الباحث القرآني

﴿ولَمّا بَرَزُوا﴾ أيْ: ظَهَرَ طالُوتُ ومَن مَعَهُ، وصارُوا في بِرازٍ مِنَ الأرْضِ؛ وهو ما انْكَشَفَ مِنها واسْتَوى ﴿لِجالُوتَ وجُنُودِهِ﴾ أيْ: لِمُحارَبَتِهِمْ وقِتالِهِمْ ﴿قالُوا﴾ جَمِيعًا بَعْدَ أنْ قَوِيَتْ قُلُوبُ الضُّعَفاءِ، مُتَضَرِّعِينَ إلى اللَّهِ تَعالى مُتَبَرِّئِينَ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّةِ ﴿رَبَّنا أفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا﴾ أيْ: صُبَّ ذَلِكَ عَلَيْنا، ووَفِّقْنا لَهُ، والمُرادُ بِهِ: حَبْسُ النَّفْسِ لِلْقِتالِ ﴿وثَبِّتْ أقْدامَنا﴾ أيْ: هَبْ لَنا كَمالَ القُوَّةِ والرُّسُوخِ عِنْدَ المُقارَعَةِ؛ بِحَيْثُ لا تَتَزَلْزَلُ، ولَيْسَ المُرادُ بِتَثْبِيتِ الأقْدامِ مُجَرَّدَ تَقَرُّرِها في حَيِّزٍ واحِدٍ، إذْ لَيْسَ في ذَلِكَ كَثِيرُ جَدْوى ﴿وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ أيْ: أعِنّا عَلَيْهِمْ بِقَهْرِهِمْ وهَزْمِهِمْ، ووَضَعَ ( الكافِرِينَ ) مَوْضِعَ الضَّمِيرِ العائِدِ إلى جالُوتَ وجُنُودِهِ؛ لِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ، وفي هَذا الدُّعاءِ مِنَ اللَّطافَةِ وحُسْنِ الأُسْلُوبِ والنِّكاتِ ما لا يَخْفى؛ أمّا أوَّلًا: فَلِأنَّ فِيهِ التَّوَسُّلَ بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ المُنْبِئَةِ عَنِ التَّبْلِيغِ إلى الكَمالِ، وأمّا ثانِيًا: فَلِأنَّ فِيهِ الإفْراغَ، وهو يُؤْذِنُ بِالكَثْرَةِ، وفِيهِ جَعْلُ الصَّبْرِ بِمَنزِلَةِ الماءِ المُنْصَبِّ عَلَيْهِمْ؛ لِثَلْجِ صُدُورِهِمْ، وإغْنائِهِمْ عَنِ الماءِ الَّذِي مُنِعُوا عَنْهُ، وأما ثالِثًا: فَلِأنَّ فِيهِ التَّعْبِيرَ بِعَلى المُشْعِرَ بِجَعْلِ ذَلِكَ كالظَّرْفِ، وجَعْلِهِمْ كالمَظْرُوفِينَ، وأمّا رابِعًا: فَلِأنَّ فِيهِ تَنْكِيرَ ( صَبْرًا ) المُفْصِحَ عَنِ التَّفْخِيمِ، وأمّا خامِسًا: فَلِأنَّ في الطَّلَبِ الثّانِي وهو تَثْبِيتُ الأقْدامِ ما يُرَشِّحُ جَعْلَ الصَّبْرِ بِمَنزِلَةِ الماءِ في الطَّلَبِ الأوَّلِ؛ إذْ مَصابُّ الماءِ مَزالِقُ، فَيُحْتاجُ فِيها إلى التَّثْبِيتِ، وأمّا سادِسًا: فَلِأنَّ فِيهِ حُسْنَ التَّرْتِيبِ؛ حَيْثُ طَلَبُوا أوَّلًا: إفْراغَ الصَّبْرِ عَلى قُلُوبِهِمْ عِنْدَ اللِّقاءِ، وثانِيًا: ثَباتَ القَدَمِ والقُوَّةِ عَلى مُقاوَمَةِ العَدُوِّ، حَيْثُ إنّ الصَّبْرَ قَدْ يَحْصُلُ لِمَن لا مُقاوَمَةَ لَهُ، وثالِثًا: العُمْدَةُ والمَقْصُودُ مِنَ المُحارَبَةِ وهو النُّصْرَةُ عَلى الخَصْمِ، حَيْثُ إنّ الشَّجاعَةَ بِدُونِ النُّصْرَةِ طَرِيقٌ عَتَبَتُهُ عَنِ النَّفْعِ خارِجَةٌ، وقِيلَ: إنَّما طَلَبُوا أوَّلًا: إفْراغَ الصَّبْرِ؛ لِأنَّهُ مَلاكُ الأمْرِ، وثانِيًا: التَّثْبِيتَ؛ لِأنَّهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ، وثالِثًا: النَّصْرَ؛ لِأنَّهُ الغايَةُ القُصْوى، واعْتَرَضَ (p-173)هَذا بِأنَّهُ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ التَّعْبِيرَ بِالفاءِ؛ لِأنَّها الَّتِي تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وأُجِيبُ بِأنَّ الواوَ أبْلَغُ؛ لِأنَّهُ عَوْلٌ في التَّرْتِيبِ عَلى الذِّهْنِ، الَّذِي هو أعْدَلُ شاهِدٍ، كَما ذَكَرَ السَّكّاكِيُّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب