الباحث القرآني
﴿كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ أيْ: مِن لَذائِذِهِ أوْ حَلالاتِهِ عَلى أنَّ المُرادَ بِالطَّيِّبِ ما يَسْتَطِيبُهُ الطَّبْعُ أوِ الشَّرْعُ.
وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالطَّيِّباتِ ما جَمَعَتْ وصْفَيِ اللَّذَّةِ والحِلِّ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ إباحَةِ ما ذُكِرَ لَهم وإتْمامًا لِلنِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ، وقَرَأ مَن ذُكِرَ آنِفًا ( رَزَقْتُكم ) وقَدَّمَ سُبْحانَهُ نِعْمَةَ الإنْجاءِ مِنَ العَدُوِّ لِأنَّها مِن بابِ دَرْءِ المَضارِّ وهو أهَمُّ مِن جَلْبِ المَنافِعِ ومَن ذاقَ مَرارَةَ كَيْدِ الأعْداءِ خَذَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى ثُمَّ أنْجاهُ اللَّهُ تَعالى وجَعَلَ كَيْدَهم في نُحُورِهِمْ عَلِمَ قَدْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يُتِمَّ نِعَمَهُ عَلَيْنا وأنْ لا يَجْعَلَ لِعَدُوٍّ سَبِيلًا إلَيْنا، وثَنّى جَلَّ وعَلا بِالنِّعْمَةِ الدِّينِيَّةِ لِأنَّها الأنْفُ في وجْهِ المَنافِعِ، وأخَّرَ عَزَّ وجَلَّ النِّعْمَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ لِكَوْنِها دُونَ ذَلِكَ فَتَبًّا لِمَن يَبِيعُ الدِّينَ بِالدُّنْيا ﴿ولا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ أيْ: فِيما رَزَقْناكم بِالإخْلالِ بِشُكْرِهِ وتَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعالى فِيهِ بِالسَّرَفِ والبَطَرِ والِاسْتِعانَةِ بِهِ عَلى مَعاصِي اللَّهِ تَعالى ومَنعِ الحُقُوقِ الواجِبَةِ فِيهِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: أيْ لا يَظْلِمُ بَعْضُكم بَعْضًا فَيَأْخُذُهُ مِن صاحِبِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وقِيلَ: أيْ لا تَدَّخِرُوا.
وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ( ولا تَطْغُوا ) بِضَمِّ الغَيْنِ ﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبِي﴾ جَوابٌ لِلنَّهْيِ أيْ فَيَلْزَمَكم غَضَبِي ويَجِبُ لَكم مِن حَلَّ الدِّينَ يَحِلُّ بِكَسْرِ الحاءِ إذا وجَبَ أداؤُهُ وأصْلُهُ مِنَ الحُلُولِ وهو في الأجْسامِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِغَيْرِها وشاعَ حَتّى صارَتْ حَقِيقَةً فِيهِ ﴿ومَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى﴾ أيْ هَلَكَ (p-240)وأصْلُهُ الوُقُوعُ مِن عُلُوٍّ كالجَبَلِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في الهَلاكِ لِلُزُومِهِ لَهُ، وقِيلَ: أيْ وقَعَ في الهاوِيَةِ وإلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجّاجُ.
وفِي بَعْضِ الآثارِ أنَّ في جَهَنَّمَ قَصْرًا يُرْمى الكافِرُ مِن أعْلاهُ فَيَهْوِي في جَهَنَّمَ أرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أنْ يَبْلُغَ الصَّلْصالَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَقَدْ هَوى﴾ فَيَكُونُ بِمَعْناهُ الأصْلِيِّ إذا أُرِيدَ بِهِ فَرْدٌ مَخْصُوصٌ مِنهُ لا بِخُصُوصِهِ.
وقَرَأ الكِسائِيُّ ( فَيَحُلَّ ) بِضَمِّ الحاءِ ( ومَن يَحْلُلْ ) بِضَمِّ اللّامِ الأُولى وهي قِراءَةُ قَتادَةَ وأبِي حَيْوَةَ والأعْمَشِ وطَلْحَةَ ووافَقَ ابْنُ عُتْبَةَ في (يَحْلُلْ) فَضَمَّ، وفي الإقْناعِ لِأبِي عَلِيٍّ الأهْوازِيِّ قَرَأ ابْنُ غَزْوانَ عَنْ طَلْحَةَ ( لا يَحِلَّنَّ عَلَيْكم ) بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ وفَتْحِ اللّامِ وكَسْرِ الحاءِ وهو مِن بابِ: لا أرَيَنَّكَ هُنا، وفي كِتابِ اللَّوامِحِ قَرَأ قَتادَةُ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَسارٍ وابْنُ وثّابٍ والأعْمَشُ ( فَيُحِلَّ ) بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الحاءِ مِنَ الإحْلالِ فَفاعِلُهُ ضَمِيرُ الطُّغْيانِ، (وغَضَبِي) مَفْعُولُهُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ هو الفاعِلَ والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أيِ العَذابُ أوْ نَحْوُهُ، ومَعْنى يَحُلَّ مَضْمُومِ الحاءِ يَنْزِلُ مِن حَلَّ بِالبَلَدِ إذا نَزَلَ كَما في الكَشّافِ.
وفِي المِصْباحِ حَلَّ العَذابُ يَحِلُّ ويَحُلُّ هَذِهِ وحْدَها بِالكَسْرِ والضَّمِّ والباقِي بِالكَسْرِ فَقَطْ، والغَضَبُ في البَشَرِ ثَوَرانُ دَمِ القَلْبِ عِنْدَ إرادَةِ الِانْتِقامِ، وفي الحَدِيثِ ( «اتَّقُوا الغَضَبَ فَإنَّهُ جَمْرَةٌ تُوقَدُ في قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ألَمْ تَرَوْا إلى انْتِفاخِ أوْداجِهِ وحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ» )
وإذا وُصِفَ اللَّهُ تَعالى بِهِ لَمْ يُرَدْ هَذا المَعْنى قَطْعًا وأُرِيدَ مَعْنًى لائِقٌ بِشَأْنِهِ عَزَّ شَأْنُهُ، وقَدْ يُرادُ بِهِ الِانْتِقامُ والعُقُوبَةُ أوْ إرادَتُهُما نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعالى مِن ذَلِكَ، ووَصْفُ ذَلِكَ بِالحُلْوِ حَقِيقَةً عَلى بَعْضِ الِاحْتِمالاتِ ومَجازًا عَلى بَعْضٍ آخَرَ، وفي الِانْتِصافِ أنَّ وصْفَهُ بِالحُلُولِ لا يَتَأتّى عَلى تَقْدِيرِ أنْ يُرادَ بِهِ إرادَةُ العُقُوبَةِ ويَكُونُ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ( «يَنْزِلُ رَبُّنا إلى السَّماءِ الدُّنْيا» ) .
عَلى التَّأْوِيلِ المَعْرُوفِ أوْ عَبَّرَ عَنْ حُلُولِ أثَرِ الإرادَةِ بِحُلُولِها تَعْبِيرًا عَنِ الأثَرِ بِالمُؤَثِّرِ، كَما يَقُولُ النّاظِرُ إلى عَجِيبٍ مِن مَخْلُوقاتِ اللَّهِ تَعالى: انْظُرْ إلى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى يَعْنِي أثَرَ القُدْرَةِ لا نَفْسَها
{"ayah":"كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡا۟ فِیهِ فَیَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبِیۖ وَمَن یَحۡلِلۡ عَلَیۡهِ غَضَبِی فَقَدۡ هَوَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق