الباحث القرآني

﴿ولَقَدْ جاءَكم مُوسى بِالبَيِّناتِ﴾ داخِلٌ تَحْتَ الأمْرِ، فَهو مِن تَمامِ التَّبْكِيتِ والتَّوْبِيخِ، وكَذا ما يَأْتِي بَعْدَ لا تَكْرِيرٌ لِما قَصَّ مِن قَبْلُ، والمُرادُ بِالبَيِّناتِ الدَّلائِلُ الدّالَّةُ عَلى صِدْقِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ في دَعْوَتِهِ، والمُعْجِزاتُ المُؤَيِّدَةُ لِنُبُوَّتِهِ كالعَصا، واليَدِ، وانْفِلاقِ البَحْرِ مَثَلًا، وقِيلَ: الأظْهَرُ أنْ يُرادَ بِها الدَّلائِلُ عَلى الوَحْدانِيَّةِ، فَإنَّهُ أدْخَلُ في التَّقْرِيعِ بِما بَعْدُ، وعِنْدِي الحَمْلُ عَلى العُمُومِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ ذَلِكَ أيْضًا أوْلى وأظْهَرُ، ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ العِجْلَ﴾ أيِ الَّذِي صَنَعَهُ لَكُمُ السّامِرِيُّ مِن حُلِّيِّكم إلَهًا مِن بَعْدِهِ، أيْ بَعْدَ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِها، ومَن عَدَّ التَّوْراةَ، وانْفِجارَ الماءِ مِنها لَمْ يُرِدِ الجَمِيعَ بَلِ الجِنْسَ، لِأنَّ ذَلِكَ كانَ بَعْدَ قِصَّةِ العِجْلِ، وكَلِمَةُ (ثُمَّ) عَلى هَذا لِلِاسْتِبْعادِ، لِئَلّا يَلْغُوَ القَيْدُ، وقَدْ يُقالُ: الضَّمِيرُ لِمُتَقَدِّمٍ مَعْنًى، وهو الذَّهابُ إلى الطُّورِ، فَكَلِمَةُ (ثُمَّ) عَلى حَقِيقَتِها، وعَدُّ ما ذَكَرْنا مِنَ البَيِّناتِ حِينَئِذٍ ظاهِرٌ، ويُشِيرُ هَذا العَطْفُ عَلى أنَّهم فَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ مُهْلَةٍ مِنَ النَّظَرِ في الآياتِ، وذَلِكَ أعْظَمُ ذَنْبًا، وأكْثَرُ شَناعَةً لِحالِهِمْ، والتَزَمَ بَعْضُهم رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلى البَيِّناتِ بِحَذْفِ المُضافِ، أيْ مِن بَعْدِ تَدَبُّرِ الآياتِ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ، وعَوْدُ الضَّمِيرِ إلى العِجْلِ، والمُرادُ بَعْدَ وُجُودِهِ، أيْ عَبَدْتُمُ الحادِثَ الَّذِي حَدَثَ بِمَحْضَرِكُمْ، لِيَكُونَ فِيهِ التَّوْبِيخُ العَظِيمُ، لا يَخْفى ما فِيهِ مِنَ البُعْدِ العَظِيمِ المُسْتَغْنى عَنْهُ بِما أشَرْنا إلَيْهِ، ﴿وأنْتُمْ ظالِمُونَ﴾ أيْ واضِعُونَ الشَّيْءَ في غَيْرِ مَحَلِّهِ اللّائِقِ بِهِ، أوْ مُخِلُّونَ بِآياتِ اللَّهِ تَعالى، والجُمْلَةُ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلتَّوْبِيخِ والتَّهْدِيدِ، وهي جارِيَةٌ مَجْرى القَرِينَةِ عَلى إرادَةِ العِبادَةِ مِنَ الِاتِّخاذِ، وفِيها تَعْرِيضٌ بِأنَّهم صَرَفُوا العِبادَةَ عَنْ مَوْضِعِها الأصْلِيِّ إلى غَيْرِ مَوْضِعِها، وإيهامُ المُبالَغَةِ مِن حَيْثُ أنَّ إطْلاقَ الظُّلْمِ يُشْعِرُ بِأنَّ عِبادَةَ العِجْلِ كُلُّ الظُّلْمِ، وأنَّ مَنِ ارْتَكَبَها لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الظُّلْمِ، واخْتارَ بَعْضُهم كَوْنَها اعْتِراضًا لِتَأْكِيدِ الجُمْلَةِ بِتَمامِها دُونَ تَعَرُّضٍ لِبَيانِ الهَيْئَةِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الحالِيَّةُ، أيْ وأنْتُمْ قَوْمٌ عادَتُكُمُ الظُّلْمُ، واسْتَمَرَّ مِنكم ومِنهُ عِبادَةُ العِجْلِ، والَّذِي دَعاهُ إلى ذَلِكَ زَعْمُ أنَّهُ يَلْزَمُ عَلى الحالِيَّةِ أنْ يَكُونَ تَكْرارًا مَحْضًا، فَإنَّ عِبادَةَ العِجْلِ لا تَكُونُ إلّا ظُلْمًا بِخِلافِهِ عَلى هَذا، فَإنَّهُ يَكُونُ بَيانًا لِرَذِيلَةٍ لَهم تَقْتَضِي ذَلِكَ، وفِيهِ غَفْلَةٌ عَمّا ذَكَرْنا، وإذا حُمِلَ الِاتِّخاذُ عَلى الحَقِيقَةِ نَحْوَ اتَّخَذْتُ خاتَمًا، تَكُونُ الحالِيَّةُ أوْلى بِلا شُبْهَةٍ، لِأنَّ الِاتِّخاذَ لا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ ظُلْمًا إلّا إذا قُيِّدَ بِعِبادَتِهِ، كَما لا يَخْفى،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب