الباحث القرآني

﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهو عَطْفٌ في المَعْنى عَلى ﴿،ألَمْ تَرَ﴾؛ لِأنَّهُ بِمَعْنى انْظُرُوا وتَفَكَّرُوا، والسُّورَةُ الكَرِيمَةُ لِكَوْنِها سَنامَ القُرْآنِ؛ ذَكَرَ فِيها كُلِّيّاتِ الأحْكامِ الدِّينِيَّةِ؛ مِنَ الصِّيامِ، والحَجِّ، والصَّلاةِ، والجِهادِ عَلى نَمَطٍ عَجِيبٍ، مُسْتَطْرِدًا تارَةً؛ لِلِاهْتِمامِ بِشَأْنِها يَكُرُّ عَلَيْها كُلَّما وُجِدَ مَجالٌ، ومَقْصُودًا أُخْرى؛ دَلالَةً عَلى أنَّ المُؤْمِنَ المُخْلِصَ لا يَنْبَغِي أنْ يَشْغَلَهُ حالٌ عَنْ حالٍ، وإنَّ المَصالِحَ الدُّنْيَوِيَّةَ ذَرائِعُ إلى الفَراغَةِ لِلْمَشاغِلِ الأُخْرَوِيَّةِ، والجِهادُ لَمّا كانَ ذُرْوَةَ سَنامِ الدِّينِ، وكانَ مِن أشَقِّ التَّكالِيفِ؛ حَرَّضَهم عَلَيْهِ مِن طُرُقٍ شَتّى، مُبْتَدِئًا مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ مُنْتَهِيًا إلى هَذا المَقالِ الكَرِيمِ، مُخْتَتِمًا بِذِكْرِ الإنْفاقِ في سَبِيلِهِ لِلتَّتْمِيمِ _ قالَهُ في الكَشْفِ _ وجُوِّزَ في العَطْفِ وُجُوهٌ أُخَرُ؛ الأوَّلُ: أنَّهُ عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ، يُعَيِّنُهُ ما قَبْلَهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: فاشْكُرُوا فَضْلَهُ بِالِاعْتِبارِ بِما قُصَّ عَلَيْكُمْ، وقاتِلُوا في سَبِيلِهِ؛ لِما عَلِمْتُمْ أنَّ الفِرارَ لا يُنْجِي مِنَ الحِمامِ، وأنَّ المُقَدَّرَ لا يُمْحى، فَإنْ كانَ قَدْ حانَ الأجَلُ؛ فَمَوْتٌ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى خَيْرُ سَبِيلٍ، وإلّا فَنَصْرٌ وثَوابٌ، الثّانِي: أنَّهُ عَطْفٌ عَلى ما يُفْهَمُ مِنَ القِصَّةِ؛ أيِ: اثْبُتُوا ولا تَهْرَبُوا كَما هَرَبَ هَؤُلاءِ، وقاتِلُوا، الثّالِثُ: أنَّهُ عَطْفٌ عَلى ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ﴾ إلى ﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾ الآيَةَ؛ لِأنَّ فِيهِ إشْعارًا بِلِقاءِ العَدُوِّ، وما جاءَ جاءَ كالِاعْتِراضِ، الرّابِعُ: أنَّهُ عَطْفٌ عَلى ( قالَ لَهُمُ اللَّهُ ) والخِطابُ لِمَن أحْياهُمُ اللَّهُ تَعالى، وهو كَما تَرى ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لِما يَقُولُهُ المُتَخَلِّفُ عَنِ الجِهادِ؛ مِن تَنْفِيرِ الغَيْرِ عَنْهُ، وما يَقُولُهُ السّابِقُ إلَيْهِ؛ مِن تَرْغِيبٍ فِيهِ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِما يُضْمِرُهُ هَذا وذَلِكَ؛ مِنَ الأغْراضِ والبَواعِثِ، فَيُجازِي كُلًّا حَسَبَ عَمَلِهِ ونِيَّتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب