الباحث القرآني
﴿أفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِتَقْرِيرِ ما قَبْلَهُ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿وكَذَلِكَ نَجْزِي﴾ الآيَةَ والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ التَّوْبِيخِيِّ والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ. واسْتِعْمالُ الهِدايَةِ بِاللّامِ إمّا لِتَنْزِيلِها مَنزِلَةَ اللّازِمِ فَلا حاجَةَ إلى المَفْعُولِ أوْ لِأنَّها بِمَعْنى التَّبْيِينِ والمَفْعُولُ الثّانِي مَحْذُوفٌ. وأيًّا ما كانَ فالفاعِلُ ضَمِيرُهُ تَعالى وضَمِيرُ (لَهُمْ) لِلْمُشْرِكِينَ المُعاصِرِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ . والمَعْنى أغْفَلُوا فَلَمْ يَفْعَلِ اللَّهُ تَعالى لَهُمُ الهِدايَةَ أوْ فَلَمْ يُبَيِّنْ عَزَّ وجَلَّ لَهُمُ العِبَرَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِنَ القُرُونِ﴾ إمّا بَيانٌ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ لِتِلْكَ الهِدايَةِ أوْ كالتَّفْسِيرِ لِلْمَفْعُولِ المَحْذُوفِ، وقِيلَ: فاعِلُ (يَهْدِ) ضَمِيرُهُ ﷺ، وقِيلَ: ضَمِيرُ الإهْلاكِ المَفْهُومُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَمْ أهْلَكْنا﴾ والجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لَهُ، وقِيلَ: الفاعِلُ مَحْذُوفٌ أيِ النَّظَرُ والِاعْتِبارُ ونُسِبَ ذَلِكَ إلى المِبْرَدِ، وفِيهِ حَذْفُ الفاعِلِ وهو لا يَجُوزُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الفاعِلُ جُمْلَةُ ﴿كَمْ أهْلَكْنا﴾ إلَخْ ووُقُوعُ الجُمْلَةِ فاعِلًا مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ، والجُمْهُورُ عَلى خِلافِهِ لَكِنْ رُجِّحَ ذَلِكَ هُنا بِأنَّ التَّعْلِيلَ فِيما بَعْدُ يَقْتَضِيهِ. ورُجِّحَ كَوْنُ الفاعِلِ ضَمِيرَهُ تَعالى شَأْنُهُ بِأنَّهُ قَدْ قَرَأ فِرْقَّةٌ مِنهُمُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّلَمِيُّ ( أفَلَمْ نَهْدِ ) بِالنُّونِ واخْتارَ بَعْضُهم عَلَيْهِ كَوْنَ الفِعْلِ مُنَزَّلًا مَنزِلَةَ اللّازِمِ وجُمْلَةُ ﴿كَمْ أهْلَكْنا﴾ بَيانًا لِتِلْكَ الهِدايَةِ، وبَعْضٌ آخَرُ كَوْنُهُ مُتَعَدِّيًا والمَفْعُولُ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ أيْ: أفَلَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ تَعالى لَهم مَضْمُونَ هَذا الكَلامِ، وقِيلَ: الجُمْلَةُ سادَّةٌ مَسَدَّ المَفْعُولِ والفِعْلُ مُعَلَّقٌ عَنْها، وتُعُقِّبَ بِأنَّ (كَمْ) هُنا خَبَرِيَّةٌ وهي لا تُعَلِّقُ عَنِ العَمَلِ وإنَّما الَّتِي تُعَلِّقُ عَنْهُ كَمِ الِاسْتِفْهامِيَّةُ عَلى ما نَصَّ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ لَكِنْ أنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ إذا كانَ مَدارُ التَّعْلِيقِ الصَّدارَةَ كَما هو الظّاهِرُ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ هِشامٍ بِأنَّ لِكُلٍّ مِن كَمِ الِاسْتِفْهامِيَّةِ وكَمِ الخَبَرِيَّةِ ما ذُكِرَ، ورَدَ في المُغْنِي قَوْلُ ابْنِ عُصْفُورٍ: أنَّ (كَمْ) في الآيَةِ فاعِلُ يَهْدِ بِأنَّ لَها الصَّدْرَ ثُمَّ قالَ: وقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ جاءَ عَلى لُغَةٍ رَدِيئَةٍ حَكاها الأخْفَشُ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ يَقُولُ: مَلَكْتَ كَمْ عَبِيدٍ فَيُخْرِجُها عَنِ الصَّدْرِيَّةِ خَطَأٌ عَظِيمٌ إذْ خَرَّجَ كَلامَ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ عَلى هَذِهِ اللُّغَةِ انْتَهى. وهو ظاهِرٌ في أنَّهُ قائِلٌ بِأنَّ كَمْ هُنا خَبَرِيَّةٌ ولَها الصَّدْرُ. نَعَمْ نَقَلَ الحُوفِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ رَدَّ القائِلَ بِالفاعِلِيَّةِ بِأنَّها اسْتِفْهامِيَّةٌ لا يَعْمَلُ ما قَبْلَها فِيها والظّاهِرُ خَبَرِيَّتُها وهي مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لَأهْلَكْنا و﴿مِنَ القُرُونِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِمُمَيِّزِها أيْ كَمْ قَرْنٍ كائِنٌ مِنَ القُرُونِ ﴿يَمْشُونَ في مَساكِنِهِمْ﴾ حالٌ (p-280)مِنَ (القُرُونِ) أوْ مِن مَفْعُولِ (أهْلَكْنا) أيْ أهْلَكْناهم وهم في حالِ أمْنٍ وتَقَلُّبٍ في دِيارِهِمْ. واخْتارَ في البَحْرِ كَوْنَهُ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في (لَهُمْ) مُؤَكِّدًا لِلْإنْكارِ، والعامِلُ فِيهِ (يَهْدِ) أيْ أفَلَمْ يَهْدِ لِلْمُشْرِكِينَ حالَ كَوْنِهِمْ ماشِينَ في مَساكِنِ مَن أهْلَكْنا مِنَ القُرُونِ السّالِفَةِ مِن أصْحابِ الحِجْرِ وثَمُودَ وقَوْمِ لُوطٍ مُشاهِدِينَ لِآثارِ هَلاكِهِمْ إذا سافَرُوا إلى الشّامِ وغَيْرِهِ، وتَوَهَّمَ بَعْضُهم أنَّ الجُمْلَةَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِلْقُرُونِ ولَيْسَ كَذَلِكَ، وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ (يُمَشُّونَ) بِالتَّشْدِيدِ والبِناءِ لِلْمَفْعُولِ أيْ يُمَكَّنُونَ في المَشْيِ ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ تَعْلِيلٌ لِلْإنْكارِ وتَقْرِيرٌ لِلْهِدايَةِ مَعَ عَدَمِ اهْتِدائِهِمْ. و(ذَلِكَ) إشارَةٌ إلى مَضْمُونِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿كَمْ أهْلَكْنا﴾ إلَخْ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشْعارِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِ وعُلُوِّ شَأْنِهِ في بابِهِ.
﴿لآياتٍ﴾ كَثِيرَةً عَظِيمَةً ظاهِراتِ الدَّلالَةِ عَلى الحَقِّ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ كَلِمَةُ في تَجْرِيدِيَّةً كَما قِيلَ في قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿لَقَدْ كانَ لَكم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، ﴿لأُولِي النُّهى﴾ أيْ لِذَوِي العُقُولِ النِّهايَةِ عَنِ القَبائِحِ الَّتِي مِن أقْبَحِها ما يَتَعاطاهُ هَؤُلاءِ المُنْكَرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الكُفْرِ بِآياتِ اللَّهِ تَعالى والتَّعامِي عَنْها وغَيْرُ ذَلِكَ مِن فُنُونِ المَعاصِي.
{"ayah":"أَفَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلنُّهَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











