الباحث القرآني

وجُعِلَ فاعِلُ الِاسْتِواءِ ما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ و(لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ عَلى ما يَقْتَضِيهِ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِن أنَّ الوَقْفَ عَلى ﴿العَرْشِ﴾ ويَكُونُ المَعْنى اسْتَقامَ لَهُ تَعالى كُلُّ ذَلِكَ وهو عَلى مُرادِهِ تَعالى بِتَسْوِيَتِهِ عَزَّ وجَلَّ إيّاهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ أوِ اسْتَوى كُلُّ شَيْءٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعالى فَلا شَيْءَ أقْرَبُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ مِن شَيْءٍ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ ( «لا تُفَضِّلُونِي عَلى ابْنِ مَتّى» ). مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ أصْلًا، والرِّوايَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، ولَعَلَّ الَّذِي دَعا القائِلَ بِهِ إلَيْهِ الفِرارُ مِن نِسْبَةِ الِاسْتِواءِ إلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ، ويا لَيْتَ شِعْرِي ماذا يَصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى﴾ وهو بِظاهِرِهِ الَّذِي يَظُنُّ مُخالَفَتَهُ لِما يَقْتَضِيهِ عَقْلُهُ مِثْلَ ﴿الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى﴾ بَلْ (لَهُ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وما ﴿فِي السَّماواتِ﴾ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أيْ لَهُ عَزَّ وجَلَّ وحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ لا شَرِكَةَ ولا اسْتِقْلالًا مِن حَيْثُ المُلْكُ والتَّصَرُّفُ والإحْياءُ والإماتَةُ والإيجادُ والإعْدامُ جَمِيعُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالجُزْئِيَّةِ مِنهُما أوْ بِالحُلُولِ فِيهِما ﴿وما بَيْنَهُما﴾ مِنَ المَوْجُوداتِ الكائِنَةِ في الجَوِّ دائِمًا كالهَواءِ والسَّحابِ وخَلْقٍ لا نَعْلَمُهم هو سُبْحانَهُ يَعْلَمُهم أوْ أكْثَرِيًّا كالطَّيْرِ الَّذِي نَراهُ ﴿وما تَحْتَ الثَّرى﴾ أيْ: ما تَحْتَ الأرْضِ السّابِعَةِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وأخْرَجَ عَنِ السُّدِّيِّ أنَّهُ الصَّخْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الأرْضِ السّابِعَةِ وهي صَخْرَةٌ خَضْراءُ، وأخْرَجَ أبُو يُعْلى «عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ ما تَحْتَ الأرْضِ؟ قالَ: الماءُ، قِيلَ: فَما تَحْتَ الماءِ؟ قالَ: ظَلَمَةٌ، قِيلَ: فَما تَحْتَ الظُّلْمَةِ؟ قالَ: الهَواءُ، قِيلَ: فَما تَحْتَ الهَواءِ؟ قالَ: الثَّرى، قِيلَ: فَما تَحْتَ الثَّرى؟ قالَ: انْقَطَعَ عِلْمُ المَخْلُوقِينَ عِنْدَ عِلْمِ الخالِقِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْهُ نَحْوَهُ مِن حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: الثَّرى التُّرابُ النَّدِيُّ أوِ الَّذِي إذا بُلَّ لَمْ يَصِرْ طِينًا كالثُّرَيّا مَمْدُودَةٌ، ويُقالُ: في تَثْنِيَتِهِ ثَرَيانِ وثَرَوانِ وفي جَمْعِهِ أثْراءٌ ويُقالُ: ثَرِيَتِ الأرْضُ كَرِضى تُثْرِي ثَرًى فَهي ثَرِيَّةٌ كَغَنِيَّةٍ وثَرْياءُ إذا نَدِيَتْ ولانَتْ بَعْدَ الجُدُوبَةِ واليُبْسِ وأثْرَتْ كَثُرَ ثَراؤُها وثَرى التُّرْبَةَ تَثْرِيَةً (p-162)بَلَّها والمَكانَ رَشَّهُ وفُلانًا ألْزَمَ يَدَهَ الثَّرى، وفُسِّرَ بِمُطْلَقِ التُّرابِ أيْ ولَهُ تَعالى ما واراهُ التُّرابُ وذَكَرَهُ مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ ما في الأرْضِ لِزِيادَةِ التَّقْرِيرِ، وإذا كانَ ما في الأرْضِ ما هو عَلَيْها فالأمْرُ ظاهِرٌ، وما تَقَدَّمَ مِنَ الإشارَةِ إلى أنَّ المُرادَ لَهُ تَعالى كُلُّ ذَلِكَ مِلْكًا وتَصَرُّفًا هو الظّاهِرُ. وقِيلَ: المَعْنى لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ أيْ إنَّ عِلْمَهُ تَعالى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، والأوَّلُ هو الظّاهِرُ وعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب