الباحث القرآني
﴿وألْقِ ما في يَمِينِكَ﴾ أيْ: عَصاكَ كَما وقَعَ في سُورَةِ الأعْرافِ. وكَأنَّ التَّعْبِيرَ عَنْها بِذَلِكَ لِتَذْكِيرِهِ ما وقَعَ وشاهَدَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنها يَوْمَ قالَ سُبْحانَهُ لَهُ ﴿وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى﴾، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّما أُوثِرَ الإبْهامُ تَهْوِيلًا لِأمْرِها وتَفْخِيمًا لِشَأْنِها وإيذانًا بِأنَّها لَيْسَتْ مَن جِنْسِ العِصِيِّ المَعْهُودَةِ المُسْتَتْبِعَةِ لِلْآثارِ المُعْتادَةِ بَلْ خارِجَةٌ عَنْ حُدُودِ سائِرِ أفْرادِ الجِنْسِ مُبْهَمَةً لَكِنَّها مُسْتَتْبِعَةٌ لِآثارٍ غَرِيبَةٍ، وعَدَمُ مُراعاةِ هَذِهِ النُّكْتَةِ عِنْدَ حِكايَةِ الأمْرِ في مَواضِعَ أُخَرَ لا يَسْتَدْعِي عَدَمَ مُراعاتِها عِنْدَ وُقُوعِ المَحْكِيِّ انْتَهى. وحاصِلُهُ أنَّ الإبْهامَ لِلتَّفْخِيمِ كَأنَّ العَصا لِفَخامَةِ شَأْنِها لا يُحِيطُ بِها نِطاقُ العِلْمِ نَحْوَ ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ ووَقَعَ حِكايَةُ الأمْرِ في مَواضِعَ أُخَرَ بِالمَعْنى والواقِعُ نَفْسُهُ ما تَضَمَّنَ هَذِهِ النُّكْتَةَ وإنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظٍ (p-229)عَرَبِيٍّ وإنَّما لَمْ يُعْتَبَرِ العَكْسُ لِأنَّ المُتَضَمِّنَ أوْفَقُ بِمَقامِ النَّهْيِ عَنِ الخَوْفِ وتَشْجِيعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
وقالَ أبُو حَيّانَ: عَبَّرَ بِذَلِكَ دُونَ عَصاكَ لِما في اليَمِينِ مِن مَعْنى اليُمْنِ والبَرَكَةِ، وفِيهِ أنَّ الخِطابَ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظٍ عَرَبِيٍّ، وقِيلَ: الإبْهامُ لِلتَّحْقِيرِ بِأنْ يُرادَ لا تُبالِي بِكَثْرَةِ حِبالِهِمْ وعِصِيِّهِمْ وألْقِ العُوَيْدَ الَّذِي في يَدِكَ فَإنَّهُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى يَلْقَفُها مَعَ وحْدَتِهِ وكَثْرَتِها وصِغَرِهِ وعِظَمِها. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ يَأْباهُ ظُهُورُ حالِها فِيما مَرَّ مَرَّتَيْنِ عَلى أنَّ ذَلِكَ المَعْنى إنَّما يَلِيقُ بِما لَوْ فَعَلَتِ العَصا ما فَعَلَتْ وهي عَلى الهَيْئَةِ الأصْلِيَّةِ، وقَدْ كانَ مِنها ما كانَ، وما يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً عَلى كُلٍّ مِنَ الوَجْهَيْنِ، وقِيلَ: الأنْسَبُ عَلى الأوَّلِ الأوَّلُ وعَلى الثّانِي الثّانِي، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَلْقَفْ ما صَنَعُوا﴾ بِالجَزْمِ جَوابُ الأمْرِ مِن لَقِفَهُ نالَهُ بِالحَذْفِ بِاليَدِ أوْ بِالفَمِ، والمُرادُ هُنا الثّانِي والتَّأْنِيثُ بِكَوْنِ ما عِبارَةٌ عَنِ العَصا أيْ تَبْتَلِعُ ما صَنَعُوهُ مِنَ الحِبالِ والعِصِيِّ الَّتِي خُيِّلَ إلَيْكَ سَعْيُها، والتَّعْبِيرُ عَنْها بِما صَنَعُوا لِلتَّحْقِيرِ والإيذانِ بِالتَّمْوِيهِ والتَّزْوِيرِ. وقَرَأ الأكْثَرُونَ (تَلَقَّفَ) بِفَتْحِ اللّامِ وتَشْدِيدِ القافِ وإسْقاطِ إحْدى التّاءَيْنِ مَن ( تَتَلَقَّفُ ) .
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ رَفَعَ الفِعْلَ عَلى أنَّ الجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا أوْ حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِن فاعِلِ ألْقِ بِناءً عَلى تَسَبُّبِهِ أوْ مِن مَفْعُولِهِ أيْ مُتَلَقِّفًا أوْ مُتَلَقِّفَةً وجُمْلَةُ الأمْرِ مَعْطُوفَةٌ عَلى النَّهْيِ مُتَمِّمَةٌ بِما في حَيِّزِها لِتَعْلِيلِ مُوجِبِهِ بِبَيانِ كَيْفِيَّةِ عُلُوِّهِ وغَلَبِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَإنَّ ابْتِلاعَ عَصاهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأباطِيلِهِمُ الَّتِي مِنها أوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً يَقْلَعُ مادَّةَ الخَوْفِ بِالكُلِّيَّةِ. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ هَذا صَرِيحٌ في أنَّ خَوْفَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ مِن مُخالَجَةِ الشَّكِّ لِلنّاسِ في مُعْجِزَةِ العَصا وإلّا لِعِلَلٍ بِما يُزِيلُهُ مِنَ الوَعْدِ بِما يُوجِبُ إيمانَهم وفِيهِ تَأمُّلٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّما صَنَعُوا﴾ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ تَعالى (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) وما إمّا مَوْصُولَةٌ أوْ مَوْصُوفَةٌ أوْ مَصْدَرِيَّةٌ أيْ إنَّ الَّذِي صَنَعُوهُ أوْ إنَّ شَيْئًا صَنَعُوهُ أوْ إنَّ صُنْعَهم ﴿كَيْدُ ساحِرٍ﴾ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرْ إنَّ أيْ كَيْدُ جِنْسِ السّاحِرِ، وتَنْكِيرُهُ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلى ما يَقْتَضِيهِ المَقامُ مِن تَنْكِيرِ المُضافِ ولَوْ عُرِفَ لَكانَ المُضافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةً ولَيْسَ مُرادًا. واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَعْرِيفُهُ الإضافِيُّ حِينَئِذٍ لِلْجِنْسِ وهو كالنَّكِرَةِ مَعْنًى وإنَّما الفَرْقُ بَيْنَهُما حُضُورُهُ في الذِّهْنِ.
وأُجِيبَ بِأنَّهُ لا حاجَةَ إلى تَعْيِينِ جِنْسِهِ فَإنَّهُ مِمّا عُلِمَ مِن قَوْلِهِ تَعالى ( يُخَيَّلُ ) إلَخْ وإنَّما الغَرَضُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ أنْ يُذْكَرَ أنَّهُ أمْرٌ مُمَوَّهٌ لا حَقِيقَةَ لَهُ وهَذا مِمّا يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ، وقِيلَ: نُكِّرَ لِيُتَوَسَّلَ بِهِ إلى تَحْقِيرِ المُضافِ. وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ إفادَةِ ذَلِكَ تَحْقِيرُ المُضافِ لا يُناسِبُ المَقامَ ولِأنَّهُ يُفِيدُ انْقِسامَ السِّحْرِ إلى حَقِيرٍ وعَظِيمٍ ولَيْسَ بِمَقْصُودٍ. وأيْضًا يُنافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعالى في آيَةٍ أُخْرى ﴿وجاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ إلّا أنْ يُقالَ: عِظَمُهُ مِن وجْهٍ لا يُنافِي حَقارَتَهُ في نَفْسِهِ وهو المُرادُ مِن تَحْقِيرِهِ. وقِيلَ: إنَّما نُكِّرَ لِئَلّا يَذْهَبَ الذِّهْنُ إلى أنَّ المُرادَ ساحِرٌ مَعْرُوفٌ فَتَدَبَّرْ.
وقَرَأ مُجاهِدٌ وحُمَيْدٌ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ ( كَيْدَ ) بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ مَفْعُولُ (صَنَعُوا) وما كافَّةٌ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو بَحْرِيَّةَ والأعْمَشُ وطَلْحَةُ وابْنُ أبِي لَيْلى وخَلَفٌ في اخْتِيارِهِ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ ( سِحْرٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ وإسْكانِ الحاءِ عَلى مَعْنى ذِي سِحْرٍ أوْ عَلى تَسْمِيَةِ السّاحِرِ سِحْرًا مُبالَغَةً كَأنَّهُ لِتَوَغُّلِهِ في السِّحْرِ صارَ نَفْسَ السِّحْرِ. وقِيلَ: عَلى أنَّ الإضافَةَ لِبَيانِ أنَّ الكَيْدَ مِن جِنْسِ السِّحْرِ. وهَذِهِ الإضافَةُ مِن إضافَةِ العامِّ إلى الخاصِّ. وهي عَلى مَعْنى اللّامِ عِنْدَ شارِحِ الهادِي (p-230)وعَلى مَعْنى مِن عَلى ما يُفْهَمُ مِن ظاهِرِ كَلامِ الشَّرِيفِ في أوَّلِ شَرْحِ المِفْتاحِ وتُسَمّى إضافَةً بَيانِيَّةً. ويُحْمَلُ فِيما وُجِدَتْ فَهي المُضافُ إلَيْهِ عَلى المُضافِ. ولا يُشْتَرَطُ أنْ يَكُونَ بَيْنَ المُتَضايِفَيْنِ عُمُومٌ وخُصُوصٌ مِن وجْهٍ وبَعْضُهم شَرَطَ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى شَأْنُهُ ﴿ولا يُفْلِحُ السّاحِرُ﴾ أيْ: هَذا الجِنْسُ ﴿حَيْثُ أتى﴾ حَيْثُ كانَ وأيْنَ أقْبَلَ فَحَيْثُ ظَرْفُ مَكانٍ أُرِيدَ بِهِ التَّعْمِيمُ مِن تَمامِ التَّعْلِيلِ. ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَأْنِ العَصا وكَوْنِها مُعْجِزَةً إلَهِيَّةً مَعَ ما في ذَلِكَ مِن تَقْوِيَةِ التَّعْلِيلِ لِلْإيذانِ بِظُهُورِ أمْرِها.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ قالَ: ( «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا أخَذْتُمُ السّاحِرَ فاقْتُلُوهُ ثُمَّ قَرَأ: ﴿ولا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أتى﴾ قالَ لا يُؤْمِنُ حَيْثُ وُجِدَ» ).
وقَرَأتْ فِرْقَةُ ( أيْنَ أتى )
{"ayah":"وَأَلۡقِ مَا فِی یَمِینِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوۤا۟ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا۟ كَیۡدُ سَـٰحِرࣲۖ وَلَا یُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَیۡثُ أَتَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











