الباحث القرآني

﴿وإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ أيْ إنْ وقَعَ المَطْلُوبُ ذا إعْسارٍ لِضِيقِ حالٍ مِن جِهَةِ عَدَمِ المالِ عَلى أنَّ (كانَ) تامَّةٌ، وجَوَّزُ بَعْضُ الكُوفِيِّينَ أنْ تَكُونَ ناقِصَةً، و(ذُو) اِسْمُها والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أيْ وإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ لَكم عَلَيْهِ حَقٌّ أوْ غَرِيمًا أوْ مِن غُرَمائِكُمْ، وقَرَأ عُثْمانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ (ذا عُسْرَةٍ)، وقُرِئَ (ومَن كانَ ذا عُسْرَةٍ) وعَلى القِراءَتَيْنِ (كانَ) ناقِصَةٌ واسْمُها ضَمِيرٌ مُسْتَكِنٌّ فِيها يَعُودُ لِلْغَرِيمِ وإنْ لَمْ يُذْكَرْ، والآيَةُ نَزَلَتْ كَما قالَ الكَلْبِيُّ: حِينَ قالَتْ بَنُو المُغِيرَةِ لِبَنِي عَمْرِو (p-54)بْنِ عُمَيْرٍ: نَحْنُ اليَوْمَ أهْلُ عُسْرَةٍ فَأخِّرُونا إلى أنْ تُدْرَكَ الثَّمَرَةُ فَأبَوْا أنْ يُؤَخِّرُوهم. ﴿فَنَظِرَةٌ﴾ الفاءُ جَوابُ الشَّرْطِ ونَظِرَةٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أيْ فَعَلَيْكم نَظِرَةٌ أوْ فاعِلٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أيْ فَتَجِبُ نَظِرَةٌ، وقِيلَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ فالأمْرُ، أوْ فالواجِبُ نَظِرَةٌ، والنَّظِرَةُ كالنَّظْرَةِ بِسُكُونِ الظّاءِ الِانْتِظارُ، والمُرادُ بِهِ الإمْهالُ والتَّأْخِيرُ، وقَرَأ عَطاءٌ (فَناظِرُهُ) بِإضافَةِ ناظِرٍ إلى ضَمِيرِ ﴿ذُو عُسْرَةٍ﴾ أيْ فالمُسْتَحَقُّ ناظِرُهُ أيْ مُنْتَظِرِهِ ومُمْهِلِهِ وصاحِبُ نَظْرَتِهِ عَلى طَرِيقِ لِابْنٍ وتامِرٍ، وعَنْهُ أيْضًا (فَناظِرْهُ) أمْرًا مِنَ المُفاعَلَةِ، أيْ فَسامِحْهُ بِالنَّظِرَةِ ﴿إلى مَيْسَرَةٍ﴾ أيْ إلى وقْتٍ أوْ وُجُودِ يَسارٍ، وقَرَأ حَمْزَةُ ونافِعٌ (مَيْسُرَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وهُما لُغَتانِ كَمُشْرِقَةٍ ومُشْرُقَةٍ، وقُرِئَ بِهِما مُضافَيْنِ بِحَذْفِ التّاءِ وإقامَةِ الإضافَةِ مَقامَها فانْدَفَعَ ما أُورِدَ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ بِأنَّ مَفْعُلًا بِالضَّمِّ مَعْدُومٌ أوْ، شاذٌّ وحاصِلُهُ أنَّها مَفْعُلَةٌ لا مَفْعُلٌ، وأُجِيبَ أيْضًا بِأنَّهُ مَعْدُومٌ في الآحادِ وهَذا جَمْعُ مَيْسُرَةٍ كَما قِيلَ في مَكْرَمٍ جَمْعِ مَكْرُمَةٍ، وقِيلَ: أصْلُهُ مَيْسُورَةٌ فَخُفِّفَتْ بِحَذْفِ الواوِ بِدَلالَةِ الضَّمَّةِ عَلَيْها. ﴿وأنْ تَصَدَّقُوا﴾ بِحَذْفِ إحْدى التّاءَيْنِ، وقُرِئَ بِتَشْدِيدِ الصّادِ عَلى أنَّ أصْلَهُ تَتَصَدَّقُوا فَقُلِبَتِ التّاءُ الثّانِيَةُ صادًا وأُدْغِمَتْ أيْ وتَصَدُّقُكم عَلى مُعْسِرِي غُرَمائِكم بِرُؤُوسِ أمْوالِكم كُلًّا أوْ بَعْضًا ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أيْ أكْثَرُ ثَوابًا مِنَ الإنْظارِ، أوْ خَيْرٌ مِمّا تَأْخُذُونَهُ لِنَفادِ ذَلِكَ وبَقاءِ هَذا. أخْرَجَ اِبْنُ المُنْذِرِ عَنِ الضَّحّاكِ قالَ: النَّظِرَةُ واجِبَةٌ وخَيْرُ اللَّهِ تَعالى الصَّدَقَةُ عَلى النَّظِرَةِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالتَّصَدُّقِ الإنْظارُ لِما أخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عِمْرانَ بْنِ الحُصَيْنِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن كانَ لَهُ عَلى رَجُلٍ حَقٌّ فَأخَّرَهُ كانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» وضَعَّفَهُ الإمامُ مَعَ مُخالَفَتِهِ لِلْمَأْثُورِ بِأنَّ وُجُوبَ الإنْظارِ ثَبَتَ بِالآيَةِ الأُولى فَلا بُدَّ مِن حَمْلِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى فائِدَةٍ زائِدَةٍ وبِأنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لا يَلِيقُ بِالواجِبِ بَلْ بِالمَندُوبِ. واسْتَدَلَّ بِإطْلاقِ الآيَةِ مَن قالَ بِوُجُوبِ إنْظارِ المُعْسِرِ مُطْلَقًا سَواءٌ كانَ الدَّيْنُ دَيْنُ رَبًا أمْ لا وهو الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ اِبْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ والحَسَنُ والضَّحّاكُ وأئِمَّةُ أهْلِ البَيْتِ، وذَهَبَ شُرَيْحٌ وإبْراهِيمُ النَّخْعِيُّ وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما في رِوايَةٍ عَنْهُ إلى أنَّهُ لا يَجِبُ إلّا في دَيْنِ الرِّبا خاصَّةً وتَأوَّلُوا الآيَةَ عَلى ذَلِكَ. ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [ 280 ] جَوابُ (إنَّ) مَحْذُوفٌ أيْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ خَيْرٌ لَكم عَمِلْتُمُوهُ وفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلى الفِعْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب