الباحث القرآني

﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أيْ أعْرَضْتُمْ عَنِ الوَفاءِ بِالمِيثاقِ بَعْدَ أخْذِهِ، وخالَفْتُمْ، وأصْلُ التَّوَلِّي الإعْراضُ المَحْسُوسُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في الإعْراضِ المَعْنَوِيِّ كَعَدَمِ القَبُولِ، ويُفْهَمُ مِنَ الآيَةِ أنَّهُمُ امْتَثَلُوا الأمْرَ ثُمَّ تَرَكُوهُ. ﴿فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ الفَضْلُ التَّوْفِيقُ لِلتَّوْبَةِ والرَّحْمَةُ قَبُولُها، أوِ الفَضْلُ والرَّحْمَةُ بَعْثَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وإدْراكُهم لِمُدَّتِهِ، فالخِطابُ عَلى الأوَّلِ جارٍ عَلى سُنَنِ الخِطاباتِ السّابِقَةِ مَجازًا بِاعْتِبارِ الأسْلافِ، وعَلى الثّانِي جارٍ عَلى الحَقِيقَةِ، والخُسْرانُ ذَهابُ رَأْسِ المالِ، أوْ نَقْصُهُ، والمُرادُ: لَكُنْتُمْ مَغْبُونِينَ هالِكِينَ بِالِانْهِماكِ في المَعاصِي، أوْ بِالخَبْطِ في مَهاوِي الضَّلالِ عِنْدَ الفَتْرَةِ، وكَلِمَةُ (لَوْلا) إمّا بَسِيطَةً أوْ مُرَكَّبَةً مِن (لَوِ) الِامْتِناعِيَّةِ (p-282)وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها، وحَرْفِ النَّفْيِ، والِاسْمُ الواقِعُ بَعْدَها عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا لِدِلالَةِ الحالِ عَلَيْهِ، وسَدَّ الجَوابُ مَسَدَّهُ، والتَّقْدِيرُ: ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ ورَحْمَتُهُ حاصِلانِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الجَوابُ خَبْرًا لِكَوْنِهِ في الأغْلَبِ خالِيًا عَنِ العائِدِ إلى المُبْتَدَإ، وعِنْدَ الكُوفِيِّينَ فاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: لَوْلا ثَبَتَ فَضْلُ اللَّهِ تَعالى إلَخْ، ولَكُنْتُمْ جَوابُ لَوْلا، ويَكْثُرُ دُخُولُ اللّامِ عَلى الجَوابِ إذا كانَ مُوجَبًا، وقِيلَ: إنَّهُ لازِمٌ إلّا في الضَّرُورَةِ، كَقَوْلِهِ: ؎لَوْلا الحَياءُ ولَوْلا الدِّينُ عِبْتُكُما بِبَعْضِ ما فِيكُما إذْ عِبْتُما عَوَرِي وجاءَ في كَلامِهِمْ بَعْدَ اللّامِ (قَدْ) كَقَوْلِهِ: ؎لَوْلا الأمِيرُ ولَوْلا خَوْفُ طاعَتِهِ ∗∗∗ لَقَدْ شَرِبْتُ وما أحْلى مِنَ العَسَلِ وقَدْ جاءَ أيْضًا حَذْفُ اللّامِ، وإبْقاءُ قَدْ، نَحْوُ: لَوْلا زَيْدٌ قَدْ أكْرَمْتُكَ، ولَمْ يَجِئْ في القُرْآنِ مُثْبَتًا إلّا بِاللّامِ، إلّا فِيما زَعَمَ بَعْضُهم أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وهَمَّ بِها﴾ جَوابُ لَوْلا، قُدِّمَ عَلَيْها هَذا، * * * ومِن بابِ الإشارَةِ والتَّأْوِيلِ في الآيَةِ: وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمُ المَأْخُوذُ بِدَلائِلِ العَقْلِ بِتَوْحِيدِ الأفْعالِ والصِّفاتِ، ورَفَعْنا فَوْقَكم طُورَ الدِّماغِ لِلتَّمَكُّنِ مِن فَهْمِ المَعانِي، وقَبُولِها، أوْ أشارَ سُبْحانَهُ بالطُّورِ إلى مُوسى القَلْبِ، وبِرَفْعِهِ إلى عُلُوِّهِ واسْتِيلائِهِ في جَوِّ الإرْشادِ، وقُلْنا: خُذُوا أيِ اقْبَلُوا، وما آتَيْناكم مِن كِتابِ العَقْلِ الفُرْقانِيِّ بِجِدٍّ، وعُوا ما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ والمَعارِفِ والعُلُومِ والشَّرائِعِ لِكَيْ تَتَّقُوا الشِّرْكَ والجَهْلَ والفِسْقَ، ثُمَّ أعْرَضْتُمْ بِإقْبالِكم إلى الجِهَةِ السُّفْلِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَوْلا حِكْمَةُ اللَّهِ تَعالى بِإمْهالِهِ وحُكْمِهِ بِإفْضالِهِ لَعاجَلَتْكُمُ العُقُوبَةُ، ولَحَلَّ بِكم عَظِيمُ المُصِيبَةِ. ؎إلى اللَّهِ يُدْعى بِالبَراهِينِ مَن أبى فَإنْ لَمْ يُجِبْ بادَتْهُ بِيضُ الصَّوارِمِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب