الباحث القرآني

﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ الضَّمِيرُ لِلنّاسِ والعُدُولُ عَنِ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وحَقِّهِمْ لَيْسُوا أهْلًا لِلْخِطابِ، بَلْ يَنْبَغِي أنْ يُصْرَفَ عَنْهم إلى مَن يَعْقِلُهُ، وفِيهِ مِنَ النِّداءِ لِكُلِّ أحَدٍ مِنَ العُقَلاءِ عَلى ضَلالَتِهِمْ ما لَيْسَ إذا خُوطِبُوا بِذَلِكَ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْيَهُودِ، وإنْ لَمْ يَذْكُرُوا بِناءً عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ لَمّا دَعاهم رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - إلى الإسْلامِ، وقِيلَ: إنَّهُ راجِعٌ إلى مَن يَتَّخِذُ أوْ إلى المَفْهُومِ مِن أنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنِفَةٌ بِناءً عَلى ما رُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في المُشْرِكِينَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ النُّزُولَ في حَقِّ اليَهُودِ أوِ المُشْرِكِينَ لا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الضَّمِيرِ بِهِمْ، وقَدْ شاعَ أنَّ عُمُومَ المَرْجِعِ لا يَقْتَضِي عُمُومَ الضَّمِيرِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ عَلى أنَّ نَظْمَ القُرْآنِ الكَرِيمِ يَأْبى هَذا القِيلَ، والمَوْصُولُ إمّا عامٌّ لِسائِرِ الأحْكامِ الحَقَّةِ المُنَزَّلَةِ مِنَ اللَّهِ - تَعالى -، وإمّا خاصٌّ بِما يَقْتَضِيهِ المَقامُ ﴿قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما ألْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا﴾ أيْ: وجَدْناهم عَلَيْهِ، والظَّرْفُ إمّا حالٌ مِن آبائِنا، وألْفَيْنا مُتَعَدٍّ إلى واحِدٍ، وإمّا مَفْعُولٌ ثانٍ لَهُ مُقَدَّمٌ عَلى الأوَّلِ. ﴿أوَلَوْ كانَ آباؤُهم لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ 170﴾ جَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: لَوْ كانَ آباؤُهم جَهَلَةً لا يَتَفَكَّرُونَ في أمْرِ الدِّينِ، ولا يَهْتَدُونَ إلى الحَقِّ لاتَّبَعُوهُمْ، والواوُ لِلْحالِ أوْ لِلْعَطْفِ، والجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ إمّا حالٌ عَنْ ضَمِيرِ (قالُوا) أوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِ، والهَمْزَةُ لِإنْكارِ مَضْمُونِ تِلْكَ الجُمْلَةِ، وهو التِزامُهم الِاتِّباعَ عَلى تَقْدِيرٍ يُنافِيهِ، وهو كَوْنُهم غَيْرَ عاقِلِينَ ولا مُهْتَدِينَ المُسْتَلْزَمُ لِالتِزامِهِمْ الِاتِّباعَ عَلى أيِّ حالٍ كانُوا مِن غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وعِلْمٍ بِكَوْنِهِمْ مُحِقِّينَ أوْ مُبْطِلِينَ، وهو التَّقْلِيدُ المَذْمُومُ، ويَتَوَلَّدُ مِن ذَلِكَ الإنْكارِ التَّعْجِيبُ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ حالًا عَنْ ضَمِيرِ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ؛ أيْ: أيَتَّبِعُونَهم في حالِ فَرْضِهِمْ غَيْرَ عاقِلِينَ ولا مُهْتَدِينَ، وأنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى شَرْطٍ مُقَدَّرٍ؛ أيْ: يَتَّبِعُونَهم لَوْ لَمْ يَكُونُوا غَيْرَ عاقِلِينَ، ولَوْ كانُوا غَيْرَ عاقِلِينَ، وإلى الأوَّلِ ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وإلى الثّانِي الجُرْمِيُّ، ولا يَخْفى أنَّهُ عَلى تَقْدِيرِ حَذْفِ الجُمْلَةِ المُتَقَدِّمَةِ لا يَحْتاجُ إلى القَوْلِ بِحَذْفِ الجَزاءِ، ولَعَلَّ ما ذُكِرَ أوَّلًا أوْلى لِما فِيهِ مِنَ التَّحَرُّزِ عَنْ كَثْرَةِ الحَذْفِ وإبْقاءِ ( لَوْ ) عَلى مَعْناها المَشْهُورِ، والهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِيَّةِ عَلى أصْلِها - وهو إيلاءُ المَسْؤُولِ عَنْهُ - وكَوْنُ المَعْنى يَدُورُ عَلى العَطْفِ عَلى المَحْذُوفِ في أمْثالِ ذَلِكَ في سائِرِ اللُّغاتِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ، واخْتارَ الرَّضِيُّ أنَّ ( الواوَ ) الدّاخِلَةَ عَلى كَلِمَةِ الشَّرْطِ في مِثْلِ هَذا اعْتِراضِيَّةٌ، وعُنِيَ بِالجُمْلَةِ الِاعْتِراضِيَّةِ ما يَتَوَسَّطُ بَيْنَ أجْزاءِ الكَلامِ، أوْ يَجِيءُ آخِرُهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ مَعْنًى مُسْتَأْنِفًا لَفْظًا، قِيلَ: وفي الآيَةِ دَلِيلٌ (p-41)عَلى المَنعِ مِنَ التَّقْلِيدِ لِمَن قَدَرَ عَلى النَّظَرِ، وأمّا اتِّباعُ الغَيْرِ في الدِّينِ بَعْدَ العِلْمِ بِدَلِيلٍ ما إنَّهُ مُحِقٌّ فاتِّباعٌ في الحَقِيقَةِ لِما أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى - ولَيْسَ مِنَ التَّقْلِيدِ المَذْمُومِ في شَيْءٍ - وقَدْ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب