الباحث القرآني

﴿ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيُّها الرِّجالُ المُبْتَغُونَ لِلزَّواجِ ﴿فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِن خِطْبَةِ النِّساءِ﴾ بِأنْ يَقُولَ أحَدُكُمْ؛ كَما رَوى البُخارِيُّ وغَيْرُهُ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُما -: إنِّي أُرِيدُ التَّزَوُّجَ، وإنِّي لَأُحِبُّ امْرَأةً مِن أمْرِها وأمْرِها، وإنَّ مِن شَأْنِي النِّساءَ، ولَوَدِدْتُ أنَّ اللَّهَ - تَعالى - كَتَبَ لِي امْرَأةً صالِحَةً، أوْ يَذْكُرُ لِلْمَرْأةِ فَضْلَهُ وشَرَفَهُ، فَقَدْ رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ”دَخَلَ عَلى أُمِّ سَلَمَةَ، وقَدْ كانَتْ عِنْدَ ابْنِ عَمِّها أبِي سَلَمَةَ، فَتُوُفِّيَ عَنْها، فَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ لَها مَنزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ - تَعالى - وهو مُتَحامِلٌ عَلى يَدِهِ، حَتّى أثَّرَ الحَصِيرُ في يَدِهِ مِن شِدَّةِ تَحامُلِهِ عَلَيْها، وكانَ ذَلِكَ تَعْرِيضًا لَها“،» والتَّعْرِيضُ في الأصْلِ إمالَةُ الكَلامِ عَنْ نَهْجِهِ إلى عَرَضٍ مِنهُ وجانِبٍ، واسْتُعْمِلَ في أنْ تَذْكُرَ شَيْئًا مَقْصُودًا في الجُمْلَةِ بِلَفْظِهِ الحَقِيقِيِّ أوِ المَجازِيِّ أوِ الكِنائِيِّ؛ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ في الكَلامِ، مِثْلَ أنْ تَذْكُرَ المَجِيءَ لِلتَّسْلِيمِ بِلَفْظِهِ؛ لِيَدُلَّ عَلى التَّقاضِي وطَلَبِ العَطاءِ، وهو غَيْرُ الكِنايَةِ؛ لِأنَّها أنْ تَذْكُرَ مَعْنًى مَقْصُودًا بِلَفْظٍ آخَرَ يُوضَعُ لَهُ، لَكِنِ اسْتُعْمِلَ في المَوْضُوعِ - لا عَلى وجْهِ القَصْدِ - بَلْ لِيَنْتَقِلَ مِنهُ إلى الشَّيْءِ المَقْصُودِ، فَطَوِيلُ النِّجادِ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ، لَكِنْ لا يَكُونُ المَقْصُودُ بِالإثْباتِ، بَلْ لِيَنْتَقِلَ مِنهُ إلى طُولِ القامَةِ، وقَرَّرَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ بَيْنَهُما عُمُومًا مِن وجْهٍ، فَمِثْلُ قَوْلِ المُحْتاجِ: جِئْتُكَ لِأُسَلِّمَ عَلَيْكَ كِنايَةٌ وتَعْرِيضٌ، ومِثْلُ: زَيْدٌ طَوِيلُ النِّجادِ - كِنايَةٌ لا تَعْرِيضٌ، ومِثْلُ قَوْلِكَ في عَرَضِ مَن يُؤْذِيكَ ولَيْسَ المُخاطَبَ آذَيْتَنِي فَسَتَعْرِفُ، تَعْرِيضٌ بِتَهْدِيدِ المُؤْذِي لا كِنايَةٌ، والمَشْهُورُ: تَسْمِيَةُ التَّعْرِيضِ تَلْوِيحًا؛ لِأنَّهُ يَلُوحُ مِنهُ ما تُرِيدُهُ، وعَدْوًا جَعَلَ السَّكّاكِيُّ لَهُ اسْمًا لِلْكِنايَةِ البَعِيدَةِ لِكَثْرَةِ الوَسائِطِ، مِثْلَ: كَثِيرِ الرَّمادِ لِلْمِضْيافِ اصْطِلاحًا جَدِيدًا، وفي الكَشْفِ: وقَدْ يَتَّفِقُ عارِضٌ يَجْعَلُ الكِنايَةَ في حُكْمِ المُصَرَّحِ بِهِ، كَما في الِاسْتِواءِ عَلى العَرْشِ وبَسْطِ اليَدِ، ويَجْعَلُ الِالتِفاتَ في التَّعْرِيضِ نَحْوَ المُعَرِّضِ بِهِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَكُونُوا أوَّلَ كافِرٍ بِهِ﴾ فَلا يَنْتَهِضُ نَقْضًا عَلى الأصْلِ، و(الخِطْبَةُ) بِكَسْرِ الخاءِ قِيلَ: الذِّكْرُ الَّذِي يُسْتَدْعى بِهِ إلى عَقْدِ النِّكاحِ أخْذًا مِنَ الخِطابِ، وهو تَوْجِيهُ الكَلامِ لِلْإفْهامِ، وبِضَمِّها الوَعْظُ المُتَّسِقُ عَلى ضَرْبٍ مِنَ التَّأْلِيفِ، وقِيلَ: إنَّهُما اسْمُ الحالَةِ غَيْرَ أنَّ المَضْمُومَةَ خُصَّتْ بِالمَوْعِظَةِ، والمَكْسُورَةَ بِطَلَبِ المَرْأةِ والتِماسِ نِكاحِها، و(ألْ) في النِّساءِ لِلْعَهْدِ، والمَعْهُوداتُ هي الأزْواجُ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَذَرُونَ أزْواجًا﴾ ولا يُمْكِنُ حَمْلُها عَلى الِاسْتِغْراقِ؛ لِأنَّ مِنَ النِّساءِ مَن يَحْرُمُ التَّعْرِيضُ بِخِطْبَتِهِنَّ في العِدَّةِ، كالرَّجْعِيّاتِ والبائِناتِ في قَوْلٍ، والأظْهَرُ عِنْدَ (p-151)الشّافِعِيِّ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ - جَوازُهُ في عِدَّتِهِنَّ قِياسًا عَلى مُعْتَدّاتِ الوَفاةِ، لا يُقالُ: كانَ يَنْبَغِي أنْ تُقَدَّمَ هَذِهِ الآيَةُ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾؛ لِأنَّ ما فِيها مِن أحْكامِ النِّساءِ قَبْلَ البُلُوغِ إلى الأجَلِ؛ لِأنّا نَقُولُ: لا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ هي مِن أحْكامِ الرِّجالِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِنَّ، فَكانَ المُناسِبُ أنْ يُذْكَرَ بَعْدَ الفَراغِ مِن أحْكامِهِنَّ قَبْلَ البُلُوغِ مِنَ الأجَلِ وبَعْدَهُ، واسْتَدَلَّ الكِيا بِالآيَةِ عَلى نَفْيِ الحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ في القَذْفِ؛ لِأنَّهُ - تَعالى - جَعَلَ حُكْمَهُ مُخالِفًا لِحُكْمِ التَّصْرِيحِ، وأُيِّدَ بِما رُوِيَ: ”مَن عَرَّضَ عَرَّضْنا، ومَن مَشى عَلى الكَلا ألْقَيْناهُ في النَّهْرِ“ واسْتُدِلَّ بِها عَلى جَوازِ نِكاحِ الحامِلِ مِنَ الزِّنا؛ إذْ لا عِدَّةَ لَها، ولا يَخْفى ما فِيهِ. ﴿أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾ أيْ: أسْرَرْتُمْ في قُلُوبِكم مِن نِكاحِهِنَّ بَعْدَ مُضِيِّ عَدَّتِهِنَّ، ولَمْ تُصَرِّحُوا بِذَلِكَ لَهُنَّ ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ ولا تَصْبِرُونَ عَلى السُّكُوتِ عَنْهُنَّ وعَنْ إظْهارِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ، فَلِهَذا رَخَّصَ لَكم ما رَخَّصَ، وفِيهِ نَوْعٌ ما مِنَ التَّوْبِيخِ. ﴿ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ اسْتِدْراكٌ عَنْ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ ﴿سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ أيْ: فاذْكُرُوهُنَّ ﴿ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ﴾ نِكاحًا، بَلِ اكْتَفُوا بِما رَخَّصَ لَكُمْ، وجَوازُ أنْ يَكُونَ اسْتِدْراكًا عَنْ ( لا جَناحَ ) فَإنَّهُ في مَعْنى (عَرِّضُوا بِخِطْبَتِهِنَّ) أوْ أكِنُّوا في أنْفُسِكُمْ، ولَكِنْ إلَخْ، وحَمْلُهُ عَلى الِاسْتِدْراكِ عَلى ما عِنْدَهُ، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وإرادَةُ النِّكاحِ مِنَ السِّرِّ بِواسِطَةِ إرادَةِ الوَطْءِ مِنهُ؛ إذْ قَدْ تَعارَفَ إطْلاقُهُ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ يُسَرُّ، ومِنهُ قَوْلُ امَرِئِ القَيْسِ: ؎ألا زَعَمَتْ بَسْباسَةُ اليَوْمَ أنَّنِي كَبِرْتُ ∗∗∗ وأنْ لا يُحْسِنُ السِّرَّ أمْثالِي وإرادَةُ العَقْدِ مِن ذَلِكَ لِما بَيْنَهُما مِنَ السَّبَبِيَّةِ والمُسَبَّبِيَّةِ، ولَمْ يُجْعَلْ مِن أوَّلِ الأمْرِ عِبارَةً عَنِ العَقْدِ؛ لِأنَّهُ لا مُناسَبَةَ بَيْنَهُما في الظّاهِرِ، والمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّ (السِّرَّ) هُنا الجِماعُ، وتَوَهُّمُ الرُّخْصَةِ حِينَئِذٍ في المَحْظُورِ الَّذِي هو التَّصْرِيحُ (بِالنِّكاحِ) مِمّا لا يَكادُ يَخْطُرُ بِبالٍ، وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ، ورُوِيَ عَنِ الحَبْرِ أيْضًا: أنَّهُ العَهْدُ عَلى الِامْتِناعِ عَنِ التَّزَوُّجِ بِالغَيْرِ، وهو عَلى هَذِهِ الأوْجُهِ نُصِبَ عَلى المَفْعُولِيَّةِ، وجُوِّزَ انْتِصابُهُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ؛ أيْ: ﴿لا تُواعِدُوهُنَّ﴾ في السِّرِّ، عَلى أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ المُواعَدَةُ بِما يُسْتَهْجَنُ. ﴿إلا أنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ وهو التَّعْرِيضُ الَّذِي عُرِفَ تَجْوِيزُهُ، والمُسْتَثْنى مِنهُ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّهْيُ؛ أيْ: ﴿لا تُواعِدُوهُنَّ﴾ نِكاحًا مُواعَدَةً ما إلّا مُواعَدَةً مَعْرُوفَةً، أوْ إلّا مُواعَدَةً بِقَوْلٍ مَعْرُوفٍ، أوْ لا تَقُولُوا في وعْدِ الجِماعِ أوْ طَلَبِ الِامْتِناعِ عَنِ الغَيْرِ إلّا قَوْلَكم ﴿قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ والِاسْتِثْناءُ في جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ، وفي الكَلامِ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ تَصْرِيحٌ بِما فُهِمَ مِن ( ولا جُناحَ ) عَلى وجْهٍ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ الرَّفْعُ، وهو نَوْعٌ مِنَ الطَّرْدِ - والعَكَسُ حَسَنٌ - وعَلى الأخِيرَيْنِ تَأْسِيسٌ لِمَعْنى، رُبَّما يُعْلَمُ بِطَرِيقِ المُقايَسَةِ؛ إذْ حَمَلُوا (التَّعْرِيضَ) فِيهِما عَلى (التَّعْرِيضِ) بِالوَعْدِ لَها أوِ الطَّلَبِ مِنها، وهو غَيْرُ (التَّعْرِيضِ) السّابِقِ؛ لِأنَّهُ بِنَفْسِ (الخِطْبَةِ) وإذا أُرِيدَ الوَجْهُ الرّابِعُ وهو الأخِيرُ مِنَ الأوْجُهِ السّابِقَةِ احْتَمَلَ الِاسْتِثْناءُ الِاتِّصالَ والِانْقِطاعَ، والِانْقِطاعُ في المَعْنى أظْهَرُ عَلى مَعْنى ﴿لا تُواعِدُوهُنَّ﴾ بِالمُسْتَهْجَنِ ولَكِنْ واعِدُوهُنَّ بِقَوْلٍ مَعْرُوفٍ لا يُسْتَحْيا مِنهُ في المُجاهَرَةِ مِن حُسْنِ المُعاشَرَةِ والثَّباتِ إنْ وقَعَ النِّكاحُ، وبَعْضٌ قالَ بِذَلِكَ إلّا أنَّهُ جَعَلَ الِاسْتِثْناءَ مِن سِرًّا وضُعِّفَ بِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى كَوْنِ التَّعْرِيضِ مَوْعُودًا، وجَعْلُهُ مِن قَبِيلِ ( إلّا مَن ظُلِمَ ) يَأْبى أنْ يَكُونَ اسْتِثْناءً مِنهُ، بَلْ مِن أصْلِ الحُكْمِ. ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ أيْ: لا تَقْصِدُوا قَصْدًا جازِمًا عَقْدَ ( عُقْدَةِ النِّكاحِ ) وفي النَّهْيِ عَنْ مُقَدِّمَةِ الشَّيْءِ نَهْيٌ (p-152)عَنِ الشَّيْءِ عَلى وجْهٍ أبْلَغَ، وصَحَّ تَعَلُّقُ النَّهْيِ بِهِ؛ لِأنَّهُ مِنَ الأفْعالِ الباطِنَةِ الدّاخِلَةِ تَحْتَ الِاخْتِيارِ، ولِذا يُثابُ عَلى النِّيَّةِ، والمُرادُ بِهِ العَزْمُ المُقارَنُ؛ لِأنَّ مَن قالَ: لا تَعْزِمْ عَلى السَّفَرِ في صَفَرٍ مَثَلًا لَمْ يُفْهَمْ مِنهُ النَّهْيُ عَنْ عَزْمٍ فِيهِ مُتَأخِّرِ الفِعْلِ إلى رَبِيعٍ، وذَلِكَ لِأنَّ القَصْدَ الجازِمَ حَقُّهُ المُقارَنَةُ، وتَقْدِيرُ المُضافِ لِصِحَّةِ التَّعَلُّقِ؛ لِأنَّهُ لا يَكُونُ إلّا عَلى الفِعْلِ، و(العُقْدَةُ) لَيْسَتْ بِهِ؛ لِأنَّها مَوْضِعُ العَقْدِ، وهو ما يَعْقِدُ عَلَيْهِ ولَمْ يُقَدِّرْهُ بَعْضُهُمْ، وجَعَلَ الإضافَةَ بَيانِيَّةً، فالعُقْدَةُ حِينَئِذٍ نَفْسُ النِّكاحِ وهو فِعْلٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الكَلامُ مِن بابِ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ هي مَفْعُولٌ بِهِ، وجَوَّزَ أنْ تَكُونَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا عَلى أنَّ مَعْنى (لا تَعْزِمُوا) لا تَعْقِدُوا، فَهو عَلى حَدِّ (قَعَدْتُ جُلُوسًا) وأنَّ الإضافَةَ مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعُولِهِ، وقِيلَ: المَعْنى لا تَقْطَعُوا ولا تُبْرِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْ نَفْسِ الفِعْلِ، لا عَنْ قَصْدِهِ كَما في الأوَّلِ، وبِهَذا يَنْحَطُّ عَنْهُ، ومِنَ النّاسِ مَن حَمَلَ العَزْمَ عَلى القَطْعِ ضِدَّ الوَصْلِ، وجَعَلَ المَعْنى: لا تَقْطَعُوا عُقْدَةَ نِكاحِ الزَّوْجِ المُتَوَفّى بِعَقْدِ نِكاحٍ آخَرَ ولا حاجَةَ حِينَئِذٍ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أصْلًا، وفِيهِ بَحْثٌ؛ أمّا أوَّلًا فَلِأنَّ مَجِيءَ العَزْمِ بِمَعْنى القَطْعِ ضِدَّ الوَصْلِ في اللُّغَةِ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، وقَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ: حَقِيقَةُ العَزْمِ القَطْعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: «”لا صِيامَ لِمَن لَمْ يَعْزِمِ الصِّيامَ مِنَ اللَّيْلِ“،» ورُوِيَ: ”لَمْ يُبَيِّتْ“ لَيْسَ بِنَصٍّ في ذَلِكَ، بَلْ لا يَكادُ يَصِحُّ حَمْلُهُ؛ إذِ الدَّلِيلُ لا يُساعِدُهُ؛ إذْ لا خَفاءَ في أنَّ المُرادَ بِعَزْمِ الصَّوْمِ لَيْسَ قَطْعَهُ بِمَعْنى الفَكِّ، بَلِ الجَزْمَ وقَطْعَ التَّرَدُّدِ، وأمّا ثانِيًا فَلِأنَّهُ لا مَعْنى لِلنَّهْيِ عَنْ قَطْعِ عُقْدَةِ نِكاحِ الزَّوْجِ الأوَّلِ حَتّى يُنْهى عَنْهُ؛ إذْ لا تَنْقَطِعُ عُقْدَةُ نِكاحِ المُتَوَفّى بِعَقْدِ نِكاحٍ آخَرَ؛ لِأنَّ الثّانِي لَغْوٌ، ومِن هُنا قِيلَ: إنَّ المُرادَ لا تَفُكُّوا عُقْدَةَ نِكاحِكم ولا تَقْطَعُوها، ونَفْيُ القَطْعِ عِبارَةٌ عَنْ نَفْيِ التَّحْصِيلِ، فَإنَّ تَحْصِيلَ الثَّمَرَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ بِالقَطْعِ، وهَذا كَما تَرى مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلامُ اللَّهِ تَعالى العَزِيزِ ﴿حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾ أيْ يَنْتَهِي ما كَتَبَ وفَرَضَ مِنَ العِدَّةِ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكُمْ﴾ مِنَ العَزْمِ عَلى ما لا يَجُوزُ أوْ مِن ذَواتِ الصُّدُورِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ذَلِكَ ﴿فاحْذَرُوهُ﴾ ولا تَعْزِمُوا عَلَيْهِ أوِ (احْذَرُوهُ) بِالِاجْتِنابِ عَنِ العَزْمِ ابْتِداءً أوْ إقْلاعًا عَنْهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ يَغْفِرُ لِمَن يُقْلِعُ عَنْ عَزْمِهِ أوْ ذَنْبِهِ خَشْيَةً مِنهُ ﴿حَلِيمٌ 235﴾ لا يُعاجِلُ بِالعُقُوبَةِ، فَلا يُتَوَهَّمُ مِن تَأْخِيرِها أنَّ ما نُهِيَ عَنْهُ لا يَسْتَتْبِعُ المُؤاخَذَةَ وإعادَةَ العامِلِ اعْتِناءً بِشَأْنِ الحُكْمِ، ولا يَخْفى ما في الجُمْلَةِ مِمّا يَدُلُّ عَلى سَعَةِ رَحْمَتِهِ - تَبارَكَ اسْمُهُ - .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب