الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَناحِكَ﴾ أمْرٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَ ما أخَذَ الحَيَّةَ وانْقَلَبَتْ عَصا كَما كانَتْ والضَّمُّ الجَمْعُ، والجَناحُ كَما في القامُوسِ اليَدُ والعَضُدُ والإبِطُ والجانِبُ ونَفْسُ الشَّيْءِ ويُجْمَعُ عَلى أجْنِحَةٍ وأجْنُحٌ، وفي البَحْرِ الجَناحُ حَقِيقَةٌ في جَناحِ الطّائِرِ والمَلِكِ ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلى اليَدِ والعَضُدِ وجَنْبِ الرَّجُلِ. وقِيلَ: لِمُجَنِّبَتَيِ العَسْكَرِ جَناحانِ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ وسُمِّي جَناحُ الطّائِرِ بِذَلِكَ لِأنَّهُ يُجْنِحُهُ أيْ يُمِيلُهُ عِنْدَ الطَّيَرانِ، والمُرادُ أدْخِلْ يَدَكَ اليُمْنى مِن طَوْقِ مِدْرَعَتَكَ واجْعَلْها تَحْتَ إبْطِ اليُسْرى أوْ تَحْتَ عَضُدِها عِنْدَ الإبِطِ أوْ تَحْتَها عِنْدَهُ فَلا مُنافاةَ بَيْنَ ما هُنا وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ﴾، ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ سُوءٍ﴾ جَعَلَهُ بَعْضُهم مَجْزُومًا في جَوابِ الأمْرِ المَذْكُورِ عَلى اعْتِبارِ مَعْنى الإدْخالِ فِيهِ، وقالَ أبُو حَيّانَ وغَيْرُهُ: إنَّهُ مَجْزُومٌ في جَوابِ أمْرٍ مُقَدَّرٍ وأصْلُ الكَلامِ اضْمُمْ يَدَكَ تَنْضَمَّ وأخْرِجْها تَخْرُجُ فَحَذِفَ ما حُذِفَ مِنَ الأوَّلِ. والثّانِي وأبْقى ما يَدُلُّ عَلَيْهِ فَهو إيجازٌ يُسَمّى بِالِاحْتِباكِ، ونَصْبُ (بَيْضاءَ) عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في (تَخْرُجْ) والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ هو حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في (بَيْضاءَ) أوْ صِفَةٌ لِبَيْضاءَ كَما قالَ الحُوفِيُّ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَما قالَ (p-180)أبُو حَيّانَ كَأنَّهُ قِيلَ: ابْيَضَّتْ مِن غَيْرِ سُوءٍ أوْ مُتَعَلِّقٌ بِتَخَرُّجٍ كَما جَوَّزَهُ غَيْرُ واحِدٍ. والسُّوءُ الرَّداءَةُ والقُبْحُ في كُلِّ شَيْءٍ، وكُنِّيَ بِهِ عَنِ البَرَصِ كَما كُنِّيَ عَنِ العَوْرَةِ بِالسَّوْأةِ لِما أنَّ الطِّباعَ تَنْفِرُ عَنْهُ الأسْماعُ تَمُجُّهُ. وهو أبْغَضُ شَيْءٍ عِنْدَ العَرَبِ ولِهَذا كَنَّوْا عَنْ جُذَيْمَةَ صاحِبِ الزَّبّاءِ وكانَ أبْرَصَ بِالأبْرَشِ والوَضّاحِ، وفائِدَةُ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ ذَلِكَ الِاحْتِراسِ فَإنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ﴾ لِأُوهِمَ ولَوْ عَلى بُعْدٍ أنَّ ذَلِكَ مِن بَرَصٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاحْتِراسُ عَنْ تَوَهُّمِ عَيْبِ الخُرُوجِ عَنِ الخِلْقَةِ الأصْلِيَّةِ عَلى أنَّ المَعْنى: تَخْرُجُ بَيْضاءَ مِن غَيْرِ عَيْبٍ وقُبْحٍ في ذَلِكَ الخُرُوجِ أوْ عَنْ تَوَهُّمِ عَيْبٍ مُطْلَقًا. يُرْوى أنَّها خَرَجَتْ بَيْضاءَ لَها شُعاعٌ كَشُعاعِ الشَّمْسِ يُغْشِي البَصَرَ وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ آدَمَ اللَّوْنِ ﴿آيَةً أُخْرى﴾ أيْ: مُعْجِزَةً أُخْرى غَيْرَ العَصا. وانْتِصابُها عَلى الحالِيَّةِ مِن ضَمِيرِ (تَخْرُجْ) والصَّحِيحُ جَوازُ تَعَدُّدِ الحالِ لِذِي حالٍ واحِدٍ أوْ مِن ضَمِيرِ (بَيْضاءَ) أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى ما قِيلَ أوْ عَلى البَدَلِيَّةِ مِن (بَيْضاءَ) ويَرْجِعُ إلى الحالِيَّةِ مِن ضَمِيرِ (تَخْرُجْ)، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَنصُوبَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أيْ خُذْ آيَةً وحُذِفَ لِدَلالَةِ الكَلامِ. وظاهِرُ كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ جَوازُ تَقْدِيرِ دُونَكَ عامِلًا وهو مَبْنِيٌّ عَلى ما هو ظاهِرُ كَلامِ سِيبَوَيْهِ مِن جَوازِ عَمَلِ اسْمِ الفِعْلِ مَحْذُوفًا ومَنَعَهُ أبُو حَيّانَ لِأنَّهُ نائِبٌ عَنِ الفِعْلِ ولا يُحْذَفُ النّائِبُ والمَنُوبُ عَنْهُ، ونُقِضَ بَيا النِّدائِيَّةِ فَإنَّها تُحْذَفُ مَعَ أنَّها نائِبَةٌ عَنْ أدَعُو، وقِيلَ: إنَّها مَفْعُولٌ ثانٍ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعَ مَفْعُولِهِ الأوَّلِ أيْ جَعَلْناها أوْ آتَيْناكَ آيَةً أُخْرى، وجَعَلَ هَذا القائِلُ قَوْلَهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب