الباحث القرآني
﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾ المُرادُ بِتَلَقِّي الكَلِماتِ اسْتِقْبالُها بِالأخْذِ، والقَبُولِ، والعَمَلِ بِها، فَهو مُسْتَعارٌ مِنَ اسْتِقْبالِ النّاسِ بَعْضَ الأحِبَّةِ، إذا قَدِمَ بَعْدَ طُولِ الغَيْبَةِ، لِأنَّهم لا يَدَعُونَ شَيْئًا مِنَ الإكْرامِ إلّا فَعَلُوهُ، وإكْرامُ الكَلِماتِ الوارِدَةِ مِنَ الحَضْرَةِ الأخْذُ والقَبُولُ والعَمَلُ بِها، وفي التَّعْبِيرِ بِالتَّلَقِّي إيماءٌ إلى أنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ في ذَلِكَ الوَقْتِ في مَقامِ البُعْدِ، (ومِن رَبِّهِ) حالٌ مِن كَلِماتٍ مُقَدَّمٌ عَلَيْها، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِـ(يَتَلَقّى)، وهي مِن تَلَقّاهُ مِنهُ، بِمَعْنى تَلَقَّنَهُ، ولَوْلا خُلُوُّهُ عَمّا في الأوَّلِ مِنَ اللَّطافَةِ لَتَلَقَّيْناهُ بِالقَبُولِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِنَصْبِ آدَمَ، ورَفْعِ كَلِماتٍ، عَلى مَعْنى اسْتَقْبَلَتْهُ، فَكَأنَّها مُكَرِّمَةٌ لَهُ لِكَوْنِها سَبَبَ العَفْوِ عَنْهُ، وقَدْ يُجْعَلُ الِاسْتِقْبالُ مَجازًا عَنِ البُلُوغِ بِعَلاقَةِ السَّبَبِيَّةِ، والمَرْوِيُّ في المَشْهُورِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ هَذِهِ الكَلِماتِ هي ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أنْفُسَنا وإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا﴾ الآيَةَ، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّها: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ وتَبارَكَ اسْمُكَ وتَعالى جَدُّكَ لا إلَهَ إلّا أنْتَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، فاغْفِرْ لِي فَإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا أنْتَ، وقِيلَ: رَأى مَكْتُوبًا عَلى ساقِ العَرْشِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَتَشَفَّعْ بِهِ، وإذا أُطْلِقَتِ الكَلِمَةُ عَلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَلْتُطْلَقِ الكَلِماتُ عَلى الرُّوحِ الأعْظَمِ والحَبِيبِ الأكْرَمِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَما عِيسى بَلْ وما مُوسى بَلْ وما وما إلّا بَعْضٌ مِن ظُهُورِ أنْوارِهِ، وزَهْرَةٌ مِن رِياضِ أنْوارِهِ، ورُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ، ﴿فَتابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هو التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ التَّوْبَةُ أصْلُها الرُّجُوعُ، وإذا أُسْنِدَتْ إلى العَبْدِ كانَتْ كَما في الإحْياءِ عِبارَةً عَنْ مَجْمُوعِ أُمُورٍ ثَلاثَةٍ: عِلْمٍ، وهو مَعْرِفَةُ ضَرَرِ الذَّنْبِ، وكَوْنِهِ حِجابًا عَنْ كُلِّ مَحْبُوبٍ، وحالٍ، يُثَمِّرُهُ ذَلِكَ العِلْمُ وهو تَألُّمُ القَلْبِ بِسَبَبِ فَواتِ المَحْبُوبِ، ونُسَمِّيهِ نَدَمًا، وعَمَلٍ، يُثَمِّرُهُ الحالُ، وهو التَّرْكُ والتَّدارُكُ والعَزْمُ عَلى عَدَمِ العَوْدِ، وكَثِيرًا ما تُطْلَقُ عَلى النَّدَمِ وحْدَهُ لِكَوْنِهِ لازِمًا لِلْعِلْمِ مُسْتَلْزِمًا لِلْعَمَلِ، وفي الحَدِيثِ: «(النَّدَمُ تَوْبَةٌ)» وطَرِيقُ تَحْصِيلِها تَكْمِيلُ الإيمانِ بِأحْوالِ الآخِرَةِ، وضَرَرِ المَعاصِي فِيها، وإذا أُسْنِدَتْ إلَيْهِ سُبْحانَهُ كانَتْ عِبارَةً عَنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ، والعَفْوِ عَنِ الذَّنْبِ، ونَحْوِهِ، أوِ التَّوْفِيقِ لَها والتَّيْسِيرِ لِأسْبابِها بِما يُظْهِرُ لِلتّائِبِينَ مِن آياتِهِ، ويُطْلِعُهم عَلَيْهِ مِن تَخْوِيفاتِهِ حَتّى يَسْتَشْعِرُوا الخَوْفَ، فَيَرْجِعُوا إلَيْهِ، وتَرْجِعُ في الآخِرَةِ إلى مَعْنى التَّفَضُّلِ والعَطْفِ، ولِهَذا عُدِّيَتْ بِعَلى، وأتى سُبْحانَهُ بِالفاءِ لِأنَّ تَلَقِّيَ الكَلِماتِ عَيْنُ التَّوْبَةِ أوْ مُسْتَلْزِمٌ لَها، ولا شَكَّ أنَّ القَبُولَ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ، فَهي إذًا لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ التَّوْبَةَ لَمّا دامَ عَلَيْها صَحَّ التَّعْقِيبُ بِاعْتِبارِ آخِرِها، إذْ لا فاصِلَ حِينَئِذٍ، وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ لا يُنافِي هَذا ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: أنَّهُما بَكَيا مِائَتَيْ سَنَةٍ عَلى ما فاتَهُما، ولَمْ يَقُلْ جَلَّ شَأْنُهُ: فَتابَ عَلَيْهِما، لِأنَّ النِّساءَ تَبَعٌ يُغْنِي عَنْهُنَّ ذِكْرُ المَتْبُوعِ، ولِذا طَوى ذِكْرَهُنَّ في كَثِيرٍ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وفي الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ ما يُقَوِّي رَجاءَ المُذْنِبِينَ ويَجْبُرُ كَسْرَ قُلُوبِ الخاطِئِينَ، حَيْثُ افْتَتَحَها (بِـإنَّ) وأتى بِضَمِيرِ الفَصْلِ، وعَرَّفَ المُسْنَدَ، وأتى بِهِ مِن صِيَغِ المُبالَغَةِ إشارَةً إلى قَبُولِهِ التَّوْبَةَ كُلَّما تابَ العَبْدُ، ويُحْتَمَلُ أنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَن يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وجَمَعَ بَيْنَ وصْفَيْ كَوْنِهِ تَوّابًا وكَوْنِهِ رَحِيمًا (p-238)إشارَةً إلى مَزِيدِ الفَضْلِ، وقَدَّمَ التَّوّابَ لِظُهُورِ مُناسَبَتِهِ لِما قَبْلَهُ، وقِيلَ في ذِكْرِ الرَّحِيمِ بَعْدَهُ إشارَةٌ إلى أنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ لَيْسَ عَلى سَبِيلِ الوُجُوبِ كَما زَعَمَتِ المُعْتَزِلَةُ بَلْ عَلى سَبِيلِ التَّرَحُّمِ والتَّفَضُّلِ، وأنَّهُ الَّذِي سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، فَيَرْحَمُ عَبْدَهُ في عَيْنِ غَضَبِهِ، كَما جَعَلَ هُبُوطَ آدَمَ سَبَبَ ارْتِفاعِهِ، وبَعْدَهُ سَبَبَ قُرْبِهِ فَسُبْحانَهُ مِن تَوّابٍ، ما أكْرَمَهُ، ومِن رَحِيمٍ ما أعْظَمَهُ، وإذا فُسِّرَ التَّوّابُ بِالرَّجّاعِ إلى المَغْفِرَةِ كانَ الكَلامُ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتابَ عَلَيْهِ﴾ أوْ بِالَّذِي يُكْثِرُ الإعانَةَ عَلى التَّوْبَةِ، كانَ تَذْيِيلًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَلَقّى آدَمُ﴾ إلَخْ، وقَرَأ نَوْفَلٌ (أنَّهُ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى تَقْدِيرِ لِأنَّهُ
{"ayah":"فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











