الباحث القرآني

﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ أيْ تَبِعَهم ومَعَهُ جُنُودُهُ عَلى أنَّ أتْبَعَ بِمَعْنى تَبِعَ وهو مُتَعَدٍّ إلى واحِدٍ والباءُ لِلْمُصاحَبَةِ والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ أنَّهُ قَرَأ الحَسَنُ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ: فاتَّبَعَهم بِتَشْدِيدِ التّاءِ، وقُرِئَ أيْضًا (فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ)، وقِيلَ: أتْبَعَ مُتَعَدٍّ إلى اثْنَيْنِ هُنا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ( أتْبَعْناهم ذُرِيّاتِهِمْ ) والثّانِي مُقَدَّرٌ أيْ فَأتْبَعَهم رُؤَساءُ دَوْلَتِهِ أوْ عِقابُهُ، وقِيلَ: نَفْسُهُ والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ أيْضًا، وعَنِ الأزْهَرِيِّ أنَّ المَفْعُولَ الثّانِيَ جُنُودُهُ والباءُ سَيْفٌ خَطِيبٌ أيْ أتْبَعَهم فِرْعَوْنُ جُنُودَهُ وساقَهم خَلْفَهم فَكانَ مَعَهم يَحُثُّهم عَلى اللُّحُوقِ بِهِمْ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَفْعُولُ الثّانِي جُنُودَهُ والباءُ لِلتَّعْدِيَةِ فَيَكُونُ قَدْ تَعَدّى الفِعْلُ إلى واحِدٍ بِنَفْسِهِ وإلى الآخَرِ بِالحَرْفِ، وأيًّا ما كانَ فالفاءُ فَصِيحَةٌ مُعْرِبَةٌ عَنْ مُضْمَرٍ قَدْ طُوِيَ ذِكْرُهُ ثِقَةً بِغايَةِ ظُهُورِهِ وإيذانًا بِكَمالِ مُسارَعَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إلى الِامْتِثالِ بِالأمْرِ أيْ فَفَعَلَ ما أُمِرَ بِهِ مِنَ الإسْراءِ بِعِبادِي وضَرْبِ الطَّرِيقِ لَهم فاتَّبَعَهُ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ الإيحاءَ بِالضَّرْبِ كانَ بَعْدَ أنِ اتَّبَعَهم فِرْعَوْنُ وتَراءى الجَمْعانِ. والظّاهِرُ الأوَّلُ، رُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ خَرَجَ بِهِمْ أوَّلَ اللَّيْلِ يُرِيدُ القَلْزُمَ وكانُوا قَدِ اسْتَعارُوا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ الحُلِيَّ والدَّوابَّ لِعِيدٍ يَخْرُجُونَ إلَيْهِ وكانُوا سِتَّمِائَةِ ألْفٍ وثَلاثَةَ آلافٍ ونَيِّفًا لَيْسَ فِيهِمُ ابْنُ سِتِّينَ ولا عِشْرِينَ، وفي رِوايَةٍ أنَّهم خَرَجُوا وهم سِتُّمِائَةِ ألْفٍ وسَبْعُونَ ألْفًا وأخْرَجُوا مَعَهم جَسَدَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّهُ كانَ عَهِدَ إلَيْهِمْ ذَلِكَ ودَلَّتْهم عَجُوزٌ عَلى مَوْضِعِهِ، فَقالَ لَها مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: احْتَكِمِي فَقالَتْ: أكُونُ مَعَكَ في الجَنَّةِ، فاتَّصَلَ الخَبَرُ بِفِرْعَوْنَ فَجَمَعَ جُنُودَهُ وخَرَجَ بِهِمْ وكانَ في خَيْلِهِ سَبْعُونَ ألْفَ أدْهَمَ، وكانَتْ مُقَدِّمَتُهُ فِيما يُحْكى سَبْعَمِائَةِ ألْفِ فارِسٍ، وقِيلَ: ألْفَ ألْفٍ وخَمْسَمِائَةِ ألْفٍ فَقَصَّ أثَرَهم حَتّى تَراءى الجَمْعانِ، فَعَظُمَ فَزَعُ بَنِي إسْرائِيلَ فَضَرَبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِعَصاهُ البَحْرَ فانْفَلَقَ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا كُلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العَظِيمِ، فَدَخَلُوا ووَصَلَ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ إلى المَدْخَلِ فَرَأوُا البَحْرَ مُنْفَلِقًا، فاسْتَعْظَمُوا الأمْرَ فَقالَ فِرْعَوْنُ لَهم: إنَّما انْفَلَقَ مِن هَيْبَتِي فَدَخَلَ عَلى فَرَسٍ حِصانٍ وبَيْنَ يَدَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى فَرَسٍ حَجَرٍ وصاحَتِ المَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وكانُوا ثَلاثَةً وثَلاثِينَ مَلَكًا: أنِ ادْخُلُوا فَدَخَلُوا حَتّى إذا اسْتَكْمَلُوا دُخُولًا خَرَجَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِمَن مَعَهُ مِنَ الأسْباطِ سالِمِينَ ولَمْ يَخْرُجْ أحَدٌ مِن فِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ أيْ عَلاهم مِنهُ وغَمَرَهم ما غَمَرَهم مِنَ الأمْرِ الهائِلِ الَّذِي لا يُقادَرُ قَدْرُهُ ولا يُبْلَغُ كُنْهُهُ. (p-238)وقِيلَ: غَشِيَهم ما سَمِعْتَ قِصَّتَهُ ولَيْسَ بِذاكَ فَإنَّ مَدارَ التَّهْوِيلِ والتَّفْخِيمِ خُرُوجُهُ عَنْ حُدُودِ الفَهْمِ والوَصْفِ لا سَماعِ القِصَّةِ، والظّاهِرُ أنَّ ضَمِيرَيِ الجَمْعِ لِفِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ، وقِيلَ: لِجُنُودِهِ فَقَطْ لِلْقُرْبِ ولِأنَّهُ أُلْقِيَ بِالسّاحِلِ ولَمْ يَتَغَطَّ بِالبَحْرِ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى﴿فاليَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ وفِيهِ أنَّ الإنْجاءَ بَعْدَ ما غَشِيَهُ ما غَشِيَ جُنُودَهُ وشَكَّ بَنُو إسْرائِيلَ في هَلاكِهِ والقُرْبِ لَيْسَ بِداعٍ قَوِيٍّ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ الأوَّلُ لِفِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ والثّانِي لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وقَوْمِهِ وفي الكَلامِ حَذْفٌ أيْ فَنَجا مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وقَوْمُهُ وغَرِقَ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ انْتَهى ولَيْسَ بِشَيْءٍ كَما لا يَخْفى. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ مِنهُمُ الأعْمَشُ ( فَغَشّاهم مِنَ اليَمِّ ما غَشّاهم ) أيْ غَطّاهم ما غَطّاهم فالفاعِلُ ما أيْضًا وتَرْكُ المَفْعُولِ زِيادَةٌ في الإبْهامِ، وقِيلَ: المَفْعُولُ ﴿مِنَ اليَمِّ﴾ أيْ: بَعْضَ اليَمِّ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الفاعِلُ ضَمِيرَ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ وما مَفْعُولٌ وقِيلَ: هو ضَمِيرُ فِرْعَوْنَ والإسْنادُ مَجازِيٌّ لِأنَّهُ الَّذِي ورَّطَهم لِلْهَلَكَةِ، ويُبْعِدُهُ الإظْهارُ في قَوْلِهِ تَعالى
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب