الباحث القرآني

﴿اللَّهُ ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ مُعِينُهم أوْ مُحِبُّهم أوْ مُتَوَلِّي أُمُورِهِمْ والمُرادُ بِهِمْ مَن أرادَ الإيمانَ أوْ ثَبَتَ في عِلْمِهِ تَعالى إيمانُهُ أوْ آمَنَ بِالفِعْلِ ﴿يُخْرِجُهُمْ﴾ بِهِدايَتِهِ وتَوْفِيقِهِ وهو تَفْسِيرٌ لِلْوِلايَةِ أوْ خَبَرٌ ثانٍ عِنْدَ مَن يُجَوِّزُ كَوْنَهُ جُمْلَةً أوْ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في ﴿ولِيُّ﴾، ﴿مِنَ الظُّلُماتِ﴾ التّابِعَةِ لِلْكُفْرِ أوْ ظُلُماتِ المَعاصِي أوِ الشُّبَهِ كَيْفَ كانَتْ، ﴿إلى النُّورِ﴾ أيْ نُورِ الإيمانِ أوْ نُورِ الطّاعاتِ أوْ نُورِ الإيقانِ بِمَراتِبِهِ، وعَنِ الحَسَنِ أنَّهُ فَسَّرَ الإخْراجَ هُنا بِالمَنعِ فالمَعْنى يَمْنَعُهم عَنْ أنْ يَدْخُلُوا في شَيْءٍ مِنَ الظُّلُماتِ واقْتَصَرَ الواقِدِيُّ في تَفْسِيرِ الظُّلُماتِ والنُّورِ عَلى ذِكْرِ الكُفْرِ والإيمانِ وحَمْلِ كُلِّ ما في القُرْآنِ عَلى ذَلِكَ سِوى ما في الأنْعامِ [1] مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ﴾ فَإنَّ المُرادَ بِهِما هُناكَ اللَّيْلَ والنَّهارَ، والأوْلى أنْ يُحْمَلَ الظُّلُماتُ عَلى المَعْنى الَّذِي يَعُمُّ سائِرَ أنْواعِها ويُحْمَلُ النُّورُ أيْضًا عَلى ما يَعُمُّ سائِرَ أنْواعِهِ، ويُجْعَلُ في مُقابَلَةِ كُلِّ ظُلْمَةٍ مَخْرَجٌ مِنها نُورٌ مُخْرَجٌ إلَيْهِ حَتّى أنَّهُ سُبْحانَهُ لَيُخْرِجُ مَن شاءَ مِن ظُلْمَةِ اللَّيْلِ إلى نُورِ العِيانِ، ومِن ظُلْمَةِ الوَحْشَةِ إلى نُورِ الوَصْلَةِ، ومِن ظُلْمَةِ عالَمِ الأشْباحِ إلى نُورِ عالَمِ الأرْواحِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ «مِمّا لا، ولا» وأفْرَدَ النُّورَ لِوَحْدَةِ الحَقِّ كَما أنَّ جَمْعَ الظُّلُماتِ لِتَعَدُّدِ فُنُونِ الضَّلالِ، أوْ أنَّ الأوَّلَ: إيماءٌ إلى القِلَّةِ، والثّانِي: إلى الكَثْرَةِ. ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ أرادُوا الكُفْرَ أوْ ثَبَتَ كُفْرُهم في عِلْمِهِ سُبْحانَهُ أوْ كَفَرُوا بِالفِعْلِ ﴿أوْلِياؤُهُمُ﴾ حَقِيقَةً أوْ فِيما عِنْدَهم ﴿الطّاغُوتُ﴾ أيِ الشَّياطِينُ أوِ الأصْنامُ أوْ سائِرُ المُضِلِّينَ عَنْ طُرُقِ الحَقِّ، والمَوْصُولِ مُبْتَدَأٌ أوَّلُ، و(أوْلِياؤُهُمْ) مُبْتَدَأٌ ثانٍ، و(اَلطّاغُوتُ) خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ خَبَرُ الأوَّلِ والجُمْلَةُ الحاصِلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما قَبْلَها، قِيلَ: ولَعَلَّ تَغْيِيرَ السَّبْكِ لِلِاحْتِرازِ عَنْ وضْعِ الطّاغُوتِ في مُقابَلَةِ الِاسْمِ الجَلِيلِ ولِقَصْدِ المُبالَغَةِ بِتَكْرِيرِ الإسْنادِ مَعَ الإيماءِ إلى التَّبايُنِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ مِن كُلِّ وجْهٍ حَتّى مِن جِهَةِ التَّعْبِيرِ أيْضًا، وقُرِئَ (اَلطَّواغِيتُ) عَلى الجَمْعِ وصَحَّ جَمْعُهُ عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ مَصْدَرٌ لِأنَّهُ صارَ اِسْمًا لِما يُعْبَدُ مِن دُونِ اللَّهِ تَعالى. ﴿يُخْرِجُونَهُمْ﴾ بِالوَساوِسِ وإلْقاءِ الشُّبَهِ أوْ بِكَوْنِهِمْ بِحالَةٍ جَرَّتْ اِعْتِقادَهم فِيهِمُ النَّفْعَ والضُّرَّ وأنَّهم يُقَرِّبُونَهم إلى اللَّهِ تَعالى زُلْفى، والتَّعْبِيرُ (p-15)عَنْهم بِضَمِيرِ العُقَلاءِ إمّا لِأنَّهم مِنهم حَقِيقَةً أوِ اِدِّعاءً ونِسْبَةُ الإخْراجِ إلَيْهِمْ مَجازٌ مِن بابِ النِّسْبَةِ إلى السَّبَبِ فَلا يَأْبى تَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ وإرادَتِهِ تَعالى بِذَلِكَ ﴿مِنَ النُّورِ﴾ أيِ الفِطْرِيِّ الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ النّاسُ كافَّةً، أوْ نُورِ البَيِّناتِ المُتَتابِعَةِ الَّتِي يُشاهِدُونَها بِتَنْزِيلٍ تُمَكِّنُهم مِنَ الِاسْتِضاءَةِ بِها مَنزِلَةَ نَفْسِها فَلا يَرِدُ أنَّهم مَتى كانُوا في نُورٍ لِيَخْرُجُوا مِنهُ، وقِيلَ: التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ لِلْمُقابَلَةِ، وقِيلَ: إنَّ الإخْراجَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنى المَنعِ وهو لا يَقْتَضِي سابِقِيَّةِ الدُّخُولِ، وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في قَوْمٍ اِرْتَدُّوا فَلا شَكَّ في أنَّهم حِينَئِذٍ أُخْرِجُوا مِنَ النُّورِ الَّذِي كانُوا فِيهِ وهو نُورُ الإيمانِ ﴿إلى الظُّلُماتِ﴾ وهي ظُلُماتُ الكُفْرِ والِانْهِماكِ في الغَيِّ وعَدَمِ الِارْعِواءِ والِاهْتِداءِ بِما يَتْرى مِنَ الآياتِ ويُتْلى، والجُمْلَةُ تَفْسِيرٌ لِوِلايَةِ الطّاغُوتِ فالِانْفِصالُ لِكَمالِ الِاتِّصالِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ خَبَرًا ثانِيًا كَما مَرَّ. ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اِتِّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ وما يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ القَبائِحِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ إشارَةً إلى الكُفّارِ وأوْلِيائِهِمْ، وفِيهِ بُعْدٌ، ﴿أصْحابُ النّارِ﴾ أيْ مُلابِسُوها ومُلازِمُوها لِعِظَمِ ما هم عَلَيْهِ ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾ [ 257 ] ماكِثُونَ أبَدًا، وفي هَذا وعْدٌ وتَحْذِيرٌ لِلْكافِرِينَ، ولَعَلَّ عَدَمَ مُقابَلَتِهِ بِوَعْدِ المُؤْمِنِينَ كَما قِيلَ: لِلْإشْعارِ بِتَعْظِيمِهِمْ وأنَّ أمْرَهم غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى البَيانِ وأنَّ شَأْنَهم أعْلى مِن مُقابَلَةِ هَؤُلاءِ، أوْ أنَّ ما أُعِدَّ لَهم لا تَفِي بِبَيانِهِ العِبارَةُ، وقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: (ولِيُّ المُؤْمِنِينَ) دَلَّ عَلى الوَعْدِ وكَفى بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب