الباحث القرآني

﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ لَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ أهْلَ النّارِ، وما أعَدَّ لَهم مِنَ الهَلاكِ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ أهْلِ الإيمانِ، وما أعَدَّ لَهم مِنَ الخُلُودِ في الجِنانِ، وقَدْ جَرَتْ عادَتُهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلى أنْ يَشْفَعَ وعْدَهُ بِوَعِيدِهِ مُراعاةً لِما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ في إرْشادِ العِبادِ مِنَ التَّرْغِيبِ تارَةً والتَّرْهِيبِ أُخْرى، وقِيلَ: إنَّ في الجَمْعِ تَرْبِيَةَ الوَعِيدِ بِذِكْرِ ما فاتَ أهْلَهُ مِنَ الثَّوابِ، وتَرْبِيَةَ الوَعْدِ بِذِكْرِ ما نَجا مِنهُ أهْلُهُ مِنَ العِقابِ، وعَطْفُ العَمَلِ عَلى الإيمانِ يَدُلُّ عَلى خُرُوجِهِ عَنْ مُسَمّاهُ، إذْ لا يُعْطَفُ الجُزْءُ عَلى الكُلِّ، ولا يَدُلُّ عَلى عَدَمِ اشْتِراطِهِ بِهِ حَتّى يَدُلَّ عَلى أنَّ صاحِبَ الكَبِيرَةِ غَيْرُ خارِجٍ عَنِ الإيمانِ، وتَكُونُ الآيَةُ حُجَّةً عَلى الوَعِيدِيَّةِ كَما قالَهُ المَوْلى عِصامٌ، فَإنْ قُلْتَ لِلْمُخالِفِ أنْ يَقُولَ: العَطْفُ لِلتَّشْرِيفِ لِكَوْنِ العَمَلِ أشَقَّ وأحْمَزَ مِنَ التَّصْدِيقِ، وأفْضَلُ الأعْمالِ أحْمَزُها، أُجِيبَ بِأنَّ الإيمانَ أشْرَفُ مِنَ العَمَلِ لِكَوْنِهِ أساسَ جَمِيعِ الحَسَناتِ، إذِ الأعْمالُ ساقِطَةٌ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبارِ عِنْدَ عَدَمِهِ، ويَخْطُرُ في البالِ إنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِذِكْرِ العَمَلِ الصّالِحِ هُنا مَعَ الإيمانِ نُكْتَةٌ، وهو أنْ يَكُونَ الإيمانُ في مُقابَلَةِ السَّيِّئَةِ المُفَسَّرَةِ بِالكُفْرِ عِنْدَ بَعْضٍ، والعَمَلُ الصّالِحُ في مُقابَلَةِ الخَطِيئَةِ المُفَسَّرَةِ بِما عَداهُ، والمُرادُ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ومُؤْمِنُو الأُمَمِ قَبْلَهُمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وغَيْرُهُ، وهو الظّاهِرُ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: المُرادُ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ وأُمَّتُهُ خاصَّةً، وذِكْرُ الفاءِ فِيما سَبَقَ وتَرْكُها هُنا إمّا لِأنَّ الوَعِيدَ مِنَ الكَرِيمِ مَظِنَّةُ الخُلْفِ دُونَ الوَعْدِ، فَكانَ الأوَّلُ حَرِيًّا بِالتَّأْكِيدِ دُونَ الثّانِي، وإمّا لِلْإشارَةِ إلى سَبْقِ الرَّحْمَةِ، فَإنَّ النُّحاةَ قالُوا: مَن دَخَلَ دارِي فَأُكْرِمُهُ، يَقْتَضِي إكْرامَ كُلِّ داخِلٍ، لَكِنْ عَلى خَطَرٍ أنْ لا يُكْرِمَ، وبِدُونِ الفاءِ يَقْتَضِي إكْرامَهُ البَتَّةَ، وإمّا لِلْإشارَةِ إلى أنَّ خُلُودَهم في النّارِ بِسَبَبِ أفْعالِهِمُ السَّيِّئَةِ، وعِصْيانِهِمْ، وخُلُودُهم في الجَنَّةِ بِمَحْضِ لُطْفِهِ تَعالى، وكَرَمِهِ، وإلّا فالإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ لا يَفِي بِشُكْرِ ما حَصَلَ لِلْعَبْدِ مِنَ النِّعَمِ العاجِلَةِ، وإلى كُلٍّ ذَهَبَ بَعْضٌ، والقَوْلُ بِأنَّ تَرْكَ الفاءِ هُنا لِمَزِيدِ الرَّغْبَةِ في ذِكْرِ ما لَهم لَيْسَ بِشَيْءٍ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب