماءَهم واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ إلى المَهْدِيِّ» . وهو خَبَرٌ طَوِيلٌ يَتَفَجَّرُ الكَذِبُ مِنهُ. ولَهم أخْبارٌ في هَذا المَطْلَبِ كُلُّها مِن هَذا القَبِيلِ فَلا فائِدَةَ في ذِكْرِها إلّا التَّطْوِيلُ. والآيَةُ تَدُلُّ عَلى تَحَقُّقِ المَغْفِرَةِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِمَجْمُوعِ الصِّفاتِ المَذْكُورَةِ. وقُصارى ما يُفْهَمُ مِنها عِنْدَ القائِلِينَ بِالمَفْهُومِ عَدَمُ تُحَقُّقِها لِمَن لَمْ يَتَّصِفْ بِالمَجْمُوعِ، وعَدَمُ التَّحَقُّقِ أعَمُّ مِن تُحَقِّقِ العَدَمِ فالآيَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ أنْ تَكُونَ دَلِيلًا لِلْمُعْتَزِلِيِّ عَلى تَحَقُّقِ عَدَمِ المَغْفِرَةِ لِمُرْتَكِبِ الكَبِيرَةِ إذا ماتَ مِن غَيْرِ تَوْبَةٍ، فافْهَمْ. واحْتَجَّ بِها مَن قالَ تَجِبُ التَّوْبَةُ عَنِ الكُفْرِ أوَّلًا ثُمَّ الإتْيانُ بِالإيمانِ ثانِيًا لِأنَّهُ قَدَّمَ فِيها التَّوْبَةَ عَلى الإيمانِ، واحْتَجَّ بِها أيْضًا مَن قالَ بِعَدَمِ دُخُولِ العَمَلِ الصّالِحِ في الإيمانِ لِلْعَطْفِ المُقْتَضِي لِلْمُغايَرَةِ
{"ayah":"وَإِنِّی لَغَفَّارࣱ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











