الباحث القرآني
﴿قالَ﴾ أيْ فِرْعَوْنُ بَعْدَما أتَياهُ وبَلَّغاهُ ما أُمِرا بِهِ، وإنَّما طَوى ذِكْرَ ذَلِكَ لِلْإيجازِ والإشْعارِ بِأنَّهُما كَما أُمِرا بِذَلِكَ سارَعا إلى الِامْتِثالِ بِهِ مِن غَيْرِ رَيْثٍ وبِأنَّ ذَلِكَ مِنَ الظُّهُورِ بِحَيْثُ لا حاجَةَ إلى التَّصْرِيحِ بِهِ، وجاءَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُما لَمّا أُمِرا بِإتْيانِهِ وقَوْلِ ما ذُكِرَ لَهُ جاءا جَمِيعًا إلى بابِهِ فَأقاما حِينًا لا يُؤْذَنُ لَهُما ثُمَّ أذِنَ لَهُما بَعْدَ حِجابٍ شَدِيدٍ فَدَخَلا وكانَ ما قَصَّ اللَّهُ تَعالى.
وأخْرَجَ أحْمَدُ وغَيْرُهُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أُمِرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِما أُمِرَ أقْبَلَ إلى فِرْعَوْنَ في مَدِينَةٍ قَدْ جُعِلَ حَوْلَها الأسَدُ في غَيْضَةٍ قَدْ غَرَسَها والأسَدُ فِيها مَعَ ساسَتِها إذا أشَلْتَها عَلى أحَدٍ أكَلَ ولِلْمَدِينَةِ أرْبَعَةُ أبْوابٍ في الغَيْضَةِ فَأقْبَلَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الطَّرِيقِ الأعْظَمِ الَّذِي يَراهُ فِرْعَوْنُ فَلَمّا رَأتْهُ الأُسَدُ (p-200)صاحَتْ صِياحَ الثَّعالِبِ فَأنْكَرَ ذَلِكَ السّاسَةُ وفَرِقُوا مِن فِرْعَوْنَ فَأقْبَلَ حَتّى انْتَهى إلى البابِ فَقَرَعَهُ بِعَصاهُ وعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفِ وسَراوِيلُ فَلَمّا رَآهُ البَوّابُ عَجِبَ مِن جُرْأتِهِ فَتَرَكَهُ ولَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَقالَ: هَلْ تَدْرِي بابَ مَن أنْتَ تَضْرِبُ؟ إنَّما أنْتَ تَضْرِبُ بابَ سَيِّدِكَ، قالَ: أنْتَ وأنا وفِرْعَوْنُ عَبِيدٌ لِرَبِّي فَأنا ناصِرُهُ، فَأخْبَرَ البَوّابُ الَّذِي يَلِيهِ مِنَ البَوّابِينَ حَتّى بَلَغَ ذَلِكَ أدْناهُمْ، ودُونَهُ سَبْعُونَ حاجِبًا، كُلُّ حاجِبٍ مِنهم تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الجُنُودِ ما شاءَ اللَّهُ تَعالى حَتّى خَلَصَ الخَبَرُ إلى فِرْعَوْنَ فَقالَ: أدْخِلُوهُ عَلَيَّ فَلَمّا أتاهُ قالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: أعْرِفُكَ؟ قالَ: نَعَمْ قالَ: ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا، فَرَدَّ إلَيْهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذِي رَدَّ، قالَ فِرْعَوْنُ: خُذُوهُ، فَبادَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَألْقى عَصاهُ فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ، فَحَمَلَتْ عَلى النّاسِ فانْهَزَمُوا مِنها فَماتَ مِنهم خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ ألْفًا، قَتَلَ بَعْضُهم بَعْضًا وقامَ فِرْعَوْنُ مُنْهَزِمًا حَتّى دَخَلَ البَيْتَ فَقالَ: يا مُوسى اجْعَلْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ أجَلًا نَنْظُرُ فِيهِ، قالَ مُوسى: لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ إنَّما أُمِرْتُ بِمُناجِزَتِكَ وإنْ أنْتَ لَمْ تَخْرُجْ إلَيَّ دَخَلْتُ عَلَيْكَ.
فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ أنِ اجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ أجَلًا، وقُلْ لَهُ أنْتَ: اجْعَلْ ذَلِكَ فَقالَ فِرْعَوْنُ: اجْعَلْهُ إلى أرْبَعِينَ يَوْمًا، فَفَعَلَ وكانَ لا يَأْتِي الخَلاءَ إلّا في كُلِّ أرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً، فاخْتَلَفَ ذَلِكَ اليَوْمُ أرْبَعِينَ مَرَّةً، وخَرَجَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَمّا مَرَّ بِالأُسْدِ خَضَعَتْ لَهُ بِأذْنابِها وسارَتْ مَعَهُ تَشَيُّعُهُ ولا تُهَيِّجُهُ ولا أحَدًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ.
والظّاهِرُ أنَّ هارُونَ كانَ مَعَهُ حِينَ الإتْيانِ، ولَعَلَّهُ إنَّما لَمْ يُذْكَرْ في هَذا الخَبَرِ اكْتِفاءً بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: إنَّهُما حِينَ عَرَضا عَلَيْهِما السَّلامُ عَلى فِرْعَوْنَ ما عَرَضا شاوَرَ آسِيَةَ فَقالَتْ: ما يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَرُدَّ ما دَعَيا إلَيْهِ، فَشاوَرَ هامانَ وكانَ لا يَبُتُّ أمْرًا دُونَ رَأْيِهِ فَقالَ لَهُ: كُنْتُ أعْتَقِدُ أنَّكَ ذُو عَقْلٍ تَكُونُ مالِكًا فَتَصِيرُ مَمْلُوكًا ورَبًّا، فَتَصِيرُ مَرْبُوبًا فامْتَنَعَ مِن قَبُولِ ما عَرَضَ عَلَيْهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وظاهِرُ هَذا أنَّ المُشاوَرَةَ قَبْلَ المُقاوَلَةِ، ويُحْتَمَلُ أنَّها بَعْدَها والأوْلى في أمْثالِ هَذِهِ القِصَصِ الِاكْتِفاءُ بِما في المُنَزَّلِ وعَدَمُ الِالتِفاتِ إلى غَيْرِهِ إلّا أنْ يُوثَقَ بِصِحَّتِهِ أوْ لا يَكُونُ في المُنَزَّلِ ما يُعَكِّرُ عَلَيْهِ كالخَبَرِ السّابِقِ، فَإنَّ كَوْنَ فِرْعَوْنَ جَعَلَ الأجَلَ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ ما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى مِن قَوْلِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ طَلَبَ مِنهُ فِرْعَوْنُ أنْ يَجْعَلَ مَوْعِدًا ﴿”مَوْعِدُكم يَوْمُ الزِّينَةِ“﴾، والظّاهِرُ عَدَمُ تَعَدُّدِ الحادِثَةِ، والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ حِينَ أتَياهُ وقالا لَهُ ما قالا؟ فَقِيلَ: قالَ ﴿فَمَن رَبُّكُما يا مُوسى﴾ لَمْ يُضِفِ الرَّبَّ إلى نَفْسِهِ ولَوْ بِطَرِيقِ حِكايَةِ ما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ﴾ لِغايَةِ عُتُوِّهِ ونِهايَةِ طُغْيانِهِ بَلْ إضافَةً إلَيْهِما لِما أنَّ المُرْسِلَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ رَبًّا لِلرَّسُولِ، وقِيلَ: لِأنَّهُما قَدْ صَرَّحا بِرُبُوبِيَّتِهِ تَعالى لِلْكُلِّ بِأنْ قالا: ﴿إنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ كَما وقَعَ في سُورَةِ الشُّعَراءِ، والِاقْتِصارُ هاهُنا عَلى ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ تَعالى لِفِرْعَوْنَ لِكِفايَتِهِ فِيما هو المَقْصُودُ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ السُّؤالِ عَلى ما سَبَقَ مِن كَوْنِهِما رَسُولَيْ رَبِّهِما أيْ إذا كُنْتُما رَسُولَيْ رَبِّكُما الَّذِي أرْسَلَكُما فَأخْبِرا مَن رَبُّكُما الَّذِي أرْسَلَكُما، وتَخْصِيصُ النِّداءِ بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ تَوْجِيهِ الخِطابِ إلَيْهِما لِما ظَهَرَ لَهُ مِن أنَّهُ الأصْلُ في الرِّسالَةِ وهارُونُ وزِيرُهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلتَّعْرِيضِ بِأنَّهُ رَبُّهُ كَما قالَ: ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا، قِيلَ: وهَذا أوْفَقُ بِتَلْبِيسِهِ عَلى الأُسْلُوبِ الأحْمَقِ، وقِيلَ: لِأنَّهُ قَدْ عَرَفَ أنَّ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَتَّةً فَأرادَ أنْ يُسْكِتَهُ. وهو مَبْنِيٌّ عَلى ما عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ مِن بَقاءِ رَتَّةٍ في لِسانِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في الجُمْلَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في ذَلِكَ.
{"ayah":"قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا یَـٰمُوسَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











