الباحث القرآني
﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾ المُرادُ بِهِما سَواءٌ كانَتِ اللّامُ لِلْعَهْدِ أوْ لِلْجِنْسِ صَلاةُ المُسْلِمِينَ وزَكاتُهُمْ، لِأنَّ غَيْرَهُما مِمّا نَسَخَهُ القُرْآنُ مُلْتَحِقٌ بِالعَدَمِ، والزَّكاةُ في الأصْلِ النَّماءُ والطَّهارَةُ، ونُقِلَتْ شَرْعًا لِإخْراجٍ مَعْرُوفٍ، فَإنْ نُقِلَتْ مِنَ الأوَّلِ فَلِأنَّها تَزِيدُ بَرَكَةَ المالِ، وتُفِيدُ النَّفْسَ فَضِيلَةُ الكَرَمِ، أوْ لِأنَّها تَكُونُ في المالِ النّامِي، وإنْ نُقِلَتْ مِنَ الثّانِي فَلِأنَّها تُطَهِّرُ المالَ مِنَ الخَبَثِ، والنَّفْسَ مِنَ البُخْلِ، واسْتَدَلَّ بِالآيَةِ حَيْثُ كانَتْ خِطابًا لِلْيَهُودِ مَن قالَ: إنَّ الكُفّارَ مُخاطَبُونَ بِالفُرُوعِ، واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ الأمْرُ فِيها بِقَبُولِ الصَّلاةِ المَعْرُوفَةِ والزَّكاةِ والإيمانِ بِهِما، أوْ أنْ يَكُونَ أمْرًا لِلْمُسْلِمِينَ كَما قالَهُ الشَّيْخُ أبُو مَنصُورٍ، خِلافُ الظّاهِرِ، فَلا يُنافِي الِاسْتِدْلالَ بِالظّاهِرِ، وقَدَّمَ الأمْرَ بِالصَّلاةِ لِشُمُولِ وُجُوبِها، ولِما فِيها مِنَ الإخْلاصِ والتَّضَرُّعِ لِلْحَضْرَةِ، وهي أفْضَلُ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ، وقَرَنَها بِالزَّكاةِ لِأنَّها أفْضَلُ العِباداتِ المالِيَّةِ، ثُمَّ مَن قالَ: لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيانِ المُجْمَلِ عَنْ وقْتِ الخِطابِ قالَ: إنَّما جاءَ هَذا بَعْدَ أنْ بَيَّنَ أرْكانَ ذَلِكَ وشَرائِطَهُ، ومَن قالَ بِجَوازِهِ، قالَ بِجَوازِ أنْ يَكُونَ الأمْرُ لِقَصْدِ أنْ يُوَطِّنَ السّامِعُ نَفْسَهُ كَما يَقُولُ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: إنِّي أُرِيدُ أنْ آمُرَكَ بِشَيْءٍ فَلا بُدَّ أنْ تَفْعَلَهُ، ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ أيْ صَلُّوا مَعَ المُصَلِّينَ، وعَبَّرَ بِالرُّكُوعِ عَنِ الصَّلاةِ احْتِرازًا عَنْ صَلاةِ اليَهُودِ، فَإنَّها لا رُكُوعَ فِيها، وإنَّما قَيَّدَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ مَعَ الرّاكِعِينَ لِأنَّ اليَهُودَ كانُوا يُصَلُّونَ وُحْدانًا، فَأُمِرُوا بِالصَّلاةِ جَماعَةً لِما فِيها مِنَ الفَوائِدِ ما فِيها، واسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهم عَلى وُجُوبِها، ومَن لَمْ يَقُلْ بِهِ حَمَلَ الأمْرَ عَلى النَّدْبِ، أوِ المَعِيَّةَ عَلى المُوافَقَةِ، وإنْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُمْ، وقِيلَ: الرُّكُوعُ الخُضُوعُ والِانْقِيادُ لِما يَلْزَمُهم مِنَ الشَّرْعِ، قالَ الأضْبَطُ السَّعْدِيُّ:
؎لا تُذِلَّ الفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ تَرْكَعَ يَوْمًا والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ
ولَعَلَّ الأمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ بَعْدَ الأمْرِ بِالزَّكاةِ لِما أنَّها مَظِنَّةُ تَرَفُّعٍ، فَأُمِرُوا بِالخُضُوعِ لِيَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ، إلّا أنَّ الأصْلَ في إطْلاقِ الشَّرْعِ المَعانِي الشَّرْعِيَّةُ، وفي المُرادِ بِالرّاكِعِينَ قَوْلانِ: فَقِيلَ: النَّبِيُّ ﷺ وأصْحابُهُ، وقِيلَ: الجِنْسُ، وهو الظّاهِرُ،
* * *
ومِن بابِ الإشارَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَلْبِسُوا الحَقَّ﴾ إلَخْ، أيْ لا تَقْطَعُوا عَلى أنْفُسِكم طَرِيقَ الوُصُولِ إلى الحَقِّ بِالباطِلِ الَّذِي هو تَعَلُّقُ القَلْبِ بِالسِّوى، فَإنَّ أصْدَقَ كَلِمَةٍ قالَها شاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ
ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ
﴿وتَكْتُمُوا الحَقَّ﴾ بِالتِفاتِكم إلى غَيْرِهِ سُبْحانَهُ، وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ، أوْ لا تَخْلِطُوا صِفاتِهِ تَعالى الثّابِتَةَ الحَقَّةَ بِالباطِلِ الَّذِي هو صِفاتُ نُفُوسِكُمْ، ولا تَكْتُمُوها بِحِجابِ صِفاتِ النَّفْسِ، وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِن عِلْمِ تَوْحِيدِ الأفْعالِ أنَّ مَصْدَرَ الفِعْلِ هو الصِّفَةُ، فَكَما لَمْ تُسْنِدُوا الفِعْلَ إلى غَيْرِهِ لا تُثْبِتُوا صِفَتَهُ لِغَيْرِهِ، وأقِيمُوا الصَّلاةَ بِمُراقَبَةِ القُلُوبِ وآتُوا الزَّكاةَ أيْ بالِغُوا في تَزْكِيَةِ النَّفْسِ عَنِ الصِّفاتِ الذَّمِيمَةِ، لِتَحْصُلَ لَكُمُ التَّحْلِيَةُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، أوْ أدُّوا زَكاةَ الهِمَمِ، فَإنَّ لَها زَكاةً كَزَكاةِ النِّعَمِ، بَلْ إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زَكاةً كَما قِيلَ:
؎كُلُّ شَيْءٍ لَهُ زَكاةٌ تُؤَدّى وزَكاةُ الجَمالِ رَحْمَةُ مِثْلِي
(وارْكَعُوا) أيِ اخْضَعُوا لِما يَفْعَلُ بِكُمُ المَحْبُوبُ، فالخُضُوعُ عَلامَةُ الرِّضا الَّذِي هو مِيراثُ تَجَلِّي الصِّفاتِ العُلى، وحاصِلُهُ ارْضَوْا بِقَضائِي عِنْدَ مُطالَعَةِ صِفاتِي، فَإنَّ لِي أحْبابًا لِسانُ حالِ كُلٍّ مِنهم يَقُولُ:
؎وتَعْذِيبُكم عَذْبٌ لَدَيَّ وجَوْرُكم ∗∗∗ عَلَيَّ بِما يَقْضِي الهَوى لَكم عَدْلُ
{"ayah":"وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱرۡكَعُوا۟ مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق