الباحث القرآني

(p-2)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ﴾ اِسْتِئْنافٌ مُشْعِرٌ بِالتَّرَقِّي كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ وأفْضَلِهِمْ فَضْلًا، والإشارَةُ لِجَماعَةِ الرُّسُلِ الَّذِينَ مِنهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ كَما قِيلَ لِلْإيذانِ بِعُلُوِّ طَبَقَتِهِمْ وبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ، واللّامُ لِلِاسْتِغْراقِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلْجَماعَةِ المَعْلُومَةِ لَهُ ﷺ أوِ المَذْكُورَةِ قَصَصُها في السُّورَةِ، واللّامُ لِلْعَهْدِ، واخْتِيارُ جَمْعِ التَّكْسِيرِ لِقُرْبِ جَمْعِ التَّصْحِيحِ ﴿فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ بِأنْ خَصَصْنا بَعْضَهم بِمَنقَبَةٍ لَيْسَتْ تِلْكَ المَنقَبَةُ لِلْبَعْضِ الآخَرِ، وقِيلَ: المُرادُ التَّفْضِيلُ بِالشَّرائِعِ فَمِنهم مَن شَرَعَ ومِنهم مَن لَمْ يَشْرَعْ، وقِيلَ: هو تَفْضِيلٌ بِالدَّرَجاتِ الأُخْرَوِيَّةِ ولا يَخْفى ما في كُلٍّ، ويُؤَيِّدُ الأوَّلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ﴾ فَإنَّهُ تَفْصِيلٌ لِلتَّفْضِيلِ المَذْكُورِ إجْمالًا، والجُمْلَةُ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، وقِيلَ: بَدَلٌ مِن ﴿فَضَّلْنا﴾ والمُرادُ بِالمَوْصُولِ إمّا مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فالتَّعْرِيفُ عَهْدِيٌّ، أوْ كُلُّ مَن كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ رِضًا بِلا واسِطَةٍ، وهم آدَمُ كَما ثَبَتَ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ، ومُوسى وهو الشَّهِيرُ بِذَلِكَ، ونَبِيُّنا ﷺ وهو المَخْصُوصُ بِمَقامِ قابٍ والفائِزُ بِعَرائِسِ خِطابِ ما تَعَرَّضَ بِالتَّعْرِيضِ لَها الخِطابُ، وقُرِئَ ( كَلَّمَ اللَّهَ ) بِالنَّصْبِ، وقَرَأ اليَمانِيُّ (كالَمَ اللَّهُ) مِنَ المُكالَمَةِ، قِيلَ وفي إيرادِ الِاسْمِ الجَلِيلِ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ تَرْبِيَةٌ لِلْمَهابَةِ ورَمْزٌ إلى ما بَيْنَ التَّكَلُّمِ والرَّفْعِ وبَيْنَ ما سَبَقَ مِن مُطْلَقِ التَّفْضِيلِ وما لَحِقَ مِن إيتاءِ البَيِّناتِ والتَّأْيِيدِ بِرُوحِ القُدُسِ مِنَ التَّفاوُتِ. ﴿ورَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾ أيْ ومِنهم مَن رَفَعَهُ اللَّهُ تَعالى عَلى غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ بِمَراتِبَ مُتَباعِدَةٍ ومِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وتَغْيِيرُ الأُسْلُوبِ لِتَرْبِيَةِ ما بَيْنَهم مِنَ اِخْتِلافِ الحالِ في دَرَجاتِ الشَّرَفِ، والمُرادُ بِبَعْضِهِمْ هُنا النَّبِيُّ ﷺ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ الإخْبارُ بِكَوْنِهِ ﷺ مِنهم فَإنَّهُ قَدْ خُصَّ بِمَزايا تَقِفُ دُونَها الأمانِيُّ حَسْرى. وامْتازَ بِخَواصَّ عِلْمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ لا يَسْتَطِيعُ لِسانُ الدَّهْرِ لَها حَصْرًا. ورَقِيَ أعْلامَ فَضْلٍ رُفِعَتْ لَهُ عَلى كَواهِلِهِ الأعْلامُ وطَأْطَأتْ لَهُ رُؤُوسُ شُرُفاتِ الشَّرَفِ فَقَبِلَتْ مِنهُ الأقْدامَ، فَهو المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعالِمِينَ والمَنعُوتُ بِالخُلُقِ العَظِيمِ بَيْنَ المُرْسَلِينَ والمُنَزَّلُ عَلَيْهِ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ والمُؤَيَّدُ دِينُهُ المُؤَبَّدُ بِالمُعْجِزاتِ المُسْتَمِرَّةِ الباهِرَةِ والفائِزُ بِالمَقامِ المَحْمُودِ والشَّفاعَةِ العُظْمى في الآخِرَةِ، والإبْهامُ لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِ ولِلْإشْعارِ بِأنَّهُ العَلَمُ الفَرْدُ الغَنِيُّ عَنِ التَّعْيِينِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ إبْراهِيمُ حَيْثُ خَصَّهُ اللَّهُ تَعالى بِمَقامِ الخُلَّةِ الَّتِي هي أعَلى المَراتِبِ ولا يَخْفى ما فِيهِ، وقِيلَ: إدْرِيسُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾، وقِيلَ: أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وفِيهِ كَما في «اَلْكَشْفِ» أنَّهُ لا يُلائِمُ ذَوْقَ المَقامِ الَّذِي فِيهِ الكَلامُ البَتَّةَ، وكَذا الكَلامُ عِنْدِي في سابِقِهِ إذِ الرِّفْعَةُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ والمَقامُ يَقْتَضِي المَجازَ كَما لا يَخْفى، (p-3)و(دَرَجاتٍ) قِيلَ: حالٌ مِن (بَعْضِهِمْ) عَلى مَعْنى ذا دَرَجاتٍ، وقِيلَ: اِنْتِصابُهُ عَلى المَصْدَرِ لِأنَّ الدَّرَجَةَ بِمَعْنى الرِّفْعَةِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: ورَفَعْنا بَعْضَهم رَفَعاتٍ، وقِيلَ: التَّقْدِيرُ عَلى، أوْ إلى، أوْ في دَرَجاتٍ، فَلَمّا حَذَفَ حَرْفَ الجَرِّ وُصِلَ الفِعْلُ بِنَفْسِهِ، وقِيلَ: إنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِرَفْعِ عَلى أنَّهُ ضِمْنَ مَعْنى بَلَغَ، وقِيلَ: إنَّهُ بَدَلُ اِشْتِمالٍ ولَيْسَ بِشَيْءٍ. ﴿وآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾ أيِ الآياتِ الباهِراتِ والمُعْجِزاتِ الواضِحاتِ كَإبْراءِ الأكْمَهِ والأبْرَصِ وإحْياءِ المَوْتى والإخْبارِ بِما يَأْكُلُونَ ويَدَّخِرُونَ، أوِ الإنْجِيلَ، أوْ كُلَّ ما يَدُلُّ عَلى نُبُوَّتِهِ، وفي ذِكْرِ ذَلِكَ في مَقامِ التَّفْضِيلِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ، وهَذا يَقْتَضِي أفْضَلِيَّةَ نَبِيِّنا ﷺ عَلى سائِرِ الأنْبِياءِ إذْ لَهُ مِن قِداحِ ذَلِكَ المُعَلّى والرَّقِيبُ. ﴿وأيَّدْناهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ وإفْرادُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِما ذُكِرَ لِرَدِّ ما بَيْنَ أهْلِ الكِتابَيْنِ في شَأْنِهِ مِنَ التَّفْرِيطِ والإفْراطِ، والآيَةُ ناطِقَةٌ بِأنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مُتَفاوِتَةٌ الأقْدارُ فَيَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ ولَكِنْ بِقاطِعٍ لِأنَّ الظَّنَّ في الِاعْتِقادِيّاتِ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا. ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ أيْ جاءُوا مِن بَعْدِ كُلِّ رَسُولٍ كَما يَقْتَضِيهِ المَعْنى لا جَمِيعِ الرُّسُلِ كَما هو ظاهِرُ اللَّفْظِ مِنَ الأُمَمِ المُخْتَلِفَةِ، أيْ لَوْ شاءَ اللَّهُ تَعالى عَدَمَ اِقْتِتالِهِمْ ما اِقْتَتَلُوا بِأنْ جَعَلَهم مُتَّفِقِينَ عَلى الحَقِّ واتِّباعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ جاءُوا بِهِ فَمَفْعُولُ المَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ لِكَوْنِهِ مَضْمُونَ الجَزاءِ عَلى القاعِدَةِ المَعْرُوفَةِ، ومَن قَدَّرَ ولَوْ شاءَ اللَّهُ هُدى النّاسِ جَمِيعًا ما اِقْتَتَلَ الخ، وعَدَلَ عَمّا تَقْتَضِيهِ القاعِدَةُ ظَنًّا بِأنَّ هَذا العَدَمَ لا يَحْتاجُ إلى مَشِيئَةٍ وإرادَةٍ بَلْ يَكْفِي فِيهِ عَدَمُ تَعَلُّقِ الإرادَةِ بِالوُجُودِ، لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ﴾ مِن جِهَةِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ إلى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وهُمُ الرُّسُلُ، والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِ اِقْتَتَلَ وقِيلَ: بَدَلٌ مِن نَظِيرِهِ مِمّا قَبْلَهُ ﴿البَيِّناتِ﴾ أيِ المُعْجِزاتُ الباهِرَةُ والآياتُ الظّاهِرَةُ الدّالَّةُ عَلى حَقِّيَّةِ الحَقِّ المُوجِبَةُ لِلِاتِّباعِ الزّاجِرَةُ عَنِ الإعْراضِ المُؤَدِّي إلى الِاقْتِتالِ. ﴿ولَكِنِ اخْتَلَفُوا﴾ اِسْتِدْراكُ مَنِ الشَّرْطِيَّةِ أُشِيرُ بِهِ إلى قِياسٍ اِسْتِثْنائِيٍّ مُؤَلَّفٍ مِن وضْعٍ نَقِيضٍ مُقَدَّمُها مُنْتِجٌ لِنَقِيضِ تالِيها إلّا أنَّهُ قَدْ وُضِعَ فِيهِ الِاخْتِلافُ مَوْضِعَ نَقِيضِ المُقَدَّمِ المُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ لِلْإيذانِ بِأنَّ الِاقْتِتالَ ناشِئٌ مِن قِبَلِهِمْ وسُوءِ اِخْتِيارِهِمْ لا مِن جِهَتِهِ تَعالى اِبْتِداءً كَأنَّهُ قِيلَ: ولَكِنْ لَمْ يَشَأْ عَدَمَ اِقْتِتالِهِمْ لِأنَّهُمُ اِخْتَلَفُوا اِخْتِلافًا فاحِشًا. ﴿فَمِنهم مَن آمَنَ﴾ أيْ بِما جاءَتْ بِهِ أُولَئِكَ الرُّسُلُ وثَبَتَ عَلى إيمانِهِ وعَمِلَ بِمُوجِبِهِ، وهَذا بَيانٌ لِلِاخْتِلافِ فَلا مَحَلَّ لِلْجُمْلَةِ مِنَ الإعْرابِ ﴿ومِنهم مَن كَفَرَ﴾ بِذَلِكَ كُفْرًا لا اِرْعِواءَ لَهُ عَنْهُ فاقْتَضَتِ الحِكْمَةُ عَدَمَ مَشِيئَتِهِ لِعَدَمِ اِقْتِتالِهِمْ فاقْتَتَلُوا بِمُوجِبِ ما اِقْتَضَتْهُ أحْوالُهم. ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ﴾ عَدَمَ اِقْتِتالِهِمْ بَعْدَ هَذِهِ المَرْتَبَةِ أيْضًا مِنَ الِاخْتِلافِ المُسْتَتْبِعِ لِلْقِتالِ عادَةً ﴿ما اقْتَتَلُوا﴾ وما رَفَعُوا رَأْسَ التَّطاوُلِ والتَّعادِي لِما أنَّ الكُلَّ بِيَدِ قَهْرِهِ، فالتَّكْرِيرُ لَيْسَ لِلتَّأْكِيدِ كَما ظُنَّ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ اِخْتِلافَهم ذَلِكَ لَيْسَ مُوجِبًا لِعَدَمِ مَشِيئَتِهِ تَعالى لِعَدَمِ اِقْتِتالِهِمْ كَما يُفْهَمُ ذَلِكَ مِن وضْعِهِ في الِاسْتِدْراكِ مَوْضِعَهُ بَلْ هو سُبْحانَهُ مُخْتارٌ في ذَلِكَ حَتّى لَوْ شاءَ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمَ اِقْتِتالِهِمْ ما اِقْتَتَلُوا كَما يُفْصِحُ عَنْهُ الِاسْتِدْراكُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾ [ 253 ] حَسْبَما يُرِيدُ مِن غَيْرِ أنْ يُوجِبَهُ عَلَيْهِ مُوجِبٌ أوْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ مانِعٌ كَذا قَرَّرَهُ المَوْلى أبُو السُّعُودِ قُدِّسَ سِرُّهُ وهو مِنَ الحَسَنِ بِمَكانٍ، إلّا أنَّهُ قَدِ اِعْتَرَضَهُ العَلّامَةُ عَبْدُ الباقِي البُغْدادِيُّ في «تَفْسِيرِهِ» بِنَحْوِ ما تَقَدَّمَ آنِفًا في نَظِيرِ هَذا القِياسِ، وذَكَرَ أنَّهُ خِلافُ اِسْتِعْمالِ (لَوْ) عِنْدَ أرْبابِ العَرَبِيَّةِ وأرْبابِ الِاسْتِدْلالِ (p-4)ولَعَلَّ الجَوابَ عَنْ هَذا هو الجَوابُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أدْنى تَغْيِيرٍ فَلا تَغْفُلْ، وما ذَكَرَهُ مِن تَوْجِيهِ التَّكْرِيرِ مِمّا تَفَرَّدَ بِهِ فِيما أعْلَمُ، والأكْثَرُونَ عَلى أنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ، إلّا أنَّ وراءَهُ سِرًّا خَصَّ مِنهُ كَما ذَكَرَهُ صاحِبُ «اَلِانْتِصافِ» وهو أنَّ العَرَبَ مَتّى بَنَتْ أوَّلَ كَلامِها عَلى مَقْصِدٍ ثُمَّ اِعْتَرَضَها مَقْصِدٌ آخَرُ وأرادَتِ الرُّجُوعَ إلى الأوَّلِ قَصَدَتْ ذِكْرَهُ إمّا بِتِلْكَ العِبارَةِ أوْ بِقَرِيبٍ مِنها، وذَلِكَ عِنْدَهم مَهِيعٌ مِنَ الفَصاحَةِ مَسْلُوكٌ وطَرِيقٌ مُعْتَدٌّ، وفي كِتابِ اللَّهِ تَعالى مَواضِعُ مِن ذَلِكَ مِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مَن بَعْدِ إيمانِهِ إلا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ ولَكِنْ مَن شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا﴾ وهَذِهِ الآيَةُ مِن هَذا النَّمَطِ فَإنَّهُ لِما صَدَرَ الكَلامُ بِأنَّ اِقْتِتالَهم كانَ عَلى وفْقِ المَشِيئَةِ ثُمَّ لَمّا طالَ الكَلامُ وأُرِيدَ بَيانُ أنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعالى كَما نَفَذَتْ في هَذا الأمْرِ الخاصِّ وهو اِقْتِتالُ هَؤُلاءِ فَهي نافِذَةٌ في كُلِّ فِعْلٍ واقِعٍ وهو المُعَبَّرُ عَنْهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ﴾ طَرَأ ذِكْرُ تَعَلُّقِ المَشِيئَةِ بِالِاقْتِتالِ لِتُلُوِّهِ عُمُومَ تَعَلُّقِ المَشِيئَةِ لِيَتَناسَبَ الكَلامُ ويُقْرَنَ كُلٌّ بِشَكْلِهِ، وهَذا سِرٌّ يَنْشَرِحُ لِبَيانِهِ الصَّدْرُ ويَرْتاحُ (بِهِ) السِّرُّ، ولَعَلَّهُ أحْسَنُ مِنَ القَوْلِ بِأنَّ الأوَّلَ بِلا واسِطَةٍ والثّانِي بِواسِطَةِ المُؤْمِنِينَ أوْ بِالعَكْسِ، هَذا وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الحَوادِثَ تابِعَةٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى خَيْرًا كانَتْ أوْ شَرًّا إيمانًا أوْ كُفْرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب