الباحث القرآني
﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ﴾ السّائِلُونَ مُنْكِرُو البَعْثِ مِن قُرَيْشٍ عَلى ما أخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ قالُوا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ كَيْفَ يَفْعَلُ رَبُّكَ بِالجِبالِ يَوْمَ القِيامَةِ، وقِيلَ: جَماعَةٌ مِن ثَقِيفٍ، وقِيلَ: أُناسٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ ﴿فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفًا﴾ يَجْعَلُها سُبْحانَهُ كالرَّمْلِ ثُمَّ يُرْسِلُ عَلَيْها الرِّياحَ فَتُفَرِّقُها، والفاءُ لِلْمُسارَعَةِ إلى إزالَةِ ما في ذِهْنِ السّائِلِ مِن بَقاءِ الجِبالِ بِناءً عَلى ظَنِّ أنَّ ذَلِكَ مِن تَوابِعِ عَدَمِ الحَشْرِ ألا تَرى أنَّ مُنْكِرِي الحَشْرِ يَقُولُونَ بِعَدَمِ تَبَدُّلِ هَذا النِّظامِ المُشاهَدِ في الأرْضِ والسَّماواتِ أوْ لِلْمُسارَعَةِ إلى تَحْقِيقِ الحَقِّ حِفْظًا مِن أنْ يُتَوَهَّمَ ما يَقْضِي بِفَسادِ الِاعْتِقادِ.
وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ السّائِلَ مِنَ المُؤْمِنِينَ والأوَّلَ: عَلى أنَّهُ مِن مُنْكِرِي البَعْثِ، ومِن هُنا قالَ الإمامُ: إنَّ مَقْصُودَ السّائِلِينَ الطَّعْنُ في الحَشْرِ والنَّشْرِ فَلا جَرَمَ أمَرَ ﷺ بِالجَوابِ مَقْرُونًا بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ لِأنَّ تَأْخِيرَ البَيانِ في (p-262)هَذِهِ المَسْألَةِ الأُصُولِيَّةِ غَيْرُ جائِزٍ وأمّا تَأْخِيرُهُ في المَسائِلِ الفُرُوعِيَّةِ فَجائِزٌ ولِذا لَمْ يُؤْتَ بِالفاءِ في الأمْرِ بِالجَوابِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ﴾ الآيَةَ، وقَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ قُلِ الأنْفالِ لِلَّهِ والرَّسُولِ﴾ وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ﴾ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ السُّؤالَ المَذْكُورَ إمّا عَنْ قِدَمِ الجِبالِ أوْ عَنْ وُجُوبِ بَقائِها وهَذِهِ المَسْألَةُ مِن أُمَّهاتِ مَسائِلِ أُصُولِ الدِّينِ فَلا جَرَمَ أمَرَ ﷺ أنْ يُجِيبَهُ بِالفاءِ المُفِيدَةِ لِلتَّعْقِيبِ كَأنَّهُ سُبْحانَهُ قالَ: يا مُحَمَّدُ أجِبْ عَنْ هَذا السُّؤالِ في الحالِ مِن غَيْرِ تَأْخِيرٍ لِأنَّ القَوْلَ بِقِدَمِها أوْ وُجُوبِ بَقائِها كُفْرٌ، ودَلالَةُ الجَوابِ عَلى نَفْيٍ ذَلِكَ مِن جِهَةِ أنَّ النَّسْفَ مُمْكِنٌ لِأنَّهُ مُمْكِنٌ في كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ الجَبَلِ، والحِسُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مُمْكِنًا في حَقِّ كُلِّ الجَبَلِ فَلَيْسَ بِقَدِيمٍ ولا واجِبِ الوُجُودِ لِأنَّ القَدِيمَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ والنَّسْفُ انْتَهى.
واعْتُرِضَ بِأنَّ عَدَمَ جَوازِ التَّغَيُّرِ والنَّسْفِ إنَّما يُسَلَّمُ في حَقِّ القَدِيمِ بِالذّاتِ ولَمْ يَذْهَبْ أحَدٌ مِنَ السّائِلَيْنِ إلى كَوْنِ الجِبالِ قَدِيمَةً كَذَلِكَ، وأمّا القَدِيمُ بِالزَّمانِ فَلا يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ لِذاتِهِ ذَلِكَ بَلْ إذا امْتَنَعَ فَإنَّما يَمْتَنِعُ لِأمْرٍ آخَرَ عَلى أنَّ في كَوْنِ الجِبالِ قَدِيمَةً بِالزَّمانِ عِنْدَ السّائِلَيْنِ وكَذا غَيْرُهم مِنَ الفَلاسِفَةِ نَظَرًا بَلِ الظّاهِرُ أنَّ الفَلاسِفَةَ قائِلُونَ بِحُدُوثِها الزَّمانِيِّ وإنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَبْدَأً مُعَيَّنًا لِحُدُوثِها فَتَأمَّلْ، ثُمَّ إنَّهُ ذَكَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى أنَّ السُّؤالَ والجَوابَ قَدْ ذُكِرا في عِدَّةِ مَواضِعَ مِن كِتابِ اللَّهِ تَعالى مِنها فُرُوعِيَّةٌ ومِنها أُصُولِيَّةٌ والأُصُولِيَّةُ في أرْبَعَةِ مَواضِعَ في هَذِهِ الآيَةِ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ﴾ وقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحِ مِن أمْرِ رَبِّي﴾ وقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّانَ مُرْساها﴾ ولا يَخْفى أنَّ عَدَّ جَمِيعِ ما ذُكِرَ مِنَ الأُصُولِيَّةِ غَيْرُ ظاهِرٍ، وعَلى تَقْدِيرِ ظُهُورِ ذَلِكَ في الجَمِيعِ يَرِدُ السُّؤالُ عَنْ سِرِّ اقْتِرانِ الأمْرِ بِالجَوابِ بِالفاءِ في بَعْضِها دُونَ بَعْضٍ.
وكَوْنُ ما اقْتَرَنَ بِالفاءِ هو الأهَمَّ في حَيِّزِ المَنعِ فَإنَّ الأمْرَ بِالجَوابِ عَنِ السُّؤالِ عَنِ الرُّوحِ إنْ كانَ عَنِ القِدَمِ ونَحْوِهِ فَمُهِمٌّ كالأمْرِ بِالجَوابِ فِيما نَحْنُ فِيهِ بَلْ لَعَلَّهُ أهَمُّ مِنهُ لِتَحَقُّقِ القائِلِ بِالقِدَمِ الزَّمانِيِّ لِلرُّوحِ بِناءً عَلى أنَّها النَّفْسُ النّاطِقَةُ كَأفْلاطُونَ وأتْباعِهِ، وقَدْ يُقالُ: لَمّا كانَ الجَوابُ هُنا لِدَفْعِ السُّؤالِ عَنِ الكَلامِ السّابِقِ أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ﴾ كَأنَّهُ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ تَخافُتُ المُجْرِمِينَ المُقْتَضِي لا لِاجْتِماعِهِمْ، والجِبالُ في البَيْنِ مانِعَةٌ عَنْ ذَلِكَ فَمَتى قُلْتُمْ بِصِحَّتِهِ فَبَيِّنُوا لَنا كَيْفَ يَفْعَلُ اللَّهُ تَعالى بِها؟ فَأُجِيبُ بِأنَّ الجِبالَ تُنْسَفُ في ذَلِكَ الوَقْتِ فَلا يَبْقى مانِعٌ عَنِ الِاجْتِماعِ والتَّخافُتِ، وقَرَنَ الأمْرَ بِالفاءِ لِلْمُسارَعَةِ إلى الذَّبِّ عَنِ الدَّعْوَةِ السّابِقَةِ، والآياتُ الَّتِي لَمْ يُقْرَنِ الأمْرُ فِيها بِالفاءِ لَمْ تُسَقْ هَذا المَساقَ كَما لا يَخْفى عَلى أرْبابِ الأذْواقِ، وقالَ النَّسَفِيُّ وغَيْرُهُ: الفاءُ في جَوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أيْ إذا سَألُوكَ عَنِ الجِبالِ فَقُلْ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَقَعِ السُّؤالُ عَنْ ذَلِكَ كَما وقَعَ في قِصَّةِ الرُّوحِ وغَيْرِها فَلِذا لَمْ يُؤْتَ بِالفاءِ ثَمَّةَ وأُتِيَ بِهِ هُنا فَيَسْألُونَكَ مُتَمَحِّضٌ لِلِاسْتِقْبالِ، واسْتَبْعَدَ ذَلِكَ أبُو حَيّانَ، وما أخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِن أنَّ قُرَيْشًا قالُوا: يا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَفْعَلُ رَبُّكَ بِهَذِهِ الجِبالِ يَوْمَ القِيامَةِ فَنَزَلَتْ ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ﴾ الآيَةَ، يَدُلُّ عَلى خِلافِهِ، وقالَ الخَفاجِيُّ: الظّاهِرُ أنَّهُ إنَّما قُرِنَ بِها هُنا ولَمْ يُقْرَنْ بِها ثَمَّةَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الجَوابَ مَعْلُومٌ لَهُ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ فَأمَرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالمُبادَرَةِ إلَيْهِ بِخِلافِ ذَلِكَ. انْتَهى.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ القَوْلَ بِأنَّ الجَوابَ عَنْ سُؤالِ الرُّوحِ، وعَنْ سُؤالِ المَحِيضِ ونَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ ﷺ قَبْلُ لَمْ يَتَجاسَرْ عَلَيْهِ أحَدٌ مِن عَوامِّ النّاسِ فَضْلًا عَنْ خَواصِّهِمْ فَما ذَكَرَهُ مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ.
(p-263)ومِمّا يُضْحِكُ الثَّكْلى أنَّ بَعْضَ المُعاصِرِينَ سَمِعَ السُّؤالَ عَنْ سِرِّ اقْتِرانِ الأمَلِ هُنا بِالفاءِ وعَدَمِ اقْتِرانِهِ بِها في الآياتِ الأُخَرَ فَقالَ: ما أجْهَلَ هَذا السّائِلُ بِما يَجُوزُ وما لا يَجُوزُ مِنَ المَسائِلِ أما سَمِعَ قَوْلَهُ تَعالى ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ﴾ أما دَرى أنَّ مَعْناهُ نَهْيُ مَن يُرِيدُ السُّؤالَ عَنْ أنْ يَسْألَ. وأدَلُّ مِن هَذا عَلى جَهْلِ الرَّجُلِ أنَّهُ دُونَ ما قالَ ولَمْ يُبالِ بِما قِيلَ ويُقالُ، ونَقْلِي لِذَلِكَ مِن بابِ التَّحْمِيضِ وتَذْكِيرِ مَن سَلِمَ مِن مَثَلِ هَذا الدّاءِ بِما مَنَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ مِنَ الفَضْلِ الطَّوِيلِ العَرِيضِ،
{"ayah":"وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق