الباحث القرآني
﴿فَلَمّا أتاها﴾ أيِ: النّارَ الَّتِي آنَسَها وكانَتْ كَما في بَعْضِ الرِّواياتِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في شَجَرَةِ عُنّابٍ خَضْراءَ يانِعَةٍ، وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كانَتْ في سُمْرَةٍ، وقِيلَ: في شَجَرَةِ عَوْسَجٍ.
وأخْرَجَ الإمامُ أحْمَدُ في الزُّهْدِ. وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: لَمّا رَأى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ النّارَ انْطَلَقَ يَسِيرُ حَتّى وقَفَ مِنها قَرِيبًا فَإذا هو بِنارٍ عَظِيمَةٍ تَفُورُ مِن ورَقِ شَجَرَةٍ خَضْراءَ شَدِيدَةِ الخُضْرَةِ يُقالُ لَها العَلِيقُ لا تَزْدادُ النّارُ فِيما يُرى إلّا عِظَمًا وتَضَرُّمًا ولا تَزْدادُ الشَّجَرَةُ عَلى شِدَّةِ الحَرِيقِ إلّا خُضْرَةٍ وحُسْنًا فَوَقَفَ يَنْظُرُ لا يَدْرِي عَلامَ يَضَعُ أمْرُها إلّا أنَّهُ قَدْ ظَنَّ أنَّها شَجَرَةٌ تَحْتَرِقُ، وأوْقَدَ إلَيْها بِوَقْدٍ فَنالَها، فاحْتَرَقَتْ وإنَّهُ إنَّما يَمْنَعُ النّارَ شِدَّةُ خُضْرَتِها وكَثْرَةُ مائِها وكَثافَةُ ورَقِها وعِظَمُ جِذْعِها فَوَضَعَ أمْرَها عَلى هَذا فَوَقَفَ وهو يَطْمَعُ أنْ يَسْقُطَ مِنها شَيْءٌ فَيَقْتَبِسُهُ، فَلَمّا طالَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أهْوى إلَيْها بِضِغْثٍ (p-167)فِي يَدِهِ وهو يُرِيدُ أنْ يَقْتَبِسَ مِن لَهَبِها، فَلَمّا فَعَلَ ذَلِكَ مالَتْ نَحْوَهُ كَأنَّها تُرِيدُهُ، فاسْتَأْخَرَ عَنْها وهابَ، ثُمَّ عادَ فَطافَ بِها، ولَمْ تَزَلْ تُطْمِعُهُ ويَطْمَعُ بِها، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بِأوْشَكَ مِن خُمُودِها، فاشْتَدَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَجَبُهُ وفَكَّرَ في أمْرِها، فَقالَ: هي نارٌ مُمْتَنِعَةٌ لا يُقْتَبَسُ مِنها ولَكِنَّها تَتَضَرَّمُ في جَوْفِ شَجَرَةٍ، فَلا تَحْرِقُها ثُمَّ خُمُودُها عَلى قَدْرِ عِظَمِها في أوْشَكَ مِن طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ قالَ: إنَّ لِهَذِهِ لَشَأْنًا ثُمَّ وضَعَ أمْرَها عَلى أنَّها مَأْمُورَةٌ أوْ مَصْنُوعَةٌ لا يَدْرِي مِن أمْرِها ولا بِمَ أُمِرَتْ ولا مَن صَنَعَها، ولا لِمَ صُنِعَتْ، فَوَقَفَ مُتَحَيِّرًا لا يَدْرِي أيَرْجِعُ أمْ يُقِيمُ، فَبَيْنَما هو عَلى ذَلِكَ إذْ رَمى بِطَرْفِهِ نَحْوَ فَرْعِها، فَإذا أشَدُّ ما كانَ خُضْرَةً ساطِعَةً في السَّماءِ يَنْظُرُ إلَيْها تَغْشى الظَّلامَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الخُضْرَةُ تُنَوِّرُ وتَصْفَرُّ وتَبْيَضُّ حَتّى صارَتْ نُورًا ساطِعًا عَمُودًا بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ عَلَيْهِ مِثْلُ شُعاعِ الشَّمْسِ تَكِلُ دُونَهُ الأبْصارُ، كُلَّما نَظَرَ إلَيْهِ يَكادُ يَخْطَفُ بَصَرَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اشْتَدَّ خَوْفُهُ وحُزْنُهُ فَرَدَّ يَدِهِ عَلى عَيْنَيْهِ ولَصِقَ بِالأرْضِ وسَمِعَ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَمْ يَسْمَعِ السّامِعُونَ بِمِثْلِهِ عِظَمًا، فَلَمّا بَلَغَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ الكَرْبُ واشْتَدَّ عَلَيْهِ الهَوْلُ كانَ ما قَصَّ اللَّهُ تَعالى.
ورُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ كُلَّما قَرُبَ مِنها تَباعَدَتْ، فَإذا أدْبَرَ اتَّبَعَتْهُ، فَأيْقَنَ أنَّ هَذا أمْرٌ مِن أُمُورِ اللَّهِ تَعالى الخارِقَةِ لِلْعادَةِ، ووَقَفَ مُتَحَيِّرًا وسَمِعَ مِنَ السَّماءِ تَسْبِيحَ المَلائِكَةِ وأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وكانَ ما كانَ.
وقالُوا: النّارُ أرْبَعَةُ أصْنافٍ صِنْفٌ يَأْكُلُ ولا يَشْرَبُ وهي نارُ الدُّنْيا، وصِنْفٌ يَشْرَبُ ولا يَأْكُلُ وهي نارُ الشَّجَرِ الأخْضَرِ، وصِنْفٌ يَأْكُلُ ويَشْرَبُ وهي نارُ جَهَنَّمَ، وصِنْفٌ لا يَأْكُلُ ولا يَشْرَبُ وهي نارُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ. وقالُوا أيْضًا هي أرْبَعَةُ أنْواعٍ: نَوْعٌ لَهُ نُورٌ وإحْراقٌ وهي نارُ الدُّنْيا، ونَوْعٌ لا نُورَ لَهُ ولا إحْراقَ وهي نارُ الأشْجارِ. ونَوْعٌ لَهُ إحْراقٌ بِلا نُورٍ وهي نارُ جَهَنَّمَ. ونَوْعٌ لَهُ نُورٌ بِلا إحْراقٍ وهي نارُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، بَلْ قالَ بَعْضُهم: إنَّها لَمْ تَكُنْ نارًا بَلْ هي نُورٌ مِن نُورِ الرَّبِّ تَبارَكَ وتَعالى. ورُوِيَ هَذا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وذُكِرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ النّارِ بِناءً عَلى حُسْبانِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ولَيْسَ في إخْبارِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَسَبَ حُسْبانِهِ مَحْذُورٌ كَما تَوَهَّمَ واسْتَظْهَرَ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ وإلَيْهِ ذَهَبَ الماوَرْدَيُّ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هي النّارُ بِعَيْنِها وهي إحْدى حُجُبِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ واسْتَدَلَّ لَهُ بِما رُوِيَ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ( «حِجابُهُ النّارُ لَوْ كَشَفَها لَأحْرَقَتْ سُبُحاتِ وجْهِهِ ما انْتَهى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِن خَلْقِهِ» ) .
ذَكَرَ ذَلِكَ البَغْوِيُّ وذُكِرَ في تَفْسِيرِ الخازِنِ أنَّ الحَدِيثَ أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ أتاها (نُودِيَ) مِن غَيْرِ رَيْثٍ، وبِذَلِكَ رَدَّ بَعْضُ المُعْتَزِلَةِ الأخْبارَ السّابِقَةَ الدّالَّةَ عَلى تَخَلُّلِ زَمانٍ بَيْنَ المَجِيءِ والنِّداءِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ تَخَلُّلَ مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمانِ مِمّا لا يَضُرُّ في مِثْلِ ما ذُكِرَ، وزَعَمَ أيْضًا امْتِناعَ تَحَقُّقِ ظُهُورِ الخارِقِ عِنْدَ مَجِيئِهِ النّارَ قَبْلَ أنْ يُنَبَّأ إلّا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِغَيْرِهِ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وعِنْدَنا أنَّ ذَلِكَ مِنَ الإرْهاصِ الَّذِي يُنْكِرُهُ المُعْتَزِلَةُ، والظّاهِرُ أنَّ القائِمَ مَقامَ فاعِلِ (نُودِيَ) ضَمِيرُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: ضَمِيرُ المَصْدَرِ أيْ نُودِيَ النِّداءَ، وقِيلَ: هو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا مُوسى﴾ إلَخْ وكَأنَّ ذَلِكَ عَلى اعْتِبارِ تَضْمِينِ النِّداءِ مَعْنى القَوْلِ وإرادَةِ هَذا اللَّفْظِ مِنَ الجُمْلَةِ وإلّا فَقَدَ قِيلَ: إنَّ الجُمْلَةَ لا تَكُونُ فاعِلًا ولا قائِمًا مَقامَهُ في مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ إلّا بِنَحْوِ هَذا الضَّرْبِ مِنَ التَّأْوِيلِ.
وفِي البَحْرِ مَذْهَبُ الكُوفِيِّينَ مُعامَلَةُ النِّداءِ مُعامَلَةَ القَوْلِ، ومَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ إضْمارُ القَوْلِ في مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ أيْ نُودِيَ فَقِيلَ:
{"ayah":"فَلَمَّاۤ أَتَىٰهَا نُودِیَ یَـٰمُوسَىٰۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











