الباحث القرآني

﴿أوَلا يَعْلَمُونَ﴾ فَإنَّهُ تَجْهِيلٌ لَهم مِنهُ تَعالى فِيما حَكى عَنْهُمْ، فَيَكُونُ تَوْسِيطُ خِطابِ المُؤْمِنِينَ في أثْنائِهِ مِن قَبِيلِ الفَصْلِ بَيْنَ الشَّجَرَةِ ولِحائِها، عَلى أنَّ في تَخْصِيصِ الخِطابِ بِالمُؤْمِنِينَ تَعَسُّفًا ما، وفي تَعْمِيمِهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ سُوءُ أدَبٍ كَما لا يَخْفى، والِاسْتِفْهامُ فِيهِ لِلْإنْكارِ مَعَ التَّقْرِيعِ، لِأنَّ أهْلَ الكِتابِ كانُوا عالِمِينَ بِإحاطَةِ عِلْمِهِ تَعالى، والمَقْصُودُ بَيانُ شَناعَةِ فِعْلِهِمْ بِأنَّهم يَفْعَلُونَ ما ذُكِرَ مَعَ عِلْمِهِمْ. ﴿أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ﴾ وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الآتِيَ بِالمَعْصِيَةِ مَعَ العِلْمِ بِكَوْنِها مَعْصِيَةً أعْظَمُ وِزْرًا، والواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الذِّهْنُ، والضَّمِيرُ لِلْمُوَبَّخِينَ، أيْ أيَلُومُونَهم عَلى التَّحْدِيثِ المَذْكُورِ مَخافَةَ المُحاجَّةِ، ولا يَعْلَمُونَ ما ذُكِرَ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْمُنافِقِينَ فَقَطْ، أوْ لَهم ولِلْمُوَبَّخِينَ، أوْ لِآبائِهِمُ المُحَرِّفِينَ، والظّاهِرُ حَمْلُ ما في المَوْضِعَيْنِ عَلى العُمُومِ، ويَدْخُلُ فِيهِ الكُفْرُ الَّذِي أسَرُّوهُ، والإيمانُ الَّذِي أعْلَنُوهُ، واقْتَصَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ عَلَيْهِما، وقِيلَ: العَداوَةُ والصَّداقَةُ، وقِيلَ: صِفَتُهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، الَّتِي في التَّوْراةِ المُنَزَّلَةِ، والصِّفَةُ الَّتِي أظْهَرُوها افْتِراءً عَلى اللَّهِ تَعالى، وقَدَّمَ سُبْحانَهُ الإسْرارَ عَلى الإعْلانِ، إمّا لِأنَّ مَرْتَبَةَ السِّرِّ مُتَقَدِّمَةٌ عَلى مَرْتَبَةِ العَلَنِ، إذْ ما مِن شَيْءٍ يُعْلَنُ إلّا وهو أوْ مَبادِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُضْمَرٌ في القَلْبِ، يَتَعَلَّقُ بِهِ الإسْرارُ غالِبًا، فَتَعَلُّقُ عِلْمِهِ تَعالى بِحالَتِهِ الأُولى مُتَقَدِّمٌ عَلى تَعَلُّقِهِ بِحالَتِهِ الثّانِيَةِ، وإمّا لِلْإيذانِ بِافْتِضاحِهِمْ، ووُقُوعِ ما يَحْذَرُونَهُ مِن أوَّلِ الأمْرِ، وإمّا لِلْمُبالَغَةِ في بَيانِ شُمُولِ عِلْمِهِ المُحِيطِ بِجَمِيعِ الأشْياءِ، كانَ عِلْمُهُ بِما يُسِرُّونَ أقْدَمَ مِنهُ بِما يُعْلِنُونَهُ مَعَ كَوْنِهِما في الحَقِيقَةِ عَلى السَّوِيَّةِ، فَإنَّ عِلْمَهُ تَعالى لَيْسَ بِطَرِيقِ حُصُولِ الصُّورَةِ، بَلْ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ في نَفْسِهِ عِلْمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعالى، وفي هَذا المَعْنى لا يَخْتَلِفُ الحالُ بَيْنَ الأشْياءِ البارِزَةِ، ولا الكامِنَةِ، وعَكْسُ الأمْرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللَّهُ﴾ لِأنَّ الأصْلَ فِيما تَتَعَلَّقُ المُحاسَبَةُ بِهِ هو الأُمُورُ البادِيَةُ دُونَ الخافِيَةِ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ (أوَ لا تَعْلَمُونَ)، بِالتّاءِ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، أوْ خِطابًا لَهُمْ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أعْرَضَ عَنْ خِطابِهِمْ، وأعادَ الضَّمِيرَ إلى الغَيْبَةِ إهْمالًا لَهُمْ، ويَكُونُ ذَلِكَ مِن بابِ الِالتِفاتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب