الباحث القرآني

﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى عَزَّ وجَلَّ في هَذِهِ السُّورَةِ الجَلِيلَةِ الشَّأْنِ الواضِحَةِ البُرْهانِ فَرْضَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، والطَّلاقَ والحَيْضَ والإيلاءَ والجِهادَ، وقِصَصَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والدَّيْنَ والرِّبا، خَتَمَها بِهَذا تَعْظِيمًا لِنَبِيِّهِ ﷺ وأتْباعِهِ، وتَأْكِيدًا وفَذْلَكَةً لِجَمِيعِ ذَلِكَ المَذْكُورِ مِن قَبْلُ، وقَدْ شَهِدَ سُبْحانَهُ وتَعالى هُنا لِمَن تَقَدَّمَ في صَدْرِ السُّورَةِ بِكَمالِ الإيمانِ وحُسْنِ الطّاعَةِ واتِّصافِهِمْ بِذَلِكَ بِالفِعْلِ، وذِكْرُهُ ﷺ بِطَرِيقِ الغَيْبَةِ مَعَ ذِكْرِهِ هُناكَ (p-67)بِطَرِيقِ الخِطابِ لِما أنَّ حَقَّ الشَّهادَةِ الباقِيَةِ عَلى مَرِّ الدُّهُورِ أنْ لا يُخاطَبَ بِها المَشْهُودُ لَهُ ولَمْ يَتَعَرَّضْ سُبْحانَهُ هَهُنا لِبَيانِ فَوْزِهِمْ بِمَطالِبِهِمُ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما حَكى عَنْهم مِنَ الدَّعَواتِ الآتِيَةِ إيذانًا بِأنَّهُ أمْرٌ مُحَقَّقٌ غَنِيٌّ عَنِ التَّصْرِيحِ لا سِيَّما بَعْدَ ما نَصَّ عَلَيْهِ فِيما سَلَفَ، وإيرادُهُ ﷺ بِعُنْوانِ الرِّسالَةِ دُونَ تَعَرُّضٍ لِاسْمِهِ الشَّرِيفِ تَعْظِيمٌ لَهُ وتَمْهِيدٌ لِما يُذْكَرُ بَعْدَهُ. أخْرَجَ الحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أنَسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «وحُقَّ لَهُ أنْ يُؤْمِنَ»» وفي رِوايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ وهي شاهِدٌ لِحَدِيثِ أنَسٍ ««فَيَنْجَبِرُ اِنْقِطاعُهُ ويَحِقُّ لَهُ أنْ يُؤْمِنَ»». ﴿بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ﴾ مِنَ الأحْكامِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ وغَيْرِها، والمُرادُ إيمانُهُ بِذَلِكَ إيمانًا تَفْصِيلِيًّا، وأجْمَلَهُ إجْلالًا لِمَحَلِّهِ ﷺ وإشْعارًا بِأنَّ تَعَلُّقَ إيمانِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِتَفاصِيلِ ما أُنْزِلَ إلَيْهِ وإحاطَتَهُ بِجَمِيعِ ما اِنْطَوى عَلَيْهِ مِمّا لا يَكْتَنِهُ كُنْهَهُ ولا تَصِلُ الأفْكارُ وإنْ حَلَّقَتْ إلَيْهِ قَدْ بَلَغَ مِنَ الظُّهُورِ إلى حَيْثُ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ واكْتُفِيَ عَنْ بَيانِهِ، وفي تَقْدِيمِ الِانْتِهاءِ عَلى الِابْتِداءِ مَعَ التَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ والإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ ﷺ ما لا يَخْفى مِنَ التَّعْظِيمِ لِقَدْرِهِ الشَّرِيفِ والتَّنْوِيهِ بِرِفْعَةِ مَحَلِّهِ المُنِيفِ، ﴿والمُؤْمِنُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى الرَّسُولِ مَرْفُوعًا بِالفاعِلِيَّةِ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ في «اَلْمَصاحِفِ» عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ أنَّهُ قَرَأ (وآمَنَ المُؤْمِنُونَ) وعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلٌّ آمَنَ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِن مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ؛ وسَوَّغَ الِابْتِداءُ بِالنَّكِرَةِ كَوْنُها في تَقْدِيرِ الإضافَةِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، و(كُلٌّ) مُبْتَدَأٌ ثانٍ، و(آمَنَ) خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ الأوَّلِ والرّابِطُ مُقَدَّرٌ ولا يَجُوزُ كَوْنُ (كُلٌّ) تَأْكِيدًا لِأنَّهم صَرَّحُوا بِأنَّهُ لا يَكُونُ تَأْكِيدًا لِلْمَعْرِفَةِ إلّا إذا أُضِيفَ لَفْظًا إلى ضَمِيرِها، ورُجِحَ الوَجْهُ الأوَّلُ بِأنَّهُ أقَضى لِحَقِّ البَلاغَةِ وأوْلى في التَّلَقِّي بِالقَبُولِ لِأنَّ الرَّسُولَ ﷺ حِينَئِذٍ يَكُونُ أصْلًا في حُكْمِ الإيمانِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ، والمُؤْمِنُونَ تابِعُونَ لَهُ ويا فَخْرُهم بِذَلِكَ، ويَلْزَمُ عَلى الوَجْهِ في الثّانِي أنَّ حُكْمَ المُؤْمِنِينَ أقْوى مِن حُكْمِ الرَّسُولِ ﷺ لِكَوْنِ جُمْلَتِهِمْ اِسْمِيَّةً ومُؤَكَّدَةً، وعُورِضَ بِأنَّ في الثّانِي إيذانًا بِتَعْظِيمِ الرَّسُولِ ﷺ وتَأْكِيدًا لِلْإشْعارِ بِما بَيْنَ إيمانِهِ ﷺ المَبْنِيِّ عَلى المُشاهَدَةِ والعِيانِ وبَيْنَ إيمانِ سائِرِ المُؤْمِنِينَ النّاشِئِ عَنِ الحُجَّةِ والبُرْهانِ مِنَ التَّفاوُتِ البَيِّنِ والفَرْقُ الواضِحُ كَأنَّهُما مُخْتَلِفانِ مِن كُلِّ وجْهٍ حَتّى في هَيْئَةِ التَّرْكِيبِ؛ ويَلْزَمُ عَلى الأوَّلِ: أنَّهُ إنْ حُمِلَ كُلٌّ مِنَ الإيمانَيْنِ عَلى ما يَلِيقُ بِشَأْنِهِ ﷺ مِن حَيْثُ الذّاتُ ومِن حَيْثُ التَّعَلُّقُ اِسْتَحالَ إسْنادُهُما إلى غَيْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وضاعَ التَّكْرِيرُ، وإنْ حُمِلَ عَلى ما يَلِيقُ بِشَأْنِ آحادِ الأُمَّةِ كانَ ذَلِكَ حَطًّا لِرُتْبَتِهِ العَلِيَّةِ وإذا حُمِلا عَلى ما يَلِيقُ بِكُلٍّ واحِدٍ مِمّا نُسِبا إلَيْهِ ذاتًا وتَعَلُّقًا بِأنْ يُحْمَلا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ﷺ عَلى الإيمانِ العِيانِيِّ المُتَعَلِّقِ بِجَمِيعِ التَّفاصِيلِ وبِالنِّسْبَةِ إلى آحادِ الأُمَّةِ عَلى الإيمانِ المُكْتَسَبِ مِن مِشْكاتِهِ ﷺ واللّائِقِ بِحالِهِمْ مِنَ الإجْمالِ والتَّفْصِيلِ كانَ اِعْتِسافًا بَيِّنًا يُنَزَّهُ عَنْهُ التَّنْزِيلُ والشُّبْهَةُ، الَّتِي ظُنَّتْ مُعارَضَةٌ مَدْفُوعَةٌ بِأنَّ الإتْيانَ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مَعَ تَكْرارِ الإسْنادِ المُقَوِّي لِلْحُكْمِ لِما في الحُكْمِ بِإيمانِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم عَلى الوَجْهِ الآتِي مِن نَوْعِ خَفاءٍ مُحْوَجٌ لِذَلِكَ، وتَوْحِيدُ الضَّمِيرِ في (آمَنَ) مَعَ رُجُوعِهِ إلى كُلِّ المُؤْمِنِينَ لِما أنَّ المُرادَ بَيانُ إيمانِ كُلِّ فَرْدٍ فَرُدَّ مِنهم مِن غَيْرِ اِعْتِبارِ الِاجْتِماعِ كَما اِعْتُبِرَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلٌّ أتَوْهُ داخِرِينَ﴾ وهو أبْعَدُ عَنِ التَّقْلِيدِ الَّذِي هو إنْ لَمْ يَجْرَحْ خَدَشَ، أيْ كُلُّ واحِدٍ (p-68)مِنهم عَلى حِيالِهِ آمِنٌ. ﴿بِاللَّهِ﴾ أيْ صَدَّقَ بِهِ وبِصِفاتِهِ ونَفى التَّشْبِيهَ عَنْهُ وتَنْزِيهُهُ عَمّا لا يَلِيقُ بِكِبْرِيائِهِ مِن نَحْوِ الشَّرِيكِ في الأُلُوهِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ وغَيْرِ ذَلِكَ ﴿ومَلائِكَتِهِ﴾ مِن حَيْثُ إنَّهم مَعْصُومُونَ مُطَهَّرُونَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أمَرَهم ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ، مِن شَأْنِهِمُ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُ تَعالى وبَيْنَ الرُّسُلِ بِإنْزالِ الكُتُبِ وإلْقاءِ الوَحْيِ، ولِهَذا ذُكِرُوا في النَّظْمِ قَبْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ﴾ أيْ مِن حَيْثُ مَجِيئُهُما مِنهُ تَعالى عَلى وجْهٍ يَلِيقُ بِشَأْنِ كُلٍّ مِنهُما، ويَلْزَمُ الإيمانُ التَّفْصِيلِيُّ فِيما عُلِمَ تَفْصِيلًا مِن كُلٍّ مِن ذَلِكَ والإجْمالِيُّ فِيما عُلِمَ إجْمالًا، وإنَّما لَمْ يُذْكَرْ هَهُنا الإيمانُ بِاليَوْمِ الآخِرِ كَما ذُكِرَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ﴾ الخ لِانْدِراجِهِ في الإيمانِ بِكُتُبِهِ والثَّوانِي كَثِيرًا ما يُخْتَصَرُ فِيها. وقَرَأ اِبْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما (وكِتابُهُ) بِالإفْرادِ فَيُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ القُرْآنُ بِحَمْلِ الإضافَةِ عَلى العَهْدِ أوْ يُرادُ الجِنْسُ فَلا يُخْتَصُّ بِهِ والفَرْقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجَمْعِ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ إمامُ الحَرَمَيْنِ واَلزَّمَخْشَرِيُّ، ورُوِيَ عَنِ الإمامِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ اِسْتِغْراقَ المُفْرَدِ أشْمَلُ مِنَ اِسْتِغْراقِ الجَمْعِ لِأنَّ المُفْرِدَ يَتَناوَلُ جَمِيعَ الآحادِ اِبْتِداءً فَلا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنهُ قَلِيلًا أوْ كَثِيرًا بِخِلافِ الجَمْعِ فَإنَّهُ يَسْتَغْرِقُ الجُمُوعَ أوَّلًا وبِالذّاتِ ثُمَّ يَسْرِي إلى الآحادِ وهَذا المَبْحَثُ مِن مُعْضِلاتِ عِلْمِ المَعانِي وقَدْ فُرِغَ مِن تَحْقِيقِهِ هُناكَ. ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ في حَيِّزِ النَّصْبِ بِقَوْلٍ مُقَدَّرٍ مُسْنَدٍ إلى ضَمِيرِ (كُلٌّ) مُراعًى فِيهِ اللَّفْظُ فَيُفْرَدُ أوِ المَعْنى فَيُجْمَعُ، ولَعَلَّهُ أوْلى والجُمْلَةُ مَنصُوبَةُ المَحَلِّ عَلى أنَّها حالٌ مِن ضَمِيرِ (آمَنَ) أوْ مَرْفُوعَةٌ عَلى أنَّها خَبَرٌ آخَرُ لِ (كُلٌّ) أيْ يَقُولُونَ، أوْ يَقُولُ: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ رُسُلِ اللَّهِ تَعالى بِأنْ نُؤْمِنَ بِبَعْضٍ ونَكْفُرَ بِبَعْضٍ كَما فَعَلَ أهْلُ الكِتابَيْنِ بَلْ نُؤْمِنَ بِهِمْ جَمِيعًا ونُصَدِّقَ بِصِحَّةِ رِسالَةِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم وقَيَّدُوا إيمانَهم بِذَلِكَ تَحْقِيقًا لِلْحَقِّ وتَنْصِيصًا عَلى مُخالَفَةِ أُولَئِكَ المُفَرِّقِينَ مِنَ الفَرِيقَيْنِ بِإظْهارِ الإيمانِ بِما كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ. ومِن هُنا يُعْلَمُ أنَّ القائِلِينَ هم آحادُ المُؤْمِنِينَ خاصَّةً إذْ يَبْعُدُ أنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ ﷺ أنْ يَقُولَ لا أُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ وهو يُرِيدُ إظْهارَ إيمانِهِ بِرِسالَةِ نَفْسِهِ وتَصْدِيقِهِ في دَعْواها، ومَنِ اِعْتَبَرَ إدْراجَ الرَّسُولِ في (كُلٌّ) واسْتَبْعَدَ هَذا قالَ بِالتَّغْلِيبِ هَهُنا، ومَن لَمْ يَسْتَبْعِدْ إذْ كانَ ﷺ يَأْتِي بِكَلِمَةِ الشَّهادَةِ كَما يَأْتِي بِها سائِرُ النّاسِ أوْ يُبَدِّلُ العِلْمَ فِيها بِضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ لَمْ يَحْتَجْ إلى القَوْلِ بِالتَّغْلِيبِ، وعَدَمُ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الكُتُبِ لِاسْتِلْزامِ المَذْكُورِ إيّاهُ وإنَّما لَمْ يَعْكِسْ مَعَ تَحَقُّقِ التَّلازُمِ لِما أنَّ الأصْلَ في تَفْرِيقِ المُفَرِّقِينَ هو الرِّسْلُ، وكُفْرُهم بِالكُتُبِ مُتَفَرِّعٌ عَلى كُفْرِهِمْ بِهِمْ، وإيثارُ إظْهارِ الرُّسُلِ عَلى الإضْمارِ الواقِعِ مِثْلُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنهُمْ﴾ إمّا لِلِاحْتِرازِ عَنْ تَوَهُّمِ اِنْدِراجِ المَلائِكَةِ ولَوْ عَلى بُعْدٍ في الحُكْمِ وهو وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ إلّا أنَّهُ لَيْسَ في التَّعَرُّضِ لَهُ كَثِيرُ جَدْوى، إذْ لا مُزاحِمَ في الظّاهِرِ، وإنْ كانَ فَقَلِيلٌ أوْ لِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ عَدَمِ التَّفْرِيقِ أوْ لِلْإيماءِ إلى عُنْوانِهِ لِأنَّ المُعْتَبَرَ عَدَمُ التَّفْرِيقِ مِن حَيْثُ الرِّسالَةُ دُونَ سائِرِ الحَيْثِيّاتِ. وقَرَأ يَعْقُوبُ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةٍ عَنْهُ (لا يُفَرِّقُ) بِالياءِ عَلى لَفْظِ (كُلٌّ) وقُرِئَ (لا يُفَرِّقُونَ) حَمْلًا عَلى مَعْناهُ، والجُمْلَةُ نَفْسُها حِينَئِذٍ حالٌ أوْ خَبَرٌ عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ في القَوْلِ المُقَدَّرِ ولا حاجَةَ إلَيْهِ هُنا، والكَلامُ عَلى (أحَدٍ) وإدْخالُ (بَيْنَ) عَلَيْهِ قَدْ سَبَقَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنهُمْ﴾ . ﴿وقالُوا﴾ عَطْفٌ عَلى (آمَنَ) والجَمْعُ بِاعْتِبارِ المَعْنى وهو حِكايَةٌ لِامْتِثالِهِمُ الأوامِرَ والنَّواهِيَ إثْرَ حِكايَةِ إيمانِهِمْ ﴿سَمِعْنا﴾ أيْ أجَبْنا وهو المَعْنى (p-69)العُرْفِيُّ لِلسَّمْعِ ﴿وأطَعْنا﴾ وقَبِلْنا عَنْ طَوْعِ ما دَعَوْتَنا إلَيْهِ في الأوامِرِ والنَّواهِي، وقِيلَ: (سَمِعْنا) ما جاءَنا مِنَ الحَقِّ وتَيَقَّنّا بِصِحَّتِهِ، و(أطَعْنا) ما فِيهِ مِنَ الأمْرِ والنَّهْيِ ﴿غُفْرانَكَ رَبَّنا﴾ أيِ اِغْفِرْ غُفْرانَكَ ما يُنْقِصُ حُظُوظَنا لَدَيْكَ، أوْ نَسْألُكَ غُفْرانَكَ ذَلِكَ، فَغُفْرانٌ مَصْدَرٌ إمّا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أوْ مَفْعُولٌ بِهِ ولَعَلَّ الأوَّلَ أوْلى لِما في الثّانِي مِن تَقْدِيرِ الفِعْلِ الخاصِّ المَحُوجِ إلى اِعْتِبارِ القَرِينَةِ، وتَقْدِيمُ ذِكْرِ السَّمْعِ عَلى الطّاعَةِ لِتَقَدُّمِ العامِّ عَلى الخاصِّ، أوْ لِأنَّ التَّكْلِيفَ طَرِيقُهُ السَّمْعُ والطّاعَةُ بَعْدَهُ، وتَقْدِيمُ ذِكْرِهِما عَلى طَلَبِ الغُفْرانِ لِما أنَّ تَقَدُّمَ الوَسِيلَةِ عَلى المَسْؤُولِ أقْرَبُ إلى الإجابَةِ والقَبُولِ، والتَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ قَدْ تَقَدَّمَ سِرُّهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. ﴿وإلَيْكَ المَصِيرُ﴾ [ 285 ] أيِ الرُّجُوعُ بِالمَوْتِ والبَعْثِ وهو مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، والجُمْلَةُ قِيلَ: مَعْطُوفَةٌ عَلى مُقَدَّرٍ أيْ فَمِنكَ المَبْدَأُ وإلَيْكَ المَصِيرُ وهي تَذْيِيلٌ لِما قَبْلَهُ مُقَرِّرٌ لِلْحاجَةِ إلى المَغْفِرَةِ وفِيها إقْرارٌ بِالمَعادِ الَّذِي لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ قَبْلُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب