الباحث القرآني

﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرامِ﴾ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ رُومانَ عَنْ عُرْوَةَ، قالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ، وهو ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - إلى نَخْلَةَ، فَقالَ: كُنْ بِها حَتّى تَأْتِيَنا بِخَبَرٍ مِن أخْبارِ قُرَيْشٍ ولَمْ يَأْمُرْهُ بِقِتالٍ، وذَلِكَ في الشَّهْرِ الحَرامِ، وكَتَبَ لَهُ كِتابًا قَبْلَ أنْ يُعَلِّمَهُ أيْنَ يَسِيرُ، فَقالَ: اخْرُجْ أنْتَ وأصْحابُكَ حَتّى إذا سِرْتَ يَوْمَيْنِ فافْتَحْ كِتابَكَ، وانْظُرْ فِيهِ فَما أمَرْتُكَ بِهِ فامْضِ لَهُ، ولا تَسْتَكْرِهْ أحَدًا مِن أصْحابِكَ عَلى الذَّهابِ مَعَكَ، فَلَمّا سارَ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الكِتابَ، فَإذا فِيهِ: ”أنِ امْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ فَأْتِنا مِن أخْبارِ قُرَيْشٍ، بِما اتَّصَلَ إلَيْكَ مِنهُمْ“ فَقالَ لِأصْحابِهِ - وكانُوا ثَمانِيَةً - حِينَ قَرَأ الكِتابَ: سَمْعًا وطاعَةً، مَن كانَ مِنكم لَهُ رَغْبَةٌ في الشَّهادَةِ، فَلْيَنْطَلِقْ مَعِي، فَإنِّي ماضٍ لِأمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، ومَن كَرِهَ ذَلِكَ مِنكم فَلْيَرْجِعْ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قَدْ نَهانِي أنْ أسْتَكْرِهَ مِنكم أحَدًا، فَمَضى مَعَهُ القَوْمُ حَتّى إذا كانُوا بِبَخْرانَ أضَلَّ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ وعُتْبَةُ بْنُ غَزْوانَ بَعِيرًا لَهُما كانا يَعْتَقِبانِهِ، فَتَخَلَّفا عَلَيْهِ يَطْلُبانِهِ، ومَضى القَوْمُ حَتّى نَزَلُوا نَخْلَةَ، فَمَرَّ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ والحَكَمُ بْنُ كَيْسانَ وعُثْمانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ المُغِيرَةِ ونَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَعَهم تِجارَةٌ قَدْ مَرُّوا بِها مِنَ الطّائِفِ أدُمٌ وزَبِيبٌ، فَلَمّا رَآهُمُ القَوْمُ أشْرَفَ لَهم واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وكانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَلَما رَأوْهُ حَلِيقًا قالُوا: عُمّارُ لَيْسَ عَلَيْكم مِنهم بَأْسٌ، وأْتَمَرَ القَوْمُ بِهِمْ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، وكانَ آخِرَ يَوْمٍ مِن جُمادى، فَقالُوا: لَئِنْ قَتَلْتُمُوهم إنَّكم لَتَقْتُلُونَهم في (الشَّهْرِ الحَرامِ)، ولَئِنْ تَرَكْتُمُوهم لَيَدْخُلُنَّ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ - مَكَّةَ الحَرامَ - فَلَيَتَمَنَّعَنَّ مِنكُمْ، فَأجْمَعَ القَوْمُ عَلى قَتْلِهِمْ، فَرَمى واقِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّهْمِيُّ عَمْرَو بْنَ الحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، واسْتَأْسَرَ عُثْمانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ والحَكَمَ بْنَ كَيْسانَ، وأفْلَتَ نَوْفَلٌ وأعْجَزَهم واسْتاقُوا العِيرَ فَقَدِمُوا بِها عَلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، فَقالَ لَهُمْ: واللَّهِ ما أمَرْتُكم بِقِتالٍ في الشَّهْرِ الحَرامِ، فَأوْقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - الأسِيرَيْنِ والعِيرَ، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنها شَيْئًا، فَلَمّا قالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ما قالَ سُقِطَ في أيْدِيهِمْ، وظَنُّوا أنْ قَدْ هَلَكُوا وعَنَّفَهم إخْوانُهم مِنَ المُسْلِمِينَ، وقالَتْ قُرَيْشٌ - حِينَ بَلَغَهم أمْرُ هَؤُلاءِ -: قَدْ سَفَكَ مُحَمَّدٌ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - الدَّمَ الحَرامَ، وأخَذَ المالَ وأسَرَ الرِّجالَ، واسْتَحَلَّ الشَّهْرَ الحَرامَ فَنَزَلَتْ، فَأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - (p-108)العِيرَ وفَدى الأسِيرَيْنِ”،» وفي سِيرَةِ ابْنِ سَيِّدِ النّاسِ: إنَّ ذَلِكَ في رَجَبَ، وأنَّهم لَقُوا أُولَئِكَ في آخِرِ يَوْمٍ مِنهُ، وفي رِوايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ: «“أنَّهُ لَمّا بَلَغَ كُفّارَ قُرَيْشٍ تِلْكَ الفِعْلَةُ رَكِبَ وفْدٌ مِنهم حَتّى قَدِمُوا عَلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، فَقالُوا: أيَحِلُّ القِتالُ في الشَّهْرِ الحَرامِ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ - تَعالى - الآيَةَ”،» ومِن هُنا قِيلَ: السّائِلُونَ هُمُ المُشْرِكُونَ، وأُيِّدَ بِأنَّ ما سَيَأْتِي مِن ذِكْرِ الصَّدِّ والكُفْرِ والإخْراجِ أكْبَرُ شاهِدِ صِدْقٍ عَلى ذَلِكَ؛ لِيَكُونَ تَعْرِيضًا بِهِمْ مُوافِقًا لِتَعْرِيضِهِمْ بِالمُؤْمِنِينَ، واخْتارَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ أنَّ السّائِلِينَ هُمُ المُسْلِمُونَ، قالُوا: وأكْثَرُ الرِّواياتِ تَقْتَضِيهِ، ولَيْسَ الشّاهِدُ مُفْصِحًا بِالمَقْصُودِ، والمُرادُ مِنَ الشَّهْرِ الحَرامِ رَجَبُ أوْ جُمادى فَـ(أْل) فِيهِ لِلْعَهْدِ، والكَثِيرُ والأظْهَرُ أنَّها لِلْجِنْسِ، فَيُرادُ بِهِ الأشْهُرُ الحُرُمُ، وهي ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ، وسُمِّيَتْ (حُرُمًا) لِتَحْرِيمِ القِتالِ فِيها، والمَعْنى يَسْألُونَكَ - أيِ - المُسْلِمُونَ أوِ الكُفّارُ عَنِ القِتالِ في الشَّهْرِ الحَرامِ عَلى أنَّ قِتالٍ فِيهِ بَدَلُ اشْتِمالِ مِنَ الشَّهْرِ؛ لِما أنَّ الأوَّلَ غَيْرُ وافٍ بِالمَقْصُودِ مُشَوِّقٌ إلى الثّانِي مُلابِسٌ لَهُ بِغَيْرِ الكُلِّيَّةِ والجُزْئِيَّةِ، ولِما كانَ النَّكِرَةُ مَوْصُوفَةً أوْ عامِلَةً صَحَّ إبْدالُها مِنَ المَعْرِفَةِ عَلى أنَّ وُجُوبَ التَّوْصِيفِ إنَّما هو في بَدَلِ الكُلِّ كَما نَصَّ عَلَيْهِ الرِّضى، وقَرَأ عَبْدُ اللهِ: (عَنْ قِتالٍ)، وهو أيْضًا بَدَلُ اشْتِمالٍ إلّا أنَّهُ بِتَكْرِيرِ العامِلِ، وقَرَأ عِكْرِمَةُ: (قَتْلٍ فِيهِ)، وكَذا في ﴿قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ أيْ: عَظِيمِ وزْرًا، وفِيهِ تَقْرِيرٌ لِحُرْمَةِ القِتالِ في الشَّهْرِ الحَرامِ، وأنَّ ما اعْتُقِدَ مِنَ اسْتِحْلالِهِ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - القِتالَ فِيهِ باطِلٌ، وما وقَعَ مِن أصْحابِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - كانَ مِن بابِ الخَطَأِ في الِاجْتِهادِ، وهو مَعْفُوٌّ عَنْهُ - بَلْ مَنِ اجْتَهَدَ وأخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ واحِدٌ - كَما في الحَدِيثِ، والأكْثَرُونَ عَلى أنَّ هَذا الحُكْمَ مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ – سُبْحانَهُ -: ﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ فَإنَّ المُرادَ بِالأشْهُرِ الحُرُمِ أشْهَرٌ مُعَيَّنَةٌ أُبِيحَ لِلْمُشْرِكِينَ السِّياحَةُ فِيها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾ ولَيْسَ المُرادُ بِها الأشْهُرَ الحُرُمَ مِن كُلِّ سَنَةٍ، فالتَّقْيِيدُ بِها يُفِيدُ أنَّ قَتْلَهم بَعْدَ انْسِلاخِها مَأْمُورٌ بِهِ في جَمِيعِ الأمْكِنَةِ والأزْمِنَةِ، وهو نَسْخُ الخاصِّ بِالعامِّ، وساداتُنا الحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ بِهِ، وأمّا الشّافِعِيَّةُ فَيَقُولُونَ: إنَّ الخاصَّ سَواءٌ كانَ مُتَقَدِّمًا عَلى العامِّ أوْ مُتَأخِّرًا عَنْهُ مُخَصَّصٌ لَهُ؛ لِكَوْنِ العامِّ عِنْدَهم ظَنِّيًّا، والظَّنِّيُّ لا يُعارِضُ القَطْعِيَّ، وقالَ الإمامُ: الَّذِي عِنْدِي أنَّ الآيَةَ لا تَدُلُّ عَلى حُرْمَةِ القِتالِ مُطْلَقًا في الشَّهْرِ الحَرامِ؛ لِأنَّ القِتالَ فِيها نَكِرَةٌ في حَيِّزٍ مُثْبَتٍ فَلا تَعُمُّ، فَلا حاجَةَ حِينَئِذٍ إلى القَوْلِ بِالنَّسْخِ، واعْتُرِضَ بِأنَّها عامَّةٌ لِكَوْنِها مَوْصُوفَةً بِوَصْفٍ عامٍّ أوْ بِقَرِينَةِ المَقامِ، ولَوْ سُلِّمَ فَقِتالُ المُشْرِكِينَ مُرادٌ قَطْعًا؛ لِأنَّ قِتالَ المُسْلِمِينَ حَرامٌ مُطْلَقًا مِن غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالأشْهُرِ الحُرُمِ، وفِيهِ أنّا لا نُسَلِّمُ أنَّها مَوْصُوفَةٌ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ الجارُّ ظَرْفًا لَغْوًا، ولَوْ سُلِّمَ عُمُومُ الوَصْفِ، بَلْ هو مُخَصَّصٌ لَها بِالقِتالِ الواقِعِ في الشَّهْرِ الحَرامِ المُعَيَّنِ، والوَصْفُ المُفِيدُ لِلْعُمُومِ هو الوَصْفُ المُساوِي عُمُومُهُ عُمُومَ الجِنْسِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾، وقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎ولا تَرى الضَّبَّ بِها يَنْجَحِرُ وكَوْنُ الأصْلِ مُطابَقَةُ الجَوابِ لِلسُّؤالِ قَرِينَةٌ عَلى الخُصُوصِ، وكَوْنُ المُرادِ قِتالَ المُشْرِكِينَ عَلى عُمُومِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأنَّ الكَلامَ في القِتالِ المَخْصُوصِ ولَوْ سُلِّمَ عُمُومُها في السُّؤالِ، فَلا نُسَلِّمُ عُمُومَها في الجَوابِ، بِناءً عَلى ما ذَكَرَهُ الرّاغِبُ أنَّ النَّكِرَةَ المَذْكُورَةَ إذا أُعِيدَ ذِكْرُها يُعادُ مُعَرَّفًا؛ نَحْوَ: سَألَتْنِي عَنْ رَجُلٍ والرَّجُلُ كَذا وكَذا، فَفي تَنْكِيرِها هُنا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ كُلَّ قِتالٍ حُكْمُهُ هَذا، فَإنَّ قِتالَ النَّبِيِّ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - لِأهْلِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ هَذا حُكْمُهُ، فَقَدْ «قالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -:“أُحِلَّتْ لِيَ ساعَةٌ مِن نَهارٍ» وحُرْمَةُ قِتالِ المُسْلِمِينَ مُطْلَقًا لا يَخْفى ما فِيهِ؛ لِأنَّ قِتالَ أهْلِ البَغْيِ يَحِلُّ وهم مُسْلِمُونَ، فالإنْصافُ أنَّ القَوْلَ بِالنَّسْخِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، نَعَمْ هو مُمْكِنٌ وبِهِ قالَ تُرْجُمانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُما -، كَما رَواهُ عَنْهُ الضَّحّاكُ، وأخْرَجَ (p-109)ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، أنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ: هَذا شَيْءٌ مَنسُوخٌ، ولا بَأْسَ بِالقِتالِ في الشَّهْرِ الحَرامِ، وخالَفَ عَطاءً في ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ سُئِلَ عَنِ القِتالِ في الشَّهْرِ الحَرامِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ تَعالى ما يَحِلُّ لِلنّاسِ أنْ يَغْزُوا في الحَرَمِ ولا في الشَّهْرِ الحَرامِ، إلّا أنْ يُقاتَلُوا فِيهِ، وجَعَلَ ذَلِكَ حُكْمًا مُسْتَمِرًّا إلى يَوْمِ القِيامَةِ، والأُمَّةُ اليَوْمَ عَلى خِلافِهِ في سائِرِ الأمْصارِ. ﴿وصَدٌّ﴾ أيْ: مَنعٍ وصَرْفٍ ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهو (الإسْلامُ) قالَهُ مُقاتِلٌ، أوِ (الحَجُّ) قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ، أوِ (الهِجْرَةُ) كَما قِيلَ، أوْ (سائِرُ ما يُوصِلُ العَبْدَ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ الطّاعاتِ)، فالإضافَةُ إمّا لِلْعَهْدِ أوْ لِلْجِنْسِ، ﴿وكُفْرٌ بِهِ﴾ أيْ: بِاللَّهِ أوْ بِسَبِيلِهِ، ﴿والمَسْجِدِ الحَرامِ﴾ اخْتارَ أبُو حَيّانَ عَطْفَهُ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ وإنْ لَمْ يَعُدِ الجارُّ، وأجازَ ذَلِكَ الكُوفِيُّونَ ويُونُسُ والأخْفَشُ وأبُو عَلِيٍّ، وهو شائِعٌ في لِسانِ العَرَبِ نَظْمًا ونَثْرًا، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا مَعْنى لِلْكُفْرِ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ، وهو لازِمٌ مِنَ العَطْفِ، وفِيهِ بَحْثٌ؛ إذِ الكُفْرُ قَدْ يُنْسَبُ إلى الأعْيانِ بِاعْتِبارِ الحُكْمِ المُتَعَلِّقِ بِها كَقَوْلِهِ تَعالى:﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ﴾ واخْتارَ القاضِي تَقْدِيرَ مُضافٍ مَعْطُوفٍ عَلى صَدٌّ أيْ: وصَدُّ المَسْجِدِ الحَرامِ عَنِ الطّائِفِينَ والعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ، واعْتُرِضَ بِأنَّ حَذْفَ المُضافِ وإبْقاءَ المُضافِ إلَيْهِ بِحالِهِ مَقْصُورٌ عَلى السَّماعِ، ورُدَّ بِمَنعِ الإطْلاقِ، فَفي التَّسْهِيلِ: إذا كانَ المُضافُ إلَيْهِ إثْرَ عاطِفٍ مُتَّصِلٍ بِهِ أوْ مَفْصُولٍ بِلا سَبْقٍ بِمُضافٍ مِثْلَ المَحْذُوفِ لَفْظًا ومَعْنًى، جازَ حَذْفُ المُضافِ وإبْقاءُ المُضافِ إلَيْهِ عَلى انْجِرارِهِ قِياسًا؛ نَحْوَ: (ما مِثْلَ زَيْدٍ وأبِيهِ يَقُولانِ ذَلِكَ)؛ أيْ: مِثْلَ أبِيهِ، ونَحْوَ: (ما كُلُّ سَوْداءَ تَمْرَةٌ ولا بَيْضاءَ شَحْمَةٌ)، وإذا انْتَفى واحِدٌ مِنَ الشُّرُوطِ كانَ مَقْصُورًا عَلى السَّماعِ، وفِيما نَحْنُ فِيهِ سَبَقَ إضافَةُ مِثْلِ ما حُذِفَ مِنهُ، واخْتارَ الزَّمَخْشَرِيَّ عَطْفَهُ عَلى سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى، واعْتُرِضَ بِأنَّ عَطْفَ ﴿وكُفْرٌ بِهِ﴾ عَلى وصَدٌّ مانِعٌ مِن ذَلِكَ؛ إذْ لا يُقَدَّمُ العَطْفُ عَلى المَوْصُولِ عَلى العَطْفِ عَلى الصِّلَةِ، وذُكِرَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ وجْهانِ؛ أحَدُهُما أنَّ ﴿وكُفْرٌ بِهِ﴾ في مَعْنى الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فالعَطْفُ عَلى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ، كَأنَّهُ قِيلَ: وصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أعْنِي كُفْرًا بِهِ والمَسْجِدِ الحَرامِ، والفاصِلُ لَيْسَ بِأجْنَبِيٍّ، ثانِيهِما أنَّ مَوْضِعَ ﴿وكُفْرٌ بِهِ﴾ عَقِيبَ والمَسْجِدِ الحَرامِ إلّا أنَّهُ قُدِّمَ لِفَرْطِ العِنايَةِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ﴾ حَيْثُ كانَ مِن حَقِّ الكَلامِ: ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ كُفُوًا لَهُ. ولا يَخْفى أنَّ الوَجْهَ الأوَّلَ أُولى؛ لِأنَّ التَّقْدِيمَ لا يُزِيلُ مَحْذُورَ الفَصْلِ ويَزِيدُ مَحْذُورًا آخَرَ، واخْتارَ السَّجاوَنْدِيُّ العَطْفَ عَلى الشَّهْرِ الحَرامِ وضُعِّفَ بِأنَّ القَوْمَ لَمْ يَسْألُوا عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ، واخْتارَ أبُو البَقاءِ كَوْنَهُ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الصَّدُّ؛ أيْ: ويَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ، كَما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ وضُعِّفَ بِأنَّ حَذْفَ حَرْفِ الجَرِّ وبَقاءَ عَمَلِهِ مِمّا لا يَكادُ يُوجَدُ إلّا في الشِّعْرِ، وقِيلَ: إنَّ الواوَ لِلْقَسَمِ وقَعَتْ في أثْناءِ الكَلامِ، وهو كَما تَرى. ﴿وإخْراجُ أهْلِهِ مِنهُ﴾ وهُمُ النَّبِيُّ - صَلّى اللهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - والمُؤْمِنُونَ، وإنَّما كانُوا أهْلَهُ؛ لِأنَّهُمُ القائِمُونَ بِحُقُوقِهِ، وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ أنَّهم يَصِيرُونَ أهْلَهُ في المُسْتَقْبَلِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ. ﴿أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ خَبَرٌ لِلْأشْياءِ المَعْدُودَةِ مِن كَبائِرِ قُرَيْشٍ، و(أفْعَلُ) مَن يَسْتَوِي فِيهِ الواحِدُ والجَمْعُ المَذْكُورُ والمُؤَنَّثُ، والمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ مِمّا فَعَلَتْهُ السَّرِيَّةُ خَطَأً في الِاجْتِهادِ، ووُجُودُ أصْلِ الفِعْلِ في ذَلِكَ الفِعْلِ مَبْنِيٌّ عَلى الزَّعْمِ. ﴿والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ﴾ تَذْيِيلٌ لِما تَقَدَّمَ لِلتَّأْكِيدِ عُطِفَ عَلَيْهِ عَطْفَ الحُكْمِ الكُلِّيِّ عَلى الجُزْئِيِّ؛ أيْ: ما يُفْتَنُ بِهِ المُسْلِمُونَ ويُعَذَّبُونَ بِهِ لِيَكْفُرُوا ﴿أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ مِنَ القَتْلِ وما ذُكِرَ سابِقًا داخِلٌ فِيهِ دُخُولًا أوَّلِيًّا، وقِيلَ: المُرادُ بِالفِتْنَةِ الكُفْرُ، والكَلامُ كُبْرى لِصُغْرى (p-110)مَحْذُوفَةٌ، وقَدْ سِيقَ تَعْلِيلًا لِلْحُكْمِ السّابِقِ ﴿ولا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكم حَتّى يَرُدُّوكم عَنْ دِينِكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى يَسْألُونَكَ بِجامِعِ الِاتِّحادِ في المُسْنَدِ إلَيْهِ إنْ كانَ السّائِلُونَ هُمُ المُشْرِكُونَ، أوْ مُعْتَرِضَةٌ إنْ كانَ السّائِلُونَ غَيْرَهُمْ، والمَقْصُودُ الإخْبارُ بِدَوامِ عَداوَةِ الكُفّارِ بِطَرِيقِ الكِنايَةِ تَحْذِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْهُمْ، وإيقاظًا لَهم إلى عَدَمِ المُبالاةِ بِمُوافَقَتِهِمْ في بَعْضِ الأُمُورِ، وحَتّى لِلتَّعْلِيلِ، والمَعْنى: لا يَزالُونَ يُعادُونَكم لِكَيْ يَرُدُّوكم عَنْ دِينِكُمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِ اسْتَطاعُوا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِما عِنْدَهُ، والتَّعْبِيرُ بِأنَّ لِاسْتِبْعادِ اسْتِطاعَتِهِمْ، وأنَّها لا تَجُوزُ إلّا عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ، كَما يُفْرَضُ المُحالُ، وفائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ التَّنْبِيهُ عَلى سَخافَةِ عُقُولِهِمْ، وكَوْنُ دَوامِ عَداوَتِهِمْ فِعْلًا عَبَثًا لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الغَرَضُ، ولَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِـ(لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ)؛ إذْ لا مَعْنى لِدَوامِهِمْ عَلى العَداوَةِ إنِ اسْتَطاعُوها لَكِنَّها مُسْتَبْعَدَةٌ. وذَهَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ إلى أنَّ حَتّى لِلْغايَةِ، والتَّقْيِيدُ بِالشَّرْطِ حِينَئِذٍ لِإفادَةِ أنَّ الغايَةَ مُسْتَبْعَدَةُ الوُقُوعِ والتَّقْيِيدُ بِالغايَةِ المُمْتَنِعُ وُقُوعُها شائِعٌ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ﴾ وفِيهِ أنَّ اسْتِبْعادِ وُقُوعِ الغايَةِ مِمّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَدَمُ انْقِطاعِ العَداوَةِ، وقَدْ أفادَهُ صَدْرُ الكَلامِ، والقَوْلُ بِالتَّأْكِيدِ غَيْرُ أكِيدٍ، نَعَمْ يُمْكِنُ الحَمْلُ عَلى الغايَةِ لَوْ أُرِيدَ مِنَ المُقاتَلَةِ مَعْناها الحَقِيقِيُّ، ويَكُونُ الشَّرْطُ مُتَعَلِّقًا بِـ(لا يَزالُونَ) فَيُفِيدُ التَّقْيِيدُ أنَّ تَرْكَهُمُ المُقاتِلَةَ في بَعْضِ الأوْقاتِ لِعَدَمِ اسْتِطاعَتِهِمْ، إلّا أنَّ المَعْنى حِينَئِذٍ يَكُونُ مُبْتَذَلًا كَما لا يَخْفى. ﴿ومَن يَرْتَدِدْ مِنكم عَنْ دِينِهِ﴾ الحَقِّ بِإضْلالِهِمْ وإغْوائِهِمْ أوِ الخَوْفِ مِن عَداوَتِهِمْ ﴿فَيَمُتْ وهو كافِرٌ﴾ بِأنْ لَمْ يَرْجِعْ إلى الإسْلامِ ﴿فَأُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المَوْصُولِ بِاعْتِبارِ اتَّصافِهِ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ مِنَ الِارْتِدادِ والمَوْتِ عَلى الكُفْرِ وما فِيهِ مِنَ البُعْدِ؛ لِلْإشْعارِ بِبُعْدِ مَنزِلَةِ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ في الشَّرِّ والفَسادِ، والجَمْعُ والإفْرادُ نَظَرًا لِلَّفْظِ والمَعْنى ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ أيْ: صارَتْ أعْمالُهُمُ الحَسَنَةُ الَّتِي عَمِلُوها في حالَةِ الإسْلامِ فاسِدَةً بِمَنزِلَةِ ما لَمْ تَكُنْ، قِيلَ: وأصْلُ الحَبَطِ فَسادٌ يَلْحَقُ الماشِيَةَ لِأكْلِ الحُباطِ، وهو ضَرْبٌ مِنَ الكَلَأِ مُضِرٌّ، وفي النِّهايَةِ أحْبَطَ اللَّهُ - تَعالى - عَمَلَهُ أبْطَلَهُ، يُقالُ: حَبِطَ عَمَلُهُ وأحْبَطَ وأحْبَطَهُ غَيْرُهُ، وهو مِن قَوْلِهِمْ: حَبِطَتِ الدّابَّةُ حَبَطا بِالتَّحْرِيكِ إذا أصابَتْ مَرْعًى طَيِّبًا فَأفْرَطَتْ في الأكْلِ حَتّى تَنْتَفِخَ فَتَمُوتَ، وقُرِئَ: (حَبَطَتْ) بِالفَتْحِ، وهو لُغَةٌ فِيهِ. ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ لِبُطْلانِ ما تَخَيَّلُوهُ وفَواتِ ما لِلْإسْلامِ مِنَ الفَوائِدِ في الأُولى وسُقُوطِ الثَّوابِ في الأُخْرى. ﴿وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ 227﴾ كَسائِرِ الكَفَرَةِ، ولا يُغْنِي عَنْهم إيمانُهُمُ السّابِقُ عَلى الرِّدَّةِ شَيْئًا، واسْتَدَلَّ الشّافِعِيُّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ الرِّدَّةَ لا تُحْبِطُ الأعْمالَ حَتّى يَمُوتَ عَلَيْها، وذَلِكَ بِناءً عَلى أنَّها لَوْ أحْبَطَتْ مُطْلَقًا لَما كانَ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَيَمُتْ وهو كافِرٌ﴾ فائِدَةٌ، والقَوْلُ بِأنَّ فائِدَتَهُ أنَّ (إحْباطَ) جَمِيعِ الأعْمالِ حَتّى لا يَكُونَ لَهُ عَمَلٌ أصْلًا مَوْقُوفٌ عَلى المَوْتِ عَلى الكُفْرِ، حَتّى لَوْ ماتَ مُؤْمِنًا (لا يُحْبِطُ) إيمانَهُ، ولا عَمَلٌ يُقارِنُهُ، وذَلِكَ لا يُنافِي إحْباطَ الأعْمالِ السّابِقَةِ عَلى الِارْتِدادِ بِمُجَرَّدٍ الِارْتِدادِ مِمّا لا يَعْنِي لَهُ؛ لِأنَّ المُرادَ مِنَ الأعْمالِ في الآيَةِ الأعْمالُ السّابِقَةُ عَلى الِارْتِدادِ؛ إذْ لا مَعْنى لِحُبُوطِ ما لَمْ يَفْعَلْ، فَحِينَئِذٍ لا يَتَأتّى هَذا القَوْلُ كَما لا يَخْفى، وقِيلَ: بِناءً عَلى أنَّهُ جَعَلَ المَوْتَ عَلَيْها شَرْطًا في الإحْباطِ، وعِنْدَ انْتِفاءِ الشَّرْطِ يَنْتَفِي المَشْرُوطُ، واعْتُرِضَ بِأنَّ الشَّرْطَ النَّحْوِيَّ والتَّعْلِيقِيَّ لَيْسَ بِهَذا المَعْنى، بَلْ غايَتُهُ السَّبَبِيَّةُ والمَلْزُومِيَّةُ وانْتِفاءُ السَّبَبِ أوِ المَلْزُومِ لا يُوجِبُ انْتِفاءَ المُسَبِّبِ أوِ اللّازِمِ لِجَوازِ تَعَدُّدِ الأسْبابِ، ولَوْ كانَ شَرْطًا بِهَذا المَعْنى لَمْ يُتَصَوَّرِ اخْتِلافُ القَوْلِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ، وذَهَبَ إمامُنا أبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ - إلى أنَّ مُجَرَّدَ الِارْتِدادِ يُوجِبُ الإحْباطَ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن يَكْفُرْ بِالإيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ وما اسْتَدَلَّ بِهِ الشّافِعِيُّ لَيْسَ صَرِيحًا في المَقْصُودِ؛ لِأنَّهُ إنَّما يَتِمُّ إذا (p-111)كانَتْ جُمْلَةُ ( وأُولَئِكَ ) إلَخْ تَذْيِيلًا مَعْطُوفَةً عَلى الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وأمّا لَوْ كانَتْ مَعْطُوفَةً عَلى (الجَزاءِ) وكانَ مَجْمُوعُ الإحْباطِ والخُلُودِ في النّارِ مُرَتَّبًا عَلى المَوْتِ عَلى الرِّدَّةِ، فَلا نُسَلِّمُ تَمامِيَّتَهُ، ومَن زَعَمَ ذَلِكَ اعْتَرَضَ عَلى الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ - بِأنَّ اللّازِمَ عَلَيْهِ حَمْلُ المُطْلَقِ عَلى المُقَيَّدِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وأُجِيبَ بِأنَّ حَمْلَ المُطْلَقِ عَلى المُقَيَّدِ مَشْرُوطٌ عِنْدَهُ بِكَوْنِ الإطْلاقِ والتَّقْيِيدِ في الحُكْمِ واتِّحادِ الحادِثَةِ، وما هُنا في السَّبَبِ، فَلا يَجُوزُ الحَمْلُ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ المُطْلَقُ سَبَبًا كالمُقَيَّدِ، وثَمَرَةُ الخِلافِ عَلى ما قِيلَ تَظْهَرُ فِيمَن صَلّى ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أسْلَمَ، والوَقْتُ باقٍ، فَإنَّهُ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الإمامِ قَضاءُ الصَّلاةِ خِلافًا لِلشّافِعِيِّ وكَذا الحَجِّ، واخْتَلَفَ الشّافِعِيُّونَ فِيمَن رَجَعَ إلى الإسْلامِ بَعْدَ الرِّدَّةِ، هَلْ يَرْجِعُ لَهُ عَمَلُهُ بِثَوابِهِ أمْ لا؟ فَذَهَبَ بَعْضٌ إلى الأوَّلِ فِيما عَدا الصُّحْبَةَ، فَإنَّها تَرْجِعُ مُجَرَّدَةً عَنِ الثَّوابِ، وذَهَبَ الجُلُّ إلى الثّانِي، وأنَّ أعْمالَهُ تَعُودُ بِلا ثَوابٍ، ولا فَرْقَ بَيْنَ الصُّحْبَةِ وغَيْرِها، ولَعَلَّ ذَلِكَ هو المُعْتَمَدُ في المَذْهَبِ فافْهَمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب