الباحث القرآني

﴿ثُمَّ بَعَثْناكم مِن بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ بِسَبَبِ الصّاعِقَةِ، وكانَ ذَلِكَ بِدُعاءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ومُناشَدَتِهِ رَبَّهُ بَعْدَ أنْ أفاقَ، فَفي بَعْضِ الآثارِ أنَّهم لَمّا ماتُوا لَمْ يَزَلْ مُوسى يُناشِدُ رَبَّهُ في إحْيائِهِمْ ويَقُولُ: يا رَبِّ، إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ يَقُولُونَ: قَتَلْتَ خِيارَنا، حَتّى أحْياهُمُ اللَّهُ تَعالى جَمِيعًا رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ، يَنْظُرُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، كَيْفَ يُحْيَوْنَ، والمَوْتُ هُنا ظاهِرٌ في مُفارَقَةِ الرُّوحِ الجَسَدَ، وقُيِّدَ البَعْثُ بِهِ، لِأنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ نَوْمٍ كَما هو في شَأْنِ أصْحابِ الكَهْفِ، وقَدْ يَكُونُ بِمَعْنى إرْسالِ الشَّخْصِ، وهو في القُرْآنِ كَثِيرٌ، ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: كانَ هَذا المَوْتُ غَشَيانًا وهُمُودًا، لا مَوْتًا حَقِيقَةً كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وما هو بِمَيِّتٍ﴾ ومِنهم مَن حَمَلَ المَوْتَ عَلى الجَهْلِ مَجازًا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَمَن كانَ مَيْتًا فَأحْيَيْناهُ﴾ وقَدْ شاعَ ذَلِكَ نَثْرًا أوْ نَظْمًا، ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎(p-263)أخُو العِلْمِ حَيٌّ خالِدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وأوْصالُهُ تَحْتَ التُّرابِ رَمِيمُ ؎وذُو الجَهْلِ مَيِّتٌ وهو ماشٍ عَلى الثَّرى ∗∗∗ يُظَنُّ مِنَ الأحْياءِ وهو عَدِيمُ ومَعْنى البَعْثِ عَلى هَذا التَّعْلِيمُ، أيْ ثُمَّ عَلَّمْناكم بَعْدَ جَهْلِكم ﴿لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ أيْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْكم بِالإحْياءِ بَعْدَ المَوْتِ، أوْ نِعْمَتَهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ ما كَفَرْتُمُوها، إذْ رَأيْتُمْ بَأْسَ اللَّهِ تَعالى في رَمْيِكم بِالصّاعِقَةِ، وإذاقَتِكُمُ المَوْتَ، وتَكْلِيفُ مَن أُعِيدَ بَعْدَ المَوْتِ مِمّا ذَهَبَ إلَيْهِ جَماعَةٌ لِئَلّا يَخْلُوَ بالِغٌ عاقِلٌ مِن تَعَبُّدٍ في هَذِهِ الدّارِ بَعْدَ بَعْثَةِ المُرْسَلِينَ، ومَن جَعَلَ البَعْثَ بَعْدَ المَوْتِ مَجازًا عَنِ التَّعْلِيمِ بَعْدَ الجَهْلِ جَعَلَ مُتَعَلِّقَ الشُّكْرِ ذَلِكَ، وفي بَعْضِ الآثارِ أنَّهُ لَمّا أحْياهُمُ اللَّهُ تَعالى سَألُوا أنْ يَبْعَثَهم أنْبِياءَ فَفَعَلَ، فَمُتَعَلِّقُ الشُّكْرِ حِينَئِذٍ عَلى ما قِيلَ: هَذا البَعْثُ، وهو بَعِيدٌ، وأبْعَدُ مِنهُ جَعْلُ مُتَعَلِّقِهِ إنْزالَ التَّوْراةِ الَّتِي فِيها ذِكْرُ تَوْبَتِهِ عَلَيْهِمْ، وتَفْصِيلُ شَرائِعِهِمْ بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهم شَرائِعُ. وقَدِ اسْتَدَلَّ المُعْتَزِلَةُ وطَوائِفُ مِنَ المُبْتَدِعَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى اسْتِحالَةِ رُؤْيَةِ البارِي سُبْحانَهُ وتَعالى، لِأنَّها لَوْ كانَتْ مُمْكِنَةً لَما أخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِطَلَبِها، والجَوابُ أنَّ أخْذَ الصّاعِقَةِ لَهم لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ، ولَكِنْ لِما انْضَمَّ إلَيْهِ مِنَ التَّعَنُّتِ، وفَرْطِ العِنادِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ مَساقُ الكَلامِ، حَيْثُ عَلَّقُوا الإيمانَ بِها، ويَجُوزُ أيْضًا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الأخْذُ لِكُفْرِهِمْ بِإعْطاءِ اللَّهِ تَعالى التَّوْراةَ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وكَلامِهِ إيّاهُ، أوْ نُبُوَّتِهِ، لا لِطَلَبِهِمْ، وقَدْ يُقالُ: إنَّهم لَمّا لَمْ يَكُونُوا مُتَأهِّلِينَ لِرُؤْيَةِ الحَقِّ في هَذِهِ النَّشْأةِ كانَ طَلَبُهم لَها ظُلْمًا، فَعُوقِبُوا بِما عُوقِبُوا، ولَيْسَ في ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى امْتِناعِها مُطْلَقًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى تَحْقِيقُ هَذِهِ المَسْألَةِ بِوَجْهٍ لا غُبارَ عَلَيْهِ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب