الباحث القرآني
﴿وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةٍ أُخْرى لِأنَّهُ سُبْحانَهُ إنَّما فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَتِهِمْ، والظّاهِرُ مِنَ المِيثاقِ هُنا العَهْدُ، ولَمْ يَقُلْ: مَواثِيقَكُمْ، لِأنَّ ما أُخِذَ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهم أُخِذَ عَلى غَيْرِهِ، فَكانَ مِيثاقًا واحِدًا، ولَعَلَّهُ كانَ بِالِانْقِيادِ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، واخْتُلِفَ في أنَّهُ مَتى كانَ؟ فَقِيلَ: قَبْلَ رَفْعِ الطُّورِ، ثُمَّ لَمّا نَقَضُوهُ رُفِعَ فَوْقَهم لِظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ﴾ إلَخْ، وقِيلَ: كانَ مَعَهُ ﴿ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ الواوُ لِلْعَطْفِ، وقِيلَ: لِلْحالِ، والطُّورُ قِيلَ: جَبَلٌ مِنَ الجِبالِ وهو سُرْيانِيٌّ مُعَرَّبٌ، وقِيلَ: الجَبَلُ المُعَيَّنُ، وعَنْ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا جاءَهم بِالتَّوْراةِ، وما فِيها مِنَ التَّكالِيفِ الشّاقَّةِ كَبُرَتْ عَلَيْهِمْ، وأبَوْا قَبُولَها، فَأمَرَ جِبْرِيلَ بِقَلْعِ الطُّورِ، فَظَلَّلَهُ فَوْقَهم حَتّى قَبِلُوا، وكانَ عَلى قَدْرِ عَسْكَرِهِمْ فَرْسَخًا في فَرْسَخٍ، ورُفِعَ فَوْقَهم قَدْرَ قامَةِ الرَّجُلِ، واسْتُشْكِلَ بِأنَّ هَذا يَجْرِي مَجْرى الإلْجاءِ (p-281)إلى الإيمانِ، فَيُنافِي التَّكْلِيفَ، وأجابَ الإمامُ بِأنَّهُ لا إلْجاءَ، لِأنَّ الأكْثَرَ فِيهِ خَوْفُ السُّقُوطِ عَلَيْهِمْ، فَإذا اسْتَمَرَّ في مَكانِهِ مُدَّةً، وقَدْ شاهَدُوا السَّماواتِ مَرْفُوعَةً بِلا عِمادٍ، جازَ أنْ يَزُولَ عَنْهُمُ الخَوْفُ، فَيَزُولُ الإلْجاءُ ويَبْقى التَّكْلِيفُ، وقالَ العَلّامَةُ: كَأنَّهُ حَصَلَ لَهم بَعْدَ هَذا الإلْجاءِ قَبُولٌ اخْتِيارِيٌّ، أوْ كانَ يَكْفِي في الأُمَمِ السّالِفَةِ مِثْلُ هَذا الإيمانِ، وفِيهِ كَما قالَ السّالِيكُوتِيُّ: إنَّ الكَلامَ في أنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ (بِخُذُوا) إلَخْ مَعَ القَسْرِ، وقَدْ تَقَرَّرَ أنَّ مَبْناهُ عَلى الِاخْتِيارِ، فالحَقُّ أنَّهُ إكْراهٌ لِأنَّهُ حَمْلُ الغَيْرِ عَلى أنْ يَفْعَلَ ما لا يَرْضاهُ، ولا يَخْتارُهُ، لَوْ خُلِّيَ ونَفْسَهُ، فَيَكُونُ مُعْدِمًا لِلرِّضا لا لِلِاخْتِيارِ، إذِ الفِعْلُ يَصْدُرُ بِاخْتِيارِهِ كَما فُصِّلَ في الأُصُولِ، وهَذا كالمُحارَبَةِ مَعَ الكُفّارِ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿لا إكْراهَ في الدِّينِ﴾، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أفَأنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ فَقَدْ كانَ قَبْلَ الأمْرِ بِالقِتالِ، ثُمَّ نُسِخَ بِهِ ﴿خُذُوا ما آتَيْناكم بِقُوَّةٍ﴾ هو عَلى إضْمارِ القَوْلِ أيْ قُلْنا أوْ قائِلِينَ (خُذُوا)، وقالَ بَعْضُ الكُوفِيِّينَ: لا يَحْتاجُ إلى إضْمارِهِ، لِأنَّ أخْذَ المِيثاقِ قَوْلٌ، والمَعْنى: ﴿وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾ بِأنْ تَأْخُذُوا ما آتَيْناكُمْ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ، والمُرادُ هُنا بِالقُوَّةِ الجِدُّ والِاجْتِهادُ كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، ويَؤُولُ إلى عَدَمِ التَّكاسُلِ والتَّغافُلِ، فَحِينَئِذٍ لا تَصْلُحُ الآيَةُ دَلِيلًا لِمَنِ ادَّعى أنَّ الِاسْتِطاعَةَ قَبْلَ الفِعْلِ، إذْ لا يُقالُ: خُذْ هَذا بِقُوَّةٍ إلّا والقُوَّةُ حاصِلَةٌ فِيهِ، لِأنَّ القُوَّةَ بِهَذا المَعْنى لا تُنْكَرُ صِحَّةُ تَقَدُّمِها عَلى الفِعْلِ، ﴿واذْكُرُوا ما فِيهِ﴾ أيِ ادْرُسُوهُ واحْفَظُوهُ، ولا تَنْسَوْهُ، أوْ تَدَبَّرُوا مَعْناهُ، أوِ اعْمَلُوا بِما فِيهِ مِنَ الأحْكامِ، فالذِّكْرُ يَحْتَمِلُ أنْ يُرادَ بِهِ الذِّكْرُ اللِّسانِيُّ والقَلْبِيُّ، والأعَمُّ مِنهُما، وما يَكُونُ كاللّازِمِ لَهُما، والمَقْصُودُ مِنهُما أعْنِي العَمَلَ، ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى التَّرَجِّي في كَلامِهِ تَعالى، وقَدْ ذُكِرَ ها هُنا أنَّ كَلِمَةً (لَعَلَّ) مُتَعَلِّقَةٌ (بِخُذُوا) (واذْكُرُوا)، إمّا مَجازٌ يُؤَوَّلُ مَعْناهُ بَعْدَ الِاسْتِعارَةِ إلى تَعْلِيلِ ذِي الغايَةِ بِغايَتِهِ، أوْ حَقِيقَةٌ لِرَجاءِ المُخاطَبِ، والمَعْنى: خُذُوا واذْكُرُوا راجِينَ أنْ تَكُونُوا مُتَّقِينَ، ويُرَجِّحُ المَعْنى المَجازِيُّ أنَّهُ لا مَعْنى لِرَجائِهِمْ فِيما يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، أعْنِي التَّقْوى، اللَّهُمَّ إلّا بِاعْتِبارِ تَكَلُّفِ أنَّهم سَمِعُوا مَناقِبَ المُتَّقِينَ، ودَرَجاتِهِمْ، فَلِذا كانُوا راجِينَ لِلِانْخِراطِ في سِلْكِهِمْ، وجَوَّزَ المُعْتَزِلَةُ كَوْنَها مُتَعَلِّقَةً (بِقُلْنا) المُقَدَّرِ، وأوَّلُوا التَّرَجِّيَ بِالإرادَةِ، أيْ قُلْنا: واذْكُرُوا إرادَةَ أنْ تَتَّقُوا، وهو مَبْنِيٌّ عَلى أصْلِهِمُ الفاسِدِ مِن أنَّ إرادَةَ اللَّهِ تَعالى لِأفْعالِ العِبادِ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلصُّدُورِ لِكَوْنِها عِبارَةً عَنِ العِلْمِ بِالمَصْلَحَةِ، وجَوَّزَ العَلّامَةُ تَعَلُّقَها إذا أُوِّلَ التَّرَجِّي بِالإرادَةِ (بِخُذُوا) أيْضًا عَلى أنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلطَّلَبِ لا لِلْمَطْلُوبِ، وجَوَّزَ الشِّهابُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِالقَوْلِ عَلى تَأْوِيلِهِ بِالطَّلَبِ، والتَّخَلُّفُ فِيهِ جائِزٌ، وفِيهِ إنَّ القَوْلَ المَذْكُورَ وهو ﴿خُذُوا ما آتَيْناكُمْ﴾ بِعَيْنِهِ طَلَبُ التَّقْوى فَلا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: خُذُوا ما آتَيْناكم طالِبًا مِنكُمُ التَّقْوى إلّا بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ، فافْهَمْ،
{"ayah":"وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱذۡكُرُوا۟ مَا فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











