الباحث القرآني

﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لَمّا انْجَرَّ الكَلامُ إلى ذِكْرِ وعِيدِ أهْلِ الكِتابِ قَرَنَ بِهِ ما يَتَضَمَّنُ الوَعْدَ جَرْيًا عَلى عادَتِهِ سُبْحانَهُ مِن ذِكْرِ التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ، وبِهَذا يَتَّضِحُ وجْهُ تَوْسِيطِ هَذِهِ الآيَةِ وما قَبْلَها بَيْنَ تَعْدادِ النِّعَمِ، وفي المُرادِ بِالَّذِينَ آمَنُوا هُنا أقْوالٌ، والمَرْوِيُّ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ أنَّهُمُ المُؤْمِنُونَ بِألْسِنَتِهِمْ وهُمُ المُنافِقُونَ بِدَلِيلِ انْتِظامِهِمْ في سِلْكِ الكَفَرَةِ، والتَّعْبِيرُ عَنْهم بِذَلِكَ دُونَ عُنْوانِ النِّفاقِ لِلتَّصْرِيحِ بِأنَّ تِلْكَ المَرْتَبَةَ، وإنْ عَبَّرَ عَنْها بِالإيمانِ لا تُجِدِيهِمْ نَفْعًا ولا تُنْقِذُهم مِن ورْطَةِ الكُفْرِ قَطْعًا، وعَنِ السُّدِّيِّ أنَّهُمُ الحَنِيفِيُّونَ مِمَّنْ لَمْ يَلْحَقِ الرَّسُولَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وقَسِّ بْنِ ساعِدَةَ، ووَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، ومَن لَحِقَهُ كَأبِي ذَرٍّ وبَحِيرى، ووَفْدِ النَّجاشِيِّ الَّذِينَ كانُوا يَنْتَظِرُونَ البَعْثَةَ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُمُ المُؤْمِنُونَ بِعِيسى قَبْلَ أنْ يُبْعَثَ الرَّسُولُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ورَوى السُّدِّيُّ عَنْ أشْياخِهِ أنَّهُمُ المُؤْمِنُونَ بِمُوسى إلى أنْ جاءَ عِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ فَآمَنُوا بِهِ، وقِيلَ: إنَّهم أصْحابُ سَلْمانَ الَّذِينَ قَصَّ حَدِيثَهم عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَقالَ لَهُ: «(هم في النّارِ)،» فَأظْلَمَتِ الأرْضُ عَلَيْهِ كَما رَوى مُجاهِدٌ عَنْهُ، فَنَزَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الآيَةُ إلى (يَحْزَنُونَ)، قالَ سَلْمانُ: فَكَأنَّما كُشِفَ عَنِّي جَبَلٌ، وقِيلَ: إنَّهُمُ المُتَدَيِّنُونَ بِدِينِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُخْلِصِينَ، أوْ مُنافِقِينَ، واخْتارَهُ القاضِي، وكانَ سَبَبُ الِاخْتِلافِ قَوْلَهُ تَعالى فِيما بَعْدُ: ﴿مَن آمَنَ﴾ إلَخْ، فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن أحَدِهِما غَيْرَ المُرادِ مِنَ الآخَرِ، وأقَلُّ الأقْوالِ مُؤْنَةً أوَّلُها، ”الَّذِينَ هادَوْا“ أيْ تَهَوَّدُوا، يُقالُ هادَ وتَهَوَّدَ إذا دَخَلَ في اليَهُودِيَّةِ، ويَهُودُ إمّا عَرَبِيٌّ مِن هادَ إذا تابَ سُمُّوا بِذَلِكَ لَمّا تابُوا مِن عِبادَةِ العِجْلِ، ووَجْهُ التَّخْصِيصِ كَوْنُ تَوْبَتِهِمْ أشَقَّ الأعْمالِ كَما مَرَّ، وإمّا مُعَرَّبُ يَهُوذا بِذالٍ مُعْجَمَةٍ وألِفٍ مَقْصُورَةٍ، كَأنَّهم سُمُّوا بِأكْبَرِ أوْلادِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقُرِئَ (هادَوْا) بِفَتْحِ الدّالِ أيْ مالَ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، والنَّصارى جَمْعُ نَصْرانٍ بِمَعْنى نَصْرانِيٍّ، ووَرَدَ ذَلِكَ في كَلامِ العَرَبِ، وإنْ أنْكَرَهُ البَعْضُ كَقَوْلِهِ: ؎تَراهُ إذا دارَ العَشِيَّ مُحَنِّفًا ويَضْحى لَدَيْهِ وهو نَصْرانٌ شامِسُ ويُقالُ في المُؤَنَّثِ نَصْرانٌ، كَنَدْمانٍ ونَدْمانَةٍ، قالَهُ سِيبَوَيْهِ، وأُنْشِدَ: كَما سَجَدَتْ نْصَرانَةٌ لَمْ تُحَنِّفِ والياءُ في نَصْرانِيٍّ عِنْدَهُ لِلْمُبالَغَةِ كَما يُقالُ لِلْأحْمَرِ أحْمَرِيٌّ إشارَةً إلى أنَّهُ عَرِيقٌ في وصْفِهِ، وقِيلَ: إنَّها لِلْفَرْقِ بَيْنَ الواحِدِ والجَمْعِ، كَزِنْجٍ وزِنْجِيٍّ، ورُومٍ ورُومِيٍّ، وقِيلَ: النَّصارى جَمْعُ نَصْرى كَمَهْرى ومَهارى حُذِفَتْ إحْدى ياءَيْهِ، وقُلِبَتِ الكَسْرَةُ فَتْحَةً لِلتَّخْفِيفِ، فَقُلِبَتِ الياءُ ألِفًا، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ الخَلِيلُ، وهو اسْمٌ لِأصْحابِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وسُمُّوا بِذَلِكَ لِأنَّهم (p-279)نَصَرُوهُ، أوْ لِنَصْرِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وقِيلَ: إنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وُلِدَ في بَيْتِ لَحْمٍ بِالقُدْسِ، ثُمَّ سارَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى مِصْرَ، ولَمّا بَلَغَ اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً عادَتْ بِهِ إلى الشّامِ، وأقامَتْ بِقَرْيَةِ ناصِرَةَ، وقِيلَ: نَصْرايا، وقِيلَ: نَصْرى، وقِيلَ: نَصْرانَةَ، وقِيلَ: نَصْرانَ، وعَلَيْهِ الجَوْهَرِيُّ، فَسُمِّيَ مَن مَعَهُ بِاسْمِها، أوْ أُخِذَ لَهُمُ اسْمٌ مِنها، والصّابِئِينَ هم قَوْمٌ مَدارُ مَذاهِبِهِمْ عَلى التَّعَصُّبِ لِلرُّوحانِيِّينَ، واتِّخاذِهِمْ وسائِطَ، ولَمّا لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمُ التَّقَرُّبُ إلَيْها بِأعْيانِها، والتَّلَقِّي مِنها بِذَواتِها، فَزِعَتْ جَماعَةٌ مِنهم إلى هَياكِلِها، فَصابِئَةُ الرُّومِ مَفْزَعُها السَّيّاراتُ، وصابِئَةُ الهِنْدِ مَفْزَعُها الثَّوابِتُ، وجَماعَةٌ نَزَلُوا عَنِ الهَياكِلِ إلى الأشْخاصِ الَّتِي لا تَسْمَعُ، ولا تُبْصِرُ، ولا تُغْنِي عَنْ أحَدٍ شَيْئًا، فالفِرْقَةُ الأُولى هم عَبَدَةُ الكَواكِبِ، والثّانِيَةُ هم عَبَدَةُ الأصْنامِ، وكُلٌّ مِن هاتَيْنِ الفِرْقَتَيْنِ أصْنافٌ شَتّى مُخْتَلِفُونَ في الِاعْتِقاداتِ والتَّعَبُّداتِ، والإمامُ أبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ يَقُولُ: إنَّهم لَيْسُوا بِعَبَدَةِ أوْثانٍ، وإنَّما يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ كَما تُعَظَّمُ الكَعْبَةُ، وقِيلَ: هم قَوْمٌ مُوَحِّدُونَ يَعْتَقِدُونَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ ويُقِرُّونَ بِبَعْضِ الأنْبِياءِ كَيَحْيى عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: إنَّهم يُقِرُّونَ بِاللَّهِ تَعالى، ويَقْرَؤُونَ الزَّبُورَ، ويَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ ويُصَلُّونَ إلى الكَعْبَةِ، وقِيلَ: إلى مَهَبِّ الجَنُوبِ، وقَدْ أخَذُوا مِن كُلِّ دِينٍ شَيْئًا، وفي جَوازِ مُناكَحَتِهِمْ وأكْلِ ذَبائِحِهِمْ كَلامٌ لِلْفُقَهاءِ يُطْلَبُ في مَحَلِّهِ، واخْتُلِفَ في اللَّفْظِ، فَقِيلَ: غَيْرُ عَرَبِيٍّ، وقِيلَ: عَرَبِيٌّ مِن صَبَأ بِالهَمْزِ إذا خَرَجَ، أوْ مِن صَبا مُعْتَلًّا بِمَعْنى مالَ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ الدِّينِ الحَقِّ ومَيْلِهِمْ إلى الباطِلِ، وقَرَأ نافِعٌ وحْدَهُ بِالياءِ، وذَلِكَ إمّا عَلى الأصْلِ، أوِ الإبْدالِ لِلتَّخْفِيفِ. ﴿مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحًا﴾ أيْ أحْدَثَ مِن هَذِهِ الطَّوائِفِ إيمانًا بِاللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ والنُّبُوّاتِ وبِالنَّشْأةِ الثّانِيَةِ عَلى الوَجْهِ اللّائِقِ، وأتى بِعَمَلٍ صالِحٍ حَسْبَما يَقْتَضِيهِ الإيمانُ بِما ذُكِرَ، وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أوَّلِ الأقْوالِ، والقائِلُونَ بِآخِرِها مِنهم مَن فَسَّرَ الآيَةَ بِمَنِ اتَّصَفَ مِن أُولَئِكَ بِالإيمانِ الخالِصِ بِالمَبْدَإ والمَعادِ عَلى الإطْلاقِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الثَّباتِ والدَّوامِ عَلَيْهِ، كَإيمانِ المُخْلِصِينَ، أوْ بِطَرِيقِ إحْداثِهِ وإنْشائِهِ كَإيمانِ مَن عَداهم مِنَ المُنافِقِينَ، وسائِرِ الطَّوائِفِ، وفائِدَةُ التَّعْمِيمِ لِلْمُخْلِصِينَ مَزِيدُ تَرْغِيبِ الباقِينَ في الإيمانِ بِبَيانِ أنَّ تَأخُّرَهم في الِاتِّصافِ بِهِ غَيْرُ مُخِلٍّ بِكَوْنِهِمْ أُسْوَةً لِأُولَئِكَ الأقْدَمِينَ، ومِنهم مَن فَسَّرَها بِمَن كانَ مِنهم في دِينِهِ قَبْلَ أنْ يُنْسَخَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ بِالمَبْدَإ والمَعادِ عامِلًا بِمُقْتَضى شَرْعِهِ، فَيَعُمُّ الحُكْمُ المُخْلِصِينَ مِن أُمَّةِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ والمُنافِقِينَ الَّذِينَ تابُوا واليَهُودَ والنَّصارى الَّذِينَ ماتُوا قَبْلَ التَّحْرِيفِ والنَّسْخِ والصّابِئِينَ الَّذِينَ ماتُوا زَمَنَ اسْتِقامَةِ أمْرِهِمْ إنْ قِيلَ: إنَّ لَهم دِينًا، وكَذا يَعُمُّ اليَهُودَ والصّابِئِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وماتُوا في زَمَنِهِ، وكَذا مَن آمَنَ مِن هَؤُلاءِ الفِرَقِ بِمُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وفائِدَةُ ذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا عَلى هَذا مَعَ أنَّ الوَعِيدَ السّابِقَ كانَ في اليَهُودِ لِتَسْكِينِ حَمِيَّةِ اليَهُودِ بِتَسْوِيَةِ المُؤْمِنِينَ بِهِمْ في أنَّ كَوْنَ كُلٍّ في دِينِهِ قَبْلَ النَّسْخِ يُوجِبُ الأجْرَ، وبَعْدَهُ يُوجِبُ الحِرْمانَ، كَما أنَّ ذِكْرَ الصّابِئِينَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم مَعَ كَوْنِهِمْ أبْيَنَ المَذْكُورِينَ ضَلالًا يُتابُ عَلَيْهِمْ إذا صَحَّ مِنهُمُ الإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ، فَغَيْرُهم بِالطَّرِيقِ الأوْلى، وانْفِهامُ قَبْلَ النَّسْخِ مِن ﴿وعَمِلَ صالِحًا﴾ إذْ لا صَلاحَ في العَمَلِ بَعْدَهُ، وهَذا هو المُوافِقُ لِسَبَبِ النُّزُولِ، لا سِيَّما عَلى رِوايَةِ أنَّ سَلْمانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ حُسْنَ حالِ الرُّهْبانِ الَّذِينَ صَحِبَهُمْ، فَقالَ: «(ماتُوا وهم في النّارِ)،» فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «(مَن ماتَ عَلى دِينِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَبْلَ أنْ يَسْمَعَ بِي فَهو عَلى خَيْرٍ، ومَن سَمِعَ ولَمْ يُؤْمِن بِي فَقَدْ هَلَكَ)». والمُناسِبُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ وعَدَمِ صَرْفِهِ إلى تَخْصِيصِ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والنَّصارى﴾ بِالكَفَرَةِ مِنهم (p-280)وتَخْصِيصِ ﴿مَن آمَنَ﴾ إلَخْ، بِالدُّخُولِ في مِلَّةِ الإسْلامِ، إلّا أنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ أنْ يَكُونَ لِلصّابِئِينَ دِينٌ، وقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّهُ لَيْسَ لَهم دِينٌ تَجُوزُ رِعايَتُهُ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ، فَفي (المِلَلِ والنِّحَلِ) أنَّ الصَّبْوَةَ في مُقابَلَةِ الحَنِيفِيَّةِ، ولِمَيْلِ هَؤُلاءِ عَنْ سُنَنِ الحَقِّ وزَيْغِهِمْ عَنْ نَهْجِ الأنْبِياءِ، قِيلَ لَهُمُ: الصّابِئَةُ، ولَوْ سُلِّمَ أنَّهُ كانَ لَهم دِينٌ سَماوِيٌّ، ثُمَّ خَرَجُوا عَنْهُ فَمَن مَضى مِن أهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ مِنهُ لَيْسُوا مِنَ الصّابِئِينَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ إرْجاعُ الضَّمِيرِ الرّابِطِ بَيْنَ اسْمِ إنَّ وخَبَرِها إلَيْهِمْ، عَلى القَوْلِ المَشْهُورِ، وارْتِكابُ إرْجاعِهِ إلى المَجْمُوعِ مِن حَيْثُ هو مَجْمُوعٌ قَصْدًا إلى إدْراجِ الفَرِيقِ المَذْكُورِ فِيهِمْ ضَرُورَةَ أنَّ مَن كانَ مِن أهْلِ الكِتابِ عامِلًا بِمُقْتَضى شَرْعِهِ قَبْلَ نَسْخِهِ مِن مَجْمُوعِ أُولَئِكَ الطَّوائِفِ بِحُكْمِ اشْتِمالِهِ عَلى اليَهُودِ والنَّصارى، وإنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصّابِئِينَ مِمّا يَجِبُ تَنْزِيهُ ساحَةِ التَّنْزِيلِ عَنْهُ ! عَلى أنَّ فِيهِ بَعْدُ ما لا يَخْفى فَتَدَبَّرْ، (ومَن) مُبْتَدَأٌ، وجَوَّزُوا فِيها أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً، والخَبَرُ جُمْلَةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ودَخَلَتِ الفاءُ لِتُضَمِّنَ المُبْتَدَأ مَعْنى الشَّرْطِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ الآيَةَ، وأنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً، وفي خَبَرِها خِلافٌ، هَلِ الشَّرْطُ أوِ الجَزاءُ أوْ هُما، وجُمْلَةُ ﴿مَن آمَنَ﴾ إلَخْ، خَبَرُ (إنَّ)؟ فَإنْ كانَتْ (مَن) مَوْصُولَةً وهو الشّائِعُ هُنا احْتِيجَ إلى تَقْدِيرِ مِنهم عائِدًا، وإنْ كانَتْ شَرْطِيَّةً لَمْ يُحْتَجْ إلى تَقْدِيرِهِ، إذِ العُمُومُ يُغْنِي عَنْهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: هَؤُلاءِ وغَيْرُهم إذا آمَنُوا فَلَهم إلَخْ، عَلى ما قالُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إنّا لا نُضِيعُ أجْرَ مَن أحْسَنَ عَمَلا﴾ وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ تَكُونَ (مَن) بَدَلًا مِنِ اسْمِ (إنَّ) وخَبَرُها ﴿فَلَهم أجْرُهُمْ﴾ واخْتارَ أبُو حَيّانَ أنَّها بَدَلٌ مِنَ المَعاطِيفِ الَّتِي بَعْدَ اسْمِ (إنَّ) فَيَصِحُّ إذْ ذاكَ المَعْنى، وكَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا مِن غَيْرِ الأصْنافِ الثَّلاثَةِ، ومَن آمَنَ مِنَ الأصْنافِ الثَّلاثَةِ فَلَهُمْ، إلَخْ، وقَدْ حُمِلَتِ الضَّمائِرُ الثَّلاثَةُ بِاعْتِبارِ مَعْنى المَوْصُولِ، كَما أنَّ إفْرادَ ما في الصِّلَةِ بِاعْتِبارِ لَفْظِهِ، وفي البَحْرِ: إنَّ هَذَيْنِ الحَمْلَيْنِ لا يَتِمّانِ إلّا بِإعْرابٍ (مَن) مُبْتَدَأً، وأمّا عَلى إعْرابِها بَدَلًا، فَلَيْسَ فِيها إلّا حَمْلٌ عَلى اللَّفْظِ فَقَطْ، فافْهَمْ. ثُمَّ المُرادُ مِنَ الأجْرِ الثَّوابُ الَّذِي وُعِدُوهُ عَلى الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ، فَإضافَتُهُ إلَيْهِمْ واخْتِصاصُهُ بِهِمْ بِمُجَرَّدِ الوَعْدِ، لا بِالِاسْتِيجابِ كَما زَعَمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ رِعايَةً لِلِاعْتِزالِ، لَكِنَّ تَسْمِيَتَهُ أجْرًا لِعَدَمِ التَّخَلُّفِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ المُشِيرُ إلى أنَّهُ لا يَضِيعُ، لِأنَّهُ عِنْدَ لَطِيفٍ حَفِيظٍ، وهو مُتَعَلِّقٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ (لَهُمْ)، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِن (أجْرِهِمْ). ﴿ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةٍ ﴿فَلَهم أجْرُهُمْ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى مِثْلِها في آخِرِ قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأغْنى عَنِ الإعادَةِ هُنا،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب