الباحث القرآني
﴿وقالَ لَهم نَبِيُّهُمْ﴾ شُرُوعٌ في التَّفْصِيلِ بَعْدَ الإجْمالِ؛ أيْ: قالَ بَعْدَ أنْ أُوحِيَ لَهم ما أُوحِيَ ﴿إنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكم طالُوتَ مَلِكًا﴾ يُدَبِّرُ أمْرَكُمْ، وتُصْدِرُونَ عَنْ رَأْيِهِ في القِتالِ، و( طالُوتَ ) فِيهِ قَوْلانِ؛ أظْهَرُهُما: أنَّهُ عَلَمٌ أعْجَمِيٌّ عِبْرِيٌّ كَداوُدَ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ، وقِيلَ: إنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنَ الطُّولِ، وأصْلُهُ: طَوَلُوتٌ كَرَهَبُوتٍ ورَحَمُوتٍ؛ فَقُلِبَتِ الواوُ ألِفًا لِتَحَرُّكِها وانْفِتاحِ ما قَبْلَها، ومُنِعَ صَرْفُهُ حِينَئِذٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وشِبْهِ العُجْمَةِ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِن أبْنِيَةِ العَرَبِ، وأمّا ادِّعاءُ العَدْلِ عَنْ طَوِيلٍ والقَوْلُ بِأنَّهُ عِبْرانِيٌّ وافَقَ العَرَبِيَّ؛ فَتَكَلُّفٌ، و( مَلِكًا ) حالٌ مِن ( طالُوتَ )، أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: أنَّ نَبِيَّهم لَمّا دَعا رَبَّهُ أنْ يُمَلِّكَهم أتى بِعَصا يُقاسُ بِها مَن يُمَلَّكُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُساوِها إلّا طالُوتُ، وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أنَّهُ لَمّا دَعا اللَّهَ تَعالى؛ قالَ لَهُ: انْظُرِ القَرْنَ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ في بَيْتِكَ، فَإذا دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ الدُّهْنَ الَّذِي فِيهِ فَهو مَلِكُ بَنِي إسْرائِيلَ، فادْهِنْ رَأْسَهُ مِنهُ، ومَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ، فَأقامَ يَنْتَظِرُ مَتى يَدْخُلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ، وكانَ طالُوتُ رَجُلًا دَبّاغًا يَعْمَلُ الأُدُمَ، وقِيلَ: كانَ سَقّاءً، وكانَ مِن سِبْطِ بِنْيامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ _ عَلَيْهِ السَّلامُ _ ولَمْ يَكُنْ فِيهِمْ نُبُوَّةٌ ولا مُلْكٌ، فَخَرَجَ طالُوتُ في ابْتِغاءِ دابَّةٍ لَهُ ضَلَّتْ، ومَعَهُ غُلامٌ، فَمَرّا بِبَيْتِ النَّبِيِّ، فَقالَ غُلامُ طالُوتَ لَهُ: لَوْ دَخَلْتَ بِنا عَلى هَذا النَّبِيِّ فَسَألْناهُ عَنْ أمْرِ دابَّتِنا؛ فَيُرْشِدَنا ويَدْعُوَ لَنا فِيها بِخَيْرٍ، فَقالَ طالُوتُ: ما بِما قُلْتَ مِن بَأْسٍ، فَدَخَلا عَلَيْهِ، فَبَيْنَما هو عِنْدَهُ يَذْكُرُ لَهُ شَأْنَ دابَّتِهِ، ويَسْألُهُ أنْ يَدْعُوَ لَهُ إذْ نَشَّ الدُّهْنَ الَّذِي في القَرْنِ، فَقامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ فَأخَذَهُ، ثُمَّ قالَ لِطالُوتَ: قَرِّبْ رَأْسَكَ، فَقَرَّبَهُ فَدَهَنَهُ مِنهُ، ثُمَّ قالَ: أنْتَ مَلِكُ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِي أمَرَنِي اللَّهُ تَعالى أنْ أُمَلِّكَكَ عَلَيْهِمْ، فَجَلَسَ عِنْدَهُ وقالَ النّاسُ: مُلِّكَ طالُوتُ، فَأتَتْ عُظَماءُ بَنِي إسْرائِيلَ نَبِيَّهم مُسْتَغْرِبِينِ ذَلِكَ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِن بَيْتِ النُّبُوَّةِ ولا المُلْكِ
﴿قالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنا﴾ أيْ: مِن أيْنَ يَكُونُ، أوْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ؟ والِاسْتِفْهامُ حَقِيقِيٌّ أوْ لِلتَّعَجُّبِ، (p-167)لا لِتَكْذِيبِ نَبِيِّهِمْ، والإنْكارِ عَلَيْهِ في رَأْيٍ، ومَوْضِعُهُ نَصْبٌ عَلى الحالِ مِنَ المُلْكِ، و( يَكُونُ ) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ النّاقِصَةَ، فَيَكُونَ الخَبَرُ ( لَهُ )، و( عَلَيْنا ) حالٌ مِنَ المُلْكِ، أوِ الخَبَرُ ( عَلَيْنا )، و( لَهُ ) حالٌ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ التّامَّةَ، فَيَكُونَ ( لَهُ ) مُتَعَلِّقًا بِها، و(عَلَيْنا ) حالٌ ﴿ونَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المالِ﴾ الواوُ الأُولى حالِيَّةٌ، والثّانِيَةُ عاطِفَةٌ جامِعَةٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ؛ أيْ: كَيْفَ يَتَمَلَّكُ عَلَيْنا؟ والحالُ أنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ التَّمَلُّكَ؛ لِوُجُودِ مَن هو أحَقُّ مِنهُ، ولِعَدَمِ ما يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ المُلْكُ مِنَ المالِ، أوْ لِعَدَمِ ما يَجْبُرُ نَقْصَهُ لَوْ كانَ، ويُلْحِقُهُ بِالأشْرافِ عُرْفًا مِن ذَلِكَ، وأصْلُ سَعَةٍ وُسْعَةٌ بِالواوِ، وحُذِفَتْ لِحَذْفِها مِن ( يَسَعُ )، وكانَ حَقُّ الفِعْلِ كَسْرَ السِّينِ فِيهِ؛ لِيَتَأتّى الحَذْفُ كَما في ( يَعِدُ )، وإنَّما ارْتُكِبَ الفَتْحُ لِحَرْفِ الحَلْقِ، فَهو عارِضٌ؛ ولِذا أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الكَسْرَةِ؛ ولِذَلِكَ الفَتْحِ فُتِحَتِ السِّينُ في المَصْدَرِ، ولَمْ تُكْسَرْ كَما كُسِرَتْ عَيْنُ عِدَةٍ
﴿قالَ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكم وزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِأبْلَغِ وجْهٍ وأكْمَلِهِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: لا تَسْتَبْعِدُوا تَمَلُّكَهُ عَلَيْكم لِفَقْرِهِ وانْحِطاطِ نَسَبِهِ عَنْكُمْ؛ أمّا أوَّلًا: فَلِأنَّ مَلاكَ الأمْرِ هو اصْطِفاءُ اللَّهِ تَعالى، وقَدِ اصْطَفاهُ واخْتارَهُ وهو سُبْحانُهُ أعْلَمُ بِالمَصالِحِ لَكُمْ، وأما ثانِيًا: فَلِأنَّ العُمْدَةَ وُفُورُ العِلْمِ؛ لِيُتَمَكَّنَ بِهِ مِن مَعْرِفَةِ الأُمُورِ السِّياسِيَّةِ، وجَسامَةُ البَدَنِ؛ لِيَكُونَ أعْظَمَ خَطَرًا في القُلُوبِ، وأقْوى عَلى كِفاحِ الأعْداءِ، ومُكابَدَةِ الحُرُوبِ، لا ما ذَكَرْتُمْ، وقَدْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعالى بِحَظٍّ وافِرٍ مِنهُما، وأما ثالِثًا: فَلِأنَّهُ تَعالى مالِكُ المُلْكِ عَلى الإطْلاقِ، ولِلْمالِكِ أنْ يُمَكِّنَ مَن شاءَ مِنَ التَّصَرُّفِ في مُلْكِهِ بِإذْنِهِ، وأما رابِعًا: فَلِأنَّهُ سُبْحانَهُ واسِعُ الفَضْلِ، يُوَسِّعُ عَلى الفَقِيرِ فَيُغْنِيَهِ، عَلِيمٌ بِما يَلِيقُ بِالمُلْكِ مِنَ النَّسِيبِ وغَيْرِهِ، وفي تَقْدِيمِ البَسْطَةِ في العِلْمِ عَلى البَسْطَةِ في الجِسْمِ إيماءٌ إلى أنَّ الفَضائِلَ النَّفْسانِيَّةَ أعْلى وأشْرَفُ مِنَ الفَضائِلِ الجُسْمانِيَّةِ، بَلْ يَكادُ لا يَكُونُ بَيْنَهُما نِسْبَةٌ، لا سِيَّما ضَخامَةُ الجِسْمِ؛ ولِهَذا حَمَلَ بَعْضُهُمُ البَسْطَةَ فِيهِ هُنا عَلى الجَمالِ أوِ القُوَّةِ، لا عَلى المِقْدارِ كَطُولِ القامَةِ، كَما قِيلَ: إنَّ الرَّجُلَ القائِمَ كانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتّى يَنالَ رَأْسَهُ، فَإنَّ ذَلِكَ لَوْ كانَ كَمالًا لَكانَ أحَقُّ الخَلْقِ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ _ ﷺ _، مَعَ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجالِ،» ولَعَلَّ ذِكْرَ ذَلِكَ عَلى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ؛ لِأنَّهُ صِفَةٌ تَزِيدُ المَلِكَ المَطْلُوبَ لِقِتالِ العَمالِقَةِ حُسْنًا؛ لِأنَّهم كانُوا ضِخامًا ذَوِي بَسْطَةٍ في الأجْسامِ، وكانَ ظِلُّ مَلِكِهِمْ جالُوتَ مِيلًا عَلى ما في بَعْضِ الأخْبارِ، لا أنَّها مِنَ الأُمُورِ الَّتِي هي عُمْدَةٌ في المُلُوكِ مِن حَيْثُ هُمْ، كَما لا يَخْفى عَلى مَن تَحَقَّقَ أنَّ المَرْءَ بِأصْغَرَيْهِ لا بِكِبَرِ جِسْمِهِ وطُولِ بُرْدَيْهِ
وفِي اخْتِيارِ واسِعٌ وعَلِيمٌ في الإخْبارِ عَنْهُ تَعالى هُنا مَن حُسْنِ المُناسِبَةِ لِبَسْطَةِ الجِسْمِ، وكَثْرَةِ العِلْمِ ما تَهْتَشُّ لَهُ الخَواطِرُ، لا سِيَّما عَلى ما يَتَبادَرُ مِن بَسْطَةِ الجِسْمِ، وقِدَمِ الوَصْفِ الأوَّلِ، مَعَ أنَّ ما يُناسِبُهُ ظاهِرًا مُؤَخَّرٌ؛ لِأنَّ لَهُ مُناسَبَةَ مَعْنًى لِأوَّلِ الأخْبارِ؛ إذِ الِاصْطِفاءُ مِن سِعَةِ الفَضْلِ أيْضًا، ولِأنَّ ( عَلِيمٌ ) أوْفَقُ بِالفَواصِلِ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ
{"ayah":"وَقَالَ لَهُمۡ نَبِیُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكࣰاۚ قَالُوۤا۟ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَیۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ وَلَمۡ یُؤۡتَ سَعَةࣰ مِّنَ ٱلۡمَالِۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَیۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةࣰ فِی ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ یُؤۡتِی مُلۡكَهُۥ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











