الباحث القرآني
﴿قالَ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قِيلَ لَهُ ما قِيلَ؟ فَأُجِيبَ بِأنَّهُ قالَ: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ ﴿ويَسِّرْ لِي أمْرِي﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ﴾ إلَخْ، وذَلِكَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلِمَ مِنَ الأمْرِ بِالذَّهابِ إلَيْهِ والتَّعْلِيلِ بِالعِلَّةِ المَذْكُورَةِ أنَّهُ كُلِّفَ أمْرًا عَظِيمًا وخَطْبًا جَسِيمًا يَحْتاجُ مَعَهُ إلى احْتِمالِ ما لا يَحْتَمِلُهُ إلّا ذُو جَأْشٍ رابِطٍ وصَدْرٍ فَسِيحٍ فاسْتَوْهَبَ رَبَّهُ تَعالى أنْ يَشْرَحَ صَدْرَهُ ويَجْعَلَهُ حَلِيمًا حَمُولًا يَسْتَقْبِلُ ما عَسى أنْ يَرِدَ عَلَيْهِ في طَرِيقِ التَّبْلِيغِ والدَّعْوَةِ إلى مَرِّ الحَقِّ مِنَ الشَّدائِدِ الَّتِي يَذْهَبُ مَعَها صَبْرُ الصّابِرِ بِجَمِيلِ الصَّبْرِ وحُسْنِ الثَّباتِ وأنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أمْرُهُ الَّذِي هو أجَلُّ الأُمُورِ وأعْظَمُها وأصْعَبُ الخُطُوبِ وأهْوَلُها بِتَوْفِيقِ الأسْبابِ ورَفْعِ المَوانِعِ، فالمُرادُ مِن شَرْحِ الصَّدْرِ جَعْلُهُ بِحَيْثُ لا يَضْجَرُ ولا يَقْلَقُ مِمّا يَقْتَضِي بِحَسَبِ البَشَرِيَّةِ الضَّجَرَ والقَلَقَ مِنَ (p-182)الشَّدائِدِ، وفي طَلَبِ ذَلِكَ إظْهارٌ لِكَمالِ الِافْتِقارِ إلَيْهِ عَزَّ وجَلَّ وإعْراضٌ عَنِ الأنانِيَّةِ بِالكُلِّيَّةِ:
؎ويَحْسُنُ إظْهارُ التَّجَلُّدِ لَلْعِدا ويَقْبُحُ إلّا العَجْزُ عِنْدَ الأحِبَّةِ
وذَكَرَ الرّاغِبُ أنَّ أصْلَ الشَّرْحِ البَسْطُ ونَحْوُهُ، وشَرْحُ الصَّدْرِ بَسْطُهُ بِنُورٍ إلَهِيٍّ وسَكِينَةٍ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى ورُوحٍ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ ولَهم فِيهِ عِباراتٌ أُخَرُ لَعَلَّ بَعْضَها سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في بابِ الإشارَةِ. وقالَ بَعْضُهم: إنَّ هَذا القَوْلَ مُعَلَّقٌ بِما خاطَبَهُ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِن لَدُنْ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنِّي أنا رَبُّكَ فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ إلى هَذا المَقامِ، فَيَكُونُ قَدْ طَلَبَ عَلَيْهِ السَّلامُ شَرْحَ الصَّدْرِ لِيَقِفَ عَلى دَقائِقِ المَعْرِفَةِ وأسْرارِ الوَحْيِ ويَقُومَ بِمَراسِمِ الخِدْمَةِ والعِبادَةِ عَلى أتَمِّ وجْهٍ ولا يَضْجَرُ مِن شَدائِدِ التَّبْلِيغِ. وقِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا نَصَبَ لِذَلِكَ المَنصِبَ العَظِيمَ وخُوطِبَ بِما خُوطِبَ في ذَلِكَ المَقامِ احْتاجَ إلى تَكالِيفَ شاقَّةٍ مِن تَلَقِّي الوَحْيِ والمُواظَبَةِ عَلى خِدْمَةِ الخالِقِ سُبْحانَهُ وتَعالى وإصْلاحِ العالَمِ السُّفْلِيِّ فَكَأنَّهُ كُلِّفَ بِتَدْبِيرِ العالِمَيْنِ والِالتِفاتِ إلى أحَدِهِما يَمْنَعُ مِنَ الِاشْتِغالِ بِالآخَرِ، فَسَألَ شَرْحَ الصَّدْرِ حَتّى يَفِيضَ عَلَيْهِ مِنَ القُوَّةِ ما يَكُونُ وافِيًا بِضَبْطِ تَدْبِيرِ العالَمَيْنِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ الأمْرَ بِالذَّهابِ إلى فِرْعَوْنَ قَدِ انْطَوى فِيهِ الإشارَةُ إلى مَنصِبِ الرِّسالَةِ المُسْتَتْبِعِ تَكالِيفَ لائِقَةً بِهِ مِنها ما هو راجِعٌ إلى الحَقِّ ومِنها ما هو مَنُوطٌ بِالخَلْقِ، وقَدِ اسْتَشْعَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ كُلَّ ذَلِكَ فَبَسَطَ كَفَّ الضَّراعَةِ لِطَلَبِ ما يُعِينُهُ عَلى أداءِ ذَلِكَ عَلى أكْمَلِ وجْهٍ فَلا يَتَوَقَّفُ تَعْمِيمُ شَرْحِ الصَّدْرِ عَلى تَعَلُّقِهِ بِأوَّلِ الكَلامِ كَما لا يَخْفى، ثُمَّ إنَّ الصَّدْرَ عِنْدَ عُلَماءِ الرُّسُومِ يُرادُ مِنهُ القَلْبُ لِأنَّهُ المُدْرِكُ أوْ مِمّا بِهِ الإدْراكُ، والعَلاقَةُ ظاهِرَةٌ.
ولِعُلَماءِ القُلُوبِ كَلامٌ في ذَلِكَ سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى في بابِ الإشارَةِ مَعَ بَعْضِ ما أطْنَبَ بِهِ الإمامُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ، وفي ذِكْرِ كَلِمَةِ (لِي) مَعَ انْتِظامِ الكَلامِ بِدُونِها تَأْكِيدٌ لِطَلَبِ الشَّرْحِ والتَّيْسِيرِ بِإبْهامِ المَشْرُوحِ والمُيَسَّرِ أوَّلًا وتَفْسِيرِهِما ثانِيًا، فَإنَّهُ لَمّا قالَ ﴿اشْرَحْ لِي﴾ عَلِمَ أنَّ ثَمَّ مَشْرُوحًا يَخْتَصُّ بِهِ حَتّى لَوِ اكْتَفى لَتَمَّ فَإذا قِيلَ (صَدْرِي) أفادَ التَّفْسِيرَ والتَّفْصِيلَ أمّا لَوْ قِيلَ ﴿اشْرَحْ﴾ واكْتُفِيَ بِهِ فَلا وكَذا الكَلامُ في (يَسِّرْ لِي) . وقِيلَ: ذَكَرَ (لِي) لِزِيادَةِ الرَّبْطِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ . وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا مُنافاةَ وهو الَّذِي أفادَ هَذا المَعْنى. وفي الِانْتِصافِ أنَّ فائِدَةَ ذَكَرِها الدَّلالَةُ عَلى أنَّ مَنفَعَةَ شَرْحِ الصَّدْرِ راجِعَةٌ إلَيْهِ فَإنَّهُ تَعالى لا يُبالِي بِوُجُودِهِ وعَدَمِهِ وقِسْ عَلَيْهِ (يَسِّرْ لِي أمْرِي)
{"ayahs_start":25,"ayahs":["قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِی صَدۡرِی","وَیَسِّرۡ لِیۤ أَمۡرِی"],"ayah":"قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِی صَدۡرِی"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











