الباحث القرآني

﴿وكَذَلِكَ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ﴾ والإشارَةُ إلى إنْزالِ ما سَبَقَ مِنَ الآياتِ المُتَضَمِّنَةِ لِلْوَعِيدِ المُنْبِئَةِ عَمّا سَيَقَعُ مِن أحْوالِ القِيامَةِ وأهْوالِها أيْ مِثْلُ ذَلِكَ الإنْزالِ (أنْزَلْناهُ) أيِ: القُرْآنَ كُلَّهُ وهو تَشْبِيهٌ (p-267)لِإنْزالِ الكُلِّ بِإنْزالِ الجُزْءِ والمُرادُ أنَّهُ عَلى نَمَطٍ واحِدٍ، وإضْمارُهُ مِن غَيْرِ سَبْقِ ذِكْرِهِ لِلْإيذانِ بِنَباهَةِ شَأْنِهِ وكَوْنِهِ مَرْكُوزًا في العُقُولِ حاضِرًا في الأذْهانِ ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ لِيَفْهَمَهُ العَرَبُ ويَقِفُوا عَلى ما فِيهِ مِنَ النَّظْمِ المُعْجِزِ الدّالِّ عَلى كَوْنِهِ خارِجًا عَنْ طَوْقِ الآدَمِيِّينَ نازِلًا مِن رَبِّ العالَمِينَ ﴿وصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ﴾ أيْ كَرَرْنا فِيهِ بَعْضَ الوَعِيدِ أوْ بَعْضًا مِنَ الوَعِيدِ، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أنْزَلْناهُ﴾ وجَعْلُها حالًا قَيْدَ الإنْزالِ خِلافُ الظّاهِرِ جِدًّا. ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ المَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وتَقَدَّمَ الكَلامُ في لَعَلَّ، والمُرادُ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ الكُفْرَ والمَعاصِيَ بِالفِعْلِ ﴿أوْ يُحْدِثُ لَهم ذِكْرًا﴾ أيْ: عِظَةً واعْتِبارًا مُؤَدِّيًا في الآخِرَةِ إلى الِاتِّقاءِ، وكَأنَّهُ لَمّا كانَتِ التَّقْوى هي المَطْلُوبَةَ بِالذّاتِ مِنهم أسْنَدَ فِعْلَها إلَيْهِمْ، ولَمّا لَمْ يَكُنِ الذِّكْرُ كَذَلِكَ غَيَّرَ الأُسْلُوبَ إلى ما سَمِعْتَ كَذا قِيلَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالتَّقْوى مَلَكَتُها، وأُسْنِدَتْ إلَيْهِمْ لِأنَّها مَلَكَةٌ نَفْسانِيَّةٌ تُناسِبُ الإسْنادَ لِمَن قامَتْ بِهِ، وبِالذِّكْرِ العِظَةُ الحاصِلَةُ مِنِ اسْتِماعِ القُرْآنِ المُثَبِّطَةُ عَنِ المَعاصِي، ولَمّا كانَتْ أمْرًا يَتَجَدَّدُ بِسَبَبِ اسْتِماعِهِ ناسَبَ الإسْنادَ إلَيْهِ، ووَصْفُهُ بِالحُدُوثِ المُناسِبِ لِتَجَدُّدِ الألْفاظِ المَسْمُوعَةِ، ولا يَخْفى بَعْدَ تَفْسِيرِ التَّقْوى بِمَلَكَتِها عَلى أنَّ في القَلْبِ مِنَ التَّعْلِيلِ شَيْئًا. وفِي البَحْرِ أسْنَدَ تَرَجِّيَ التَّقْوى إلَيْهِمْ لِأنَّ التَّقْوى عِبارَةٌ عَنِ انْتِفاءِ فِعْلِ القَبِيحِ وذَلِكَ اسْتِمْرارٌ عَلى العَدَمِ الأصْلِيِّ، وأسْنَدَ تَرَجِّيَ أحْداثِ الذِّكْرِ لِلْقُرْآنِ لِأنَّ ذَلِكَ أمْرٌ حَدَثَ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنِ انْتَهى، وهو مَأْخُوذٌ مِن كَلامِ الإمامِ وفي قَوْلِهِ: لِأنَّ التَّقْوى إلى آخِرِهِ عَلى إطْلاقِهِ مَنعُ ظاهِرٍ، وفَسَّرَ بَعْضُهُمُ التَّقْوى بِتَرْكِ المَعاصِي والذِّكْرَ بِفِعْلِ الطّاعاتِ فَإنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجازًا لِما بَيْنَهُما مِنَ السَّبَبِيَّةِ والمُسَبِّبِيَّةِ، فَكَلِمَةُ أوْ عَلى ما قِيلَ لِلتَّنْوِيعِ، وفي الكَلامِ إشارَةٌ إلى أنَّ مَدارَ الأمْرِ التَّخْلِيَةُ والتَّحْلِيَةُ. والإمامُ ذَكَرَ في الآيَةِ وجْهَيْنِ، الأوَّلُ أنَّ المَعْنى إنَّما أنْزَلْنا القُرْآنَ لِيَصِيرُوا مُحْتَرِزِينَ عَنْ فِعْلِ ما لا يَنْبَغِي أوْ يُحْدِثُ لَهم ذِكْرًا يَدْعُوهم إلى فِعْلِ ما يَنْبَغِي فالكَلامُ مُشِيرٌ أيْضًا إلى التَّخْلِيَةِ والتَّحْلِيَةِ إلّا أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ارْتِكابُ المُجارِ، والثّانِي أنَّ المَعْنى أنْزَلْنا القُرْآنَ لِيَتَّقُوا فَإنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يُحْدِثَ لَهم ذِكْرًا وشَرَفًا وصِيتًا حَسَنًا، ولا يَخْفى أنَّ هَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وقالَ الطِّيبِيُّ: إنَّ المَعْنى وكَذَلِكَ أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا أيْ فَصِيحًا ناطِقًا بِالحَقِّ ساطِعًا بَيِّناتُهُ لَعَلَّهم يَحْدُثُ لَهُمُ التَّأمُّلُ والتَّفَكُّرُ في آياتِهِ وبَيِّناتِهِ الوافِيَةِ الشّافِيَةِ فَيُذْعِنُونَ ويُطِيعُونَ وصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ العَذابَ. فَفي الآيَةِ لَفٌّ مِن غَيْرِ تَرْتِيبٍ وهي عَلى وِزانِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ وعِنْدِي كَوْنُ الآيَةِ مُتَضَمِّنَةً لِلتَّخْلِيَةِ والتَّحْلِيَةِ لا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ فَتَأمَّلْ. وقَرَأ الحَسَنُ ( أوْ يُحْدِثْ ) بِسُكُونِ الثّاءِ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ومُجاهِدٌ وأبُو حَيْوَةَ والحَسَنُ في رِوايَةٍ والجَحْدَرِيُّ وسَلّامٌ ( أوْ نُحْدِثُ ) بِالنُّونِ وسُكُونِ الثّاءِ وذَلِكَ حَمْلُ وصْلٍ عَلى وقْفٍ أوْ تَسْكِينِ حَرْفِ الإعْرابِ اسْتِثْقالًا لِحَرَكَتِهِ كَما قالَ ابْنُ جِنِّيِّ نَحْوَ قَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ: ؎اليَوْمَ أشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ إثْمًا مِنَ اللَّهِ ولا واغِلِي وقَوْلِ جَرِيرٍ: ؎سِيرُوا بَنِي العَمِّ فالأهْوازُ مَنزِلُكم ∗∗∗ ونَهْرُ تِيرِي ولا يَعْرِفْكُمُ العَرَبُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب