الباحث القرآني

﴿يا بَنِي إسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ كَرَّرَ التَّذْكِيرَ لِلتَّأْكِيدِ، والإيذانِ بِكَمالِ غَفْلَتِهِمْ عَنِ القِيامِ بِحُقُوقِ النِّعْمَةِ، ولِيَرْبِطَ ما بَعْدَهُ مِنَ الوَعْدِ الشَّدِيدِ بِهِ، لِتَتِمَّ الدَّعْوَةُ بِالتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ، فَكَأنَّهُ قالَ سُبْحانَهُ: إنْ لَمْ تُطِيعُونِي لِأجْلِ سَوابِقِ نِعْمَتِي فَأطِيعُونِي لِلْخَوْفِ مِن لَواحِقِ عِقابِي، ولِتَذْكِيرِ التَّفْضِيلِ الَّذِي هو أجْلُّ النِّعَمِ، فَإنَّهُ لِذَلِكَ يَسْتَحِقُّ أنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّذْكِيرُ بِخُصُوصِهِ، مَعَ التَّنْبِيهِ عَلى أجَلِّيَّتِهِ بِتَكْرِيرِ النِّعْمَةِ الَّتِي هو فَرْدٌ مِن أفْرادِها، ﴿وأنِّي فَضَّلْتُكم عَلى العالَمِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى نِعْمَتِي مِن عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ، وهو مِمّا انْفَرَدَتْ بِهِ الواوُ كَما في البَحْرِ، ويُسَمّى هَذا النَّحْوُ مِنَ العَطْفِ بِالتَّجْرِيدِ، كَأنَّهُ جَرَّدَ المَعْطُوفَ مِنَ الجُمْلَةِ، وأُفْرِدَ بِالذِّكْرِ اعْتِناءً بِهِ، والكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ فَضَّلْتُ آباءَكُمْ، وهُمُ الَّذِينَ كانُوا قَبْلَ التَّغْيِيرِ أوْ بِاعْتِبارِ أنَّ نِعْمَةَ الآباءِ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ، قالَ الزَّجّاجُ: والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ نَجَّيْناكُمْ﴾ إلَخْ، والمُخاطَبُونَ لَمْ يَرَوْا فِرْعَوْنَ، ولا آلَهُ، ولَكِنَّهُ تَعالى أذْكَرَهم أنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ، والمُرادُ بِـالعالَمِينَ سائِرُ المَوْجُودِينَ في وقْتِ التَّفْضِيلِ، وتَفْضِيلُهم بِما مَنَحَهم مِنَ النِّعَمِ المُشارِ إلَيْها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ جَعَلَ فِيكم أنْبِياءَ وجَعَلَكم مُلُوكًا﴾ فَلا يَلْزَمُ مِنَ الآيَةِ تَفْضِيلُهم عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا عَلى أُمَّتِهِ الَّذِينَ هم خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ، وكَذا لا يَصِحُّ الِاسْتِدْلالُ بِها عَلى أفْضَلِيَّةِ البَشَرِ عَلى المَلائِكَةِ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ، ولَوْ صَحَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ تَفْضِيلُ عَوامِّهِمْ عَلى خَواصِّ المَلائِكَةِ، ولا قائِلَ بِهِ. ومِنَ اللَّطائِفِ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى أشْهَدَ بَنِي إسْرائِيلَ فَضْلَ أنْفُسِهِمْ فَقالَ: ﴿وأنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ إلَخْ، وأشْهَدَ المُسْلِمِينَ فَضْلَ نَفْسِهِ فَقالَ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ فَشَتّانَ مَن مَشْهُودُهُ فَضْلُ رَبِّهِ ومَن مَشْهُودُهُ فَضْلُ نَفْسِهِ، فالأوَّلُ يَقْتَضِي الفَناءَ، والثّانِي يَقْتَضِي الإعْجابَ، والحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَصَّلَنا عَلى كَثِيرٍ (p-251)مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب