الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى ﴿اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ بِآياتِي﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ ما هو المَقْصُودُ بِالِاصْطِناعِ، ﴿وأخُوكَ﴾ فاعِلٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أيْ ولِيَذْهَبَ أخُوكُ حَسْبَما اسْتَدْعَيْتُ، وقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلى الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ المُؤَكَّدِ بِالضَّمِيرِ البارِزِ، ورُبَّ شَيْءٍ يَصِحُّ تَبَعًا ولا يَصِحُّ اسْتِقْلالًا. والآياتُ المُعْجِزاتُ، والمُرادُ بِها في قَوْلِ اليَدِ والعَصا وحَلِّ العُقْدَةِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: الآياتُ التِّسْعُ، وقِيلَ: الأوَّلانِ فَقَطْ وإطْلاقُ الجَمْعِ عَلى الِاثْنَيْنِ شائِعٌ ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ أنَّ فِرْعَوْنَ لَمّا قالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: فَأْتِ بِآيَةٍ ألْقى (p-194)العَصا ونَزَعَ اليَدَ، وقالَ: ﴿فَذانِكَ بُرْهانانِ﴾ وقالَ بَعْضُهم: إنَّهُما وإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ لَكِنْ في كُلٍّ مِنهُما آياتٌ شَتّى كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبْراهِيمَ﴾ فَإنَّ انْقِلابَ العَصا حَيَوانًا آيَةٌ. وكَوْنَها ثُعْبانًا عَظِيمًا لا يُقادَرُ قَدْرَهُ آيَةٌ أُخْرى. وسُرْعَةُ حَرَكَتِهِ مَعَ عِظَمِ جُرْمِهِ آيَةٌ أُخْرى. وكَوْنُهُ مَعَ ذَلِكَ مُسَخَّرًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِحَيْثُ يَدُهُ في فَمِهِ فَلا يَضُرُّهُ آيَةٌ أُخْرى، ثُمَّ انْقِلابُها عَصًا كَما كانَتْ آيَةٌ أُخْرى، وكَذَلِكَ اليَدُ البَيْضاءُ فَإنَّ بَياضَها في نَفْسِهِ آيَةٌ وشُعاعُها آيَةٌ ثُمَّ رُجُوعُها إلى حالَتِها الأُولى آيَةٌ أُخْرى. وقِيلَ: المُرادُ بِها ما أُعْطِي عَلَيْهِ السَّلامُ مِن مُعْجِزَةٍ ووَحْيٍ، والَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ القَلْبُ أنَّها العَصا واليَدُ لِما سَمِعْتُ مِنَ المُؤَيِّدِ مَعَ ما تَقَدَّمَ مِن أنَّهُ تَعالى بَعْدَ ما أمَرَهُ بِإلْقاءِ العَصا وأخْذِها بَعْدَ انْقِلابِها حَيَّةً قالَ سُبْحانَهُ: ﴿واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى﴾ ثُمَّ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغى﴾ مِن غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلى غَيْرِ تِلْكَ الآيَتَيْنِ ولا تَعَرُّضٍ لِوَصْفِ حَلِّ العُقْدَةِ ولا غَيْرِهِ بِكَوْنِهِ آيَةً، ثُمَّ إنَّ الباءَ لِلْمُصاحَبَةِ لا لِلتَّعْدِيَةِ إذِ المُرادُ ذَهابُهُما إلى فِرْعَوْنَ مُلْتَبِسِينَ بِالآياتِ مُتَمَسِّكِينَ بِها في إجْراءِ أحْكامِ الرِّسالَةِ وإكْمالِ الدَّعْوَةِ لا مُجَرَّدَ إذْهابِها وإيصالِها إلَيْهِ، وهَذا ظاهِرٌ في تَحَقُّقِ الآياتِ إذْ ذاكَ وأكْثَرُ التِّسْعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ. ﴿ولا تَنِيا﴾ مِنَ الوَنْيِ بِمَعْنى الفُتُورِ وهو فِعْلٌ لازِمٌ وإذا عُدِّيَ عُدِّيَ بِفي وبِعْنَ، وزَعَمَ بَعْضُ البَغْدادِيِّينَ أنَّهُ فِعْلٌ ناقِصٌ مِن أخَواتِ زالَ وبِمَعْناها واخْتارَهُ ابْنُ مالِكٍ، وفي الصَّحّاحِ فُلانٌ يَنِي يَفْعَلُ كَذا أيْ لا يَزالُ يَفْعَلُ كَذا، وكَأنَّ هَذا المَعْنى مَأْخُوذٌ مِن نَفْيِ الفُتُورِ، وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ ( ولا تِنِيا ) بِكَسْرِ التّاءِ اتِّباعًا لِحَرَكَةِ النُّونِ. وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ ( لا تَهِنا ) وحاصِلُهُ أيْضًا لا تَفْتُرا ﴿فِي ذِكْرِي﴾ بِما يَلِيقُ بِي مِنَ الصِّفاتِ الجَلِيلَةِ والأفْعالِ الجَمِيلَةِ عِنْدَ تَبْلِيغِ رِسالَتِي والدُّعاءِ إلى عِبادَتِي، وقِيلَ: المَعْنى لا تَنِيا في تَبْلِيغِ رِسالَتِي فَإنَّ الذِّكْرَ يَقَعُ مَجازًا عَلى جَمِيعِ العِباداتِ وهو مِن أجَلِّها وأعْظَمِها. ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، وقِيلَ: لا تَنْسَيانِي حَيْثُما تَقَلَّبْتُما واسْتَمِدّا بِهِ العَوْنَ والتَّأْيِيدَ واعْلَما أنَّ أمْرًا مِنَ الأُمُورِ لا يَتَأتّى ولا يَتَسَنّى إلّا بِذِكْرِي. وجَمَعَ هارُونَ مَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في صِيغَةِ نَهْيِ الحاضِرِ بِناءً عَلى القَوْلِ بِغِيبَتِهِ إذْ ذاكَ لِلتَّغْلِيبِ ولا بُعْدَ في ذَلِكَ كَما لا يَخْفى، وكَذا جَمْعُهُ في صِيغَةِ أمْرِ الحاضِرِ بِناءً عَلى ذَلِكَ أيْضًا في
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب