الباحث القرآني

﴿إذْ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ بَدَلٌ مِن ﴿إذْ يَرَوْنَ﴾ مُطْلَقًا، وجازَ الفَصْلُ بَيْنَ البَدَلِ والمُبْدَلِ مِنهُ بِالجَوابِ ومُتَعَلِّقِهِ لِطُولِ البَدَلِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِـ (شَدِيدِ العَذابِ) أوْ مَفْعُولًا (لِاذْكُرُوا ) وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ بَدَلٌ مِن مَفْعُولِ ( تَرى ) عَلى قِراءَةِ الخِطابِ، كَما أنَّ (إذْ يَرَوْنَ) بَدَلٌ مِنهُ أيْضًا، و(أنَّ القُوَّةَ) في مَوْضِعِ بَدَلِ الِاشْتِمالِ مِنَ (العَذابِ)، ولا يَخْفى أنَّ هَذا يَقْتَضِي جَوازَ تَعَدُّدِ البَدَلِ، ولَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهِ في شَيْءٍ مِن كُتُبِ النَّحْوِ، وأيْضًا يُرَدُّ عَلَيْهِ أنَّ المُبْدَلَ مِنهُ في بَدَلِ الِاشْتِمالِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُتَقاضِيًا لِلْبَدَلِ دالًّا عَلَيْهِ إجْمالًا، وأنْ يَكُونَ البَدَلُ مُشْتَمِلًا عَلى ضَمِيرِ المُبْدَلِ مِنهُ - وكِلاهُما مَفْقُودانِ - والمَعْنى: ﴿إذْ تَبَرَّأ﴾ الرُّؤَساءُ المُتَّبَعُونَ ﴿مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ أيِ: المَرْءُوسِينَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿تَبَرَّأْنا إلَيْكَ ما كانُوا إيّانا يَعْبُدُونَ﴾ وقَرَأ مُجاهِدٌ ( الأوَّلَ ) عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، ( والثّانِي ) عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أيْ: تَبَرَّأ الأتْباعُ وانْفَصَلُوا عَنْ مَتْبُوعِيهِمْ، ونَدِمُوا عَلى عِبادَتِهِمْ، ﴿ورَأوُا العَذابَ﴾ حالٌ مِنَ الأتْباعِ والمَتْبُوعِينَ، كَما في لَقِيتُهُ راكِبِينَ؛ أيْ: رائِينَ لَهُ، فالواوُ لِلْحالِ، و( قَدْ ) مُضْمَرَةٌ، وقِيلَ: عَطْفٌ عَلى تَبْرَأُ وفِيهِ أنَّهُ يُؤَدِّي إلى إبْدالِ ( إذْ رَأوُا العَذابَ ) مِن ﴿إذْ يَرَوْنَ العَذابَ﴾ ولَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ فائِدَةٍ؛ لِأنَّ فاعِلَ الفِعْلَيْنِ - وإنْ كانا مُتَغايِرَيْنِ - إلّا أنَّ تَهْوِيلَ الوَقْتِ بِاعْتِبارِ ما وقَعَ فِيهِ، وهو رُؤْيَةُ العَذابِ؛ ولِأنَّ الحَقِيقَ بِالِاسْتِفْظاعِ هو تَبَرُّؤُهم حالَ رُؤْيَةِ العَذابِ، لا هو نَفْسُهُ، وأُجِيبَ أنَّ البَدَلَ الوَقْتُ المُضافُ إلى الأمْرَيْنِ، والمُبْدَلَ مِنهُ الوَقْتُ المُضافُ إلى واحِدٌ، وهو الرُّؤْيَةُ فَقَطْ، وفِيهِ أنَّ هَذا أيْضًا لا يَخْرُجُ ذَلِكَ عَنِ الرَّكاكَةِ؛ إذْ بَعْدَ تَهْوِيلِ الوَقْتِ بِإضافَتِهِ إلى ( رُؤْيَةِ العَذابِ ) لا حاجَةَ إلى جَمْعِها مَعَ التَّبَرِّي بِخِلافِ ما إذا جُعِلَ حالًا، فَإنَّ البَدَلَ هو التَّبَرُّؤُ الواقِعُ في حالِ رُؤْيَةِ العَذابِ. ﴿وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ 166﴾ إمّا عَطْفٌ عَلى (تَبَرَّأ) أوْ (رَأوْا) أوْ حالٌ، ورُجِّحَ الأوَّلُ؛ لِأنَّ (p-36)الأصْلَ في ( الواوِ ) العَطْفُ، وفي الجُمْلَةِ الِاسْتِقْلالُ، ولِإفادَتِهِ تَكْثِيرَ أسْبابِ التَّهْوِيلِ والِاسْتِفْظاعِ، مَعَ عَدَمِ الِاحْتِياجِ إلى تَقْدِيرِ ( قَدْ ) والباءِ مِن ( بِهِمْ ) لِلسَّبَبِيَّةِ؛ أيْ تَقَطَّعَتْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمُ الأسْباب الَّتِي كانُوا يَرْجُونَ مِنها النَّجاةَ، وقِيلَ: لِلْمُلابَسَةِ؛ أيْ: تَقَطَّعَتِ الأسْبابُ مَوْصُولَةً بِهِمْ؛ كَقَوْلِكَ: خَرَجَ زَيْدٌ بِثِيابِهِ، وقِيلَ: بِمَعْنى ( عَنْ )، وقِيلَ: لِلتَّعْدِيَةِ؛ أيْ: قَطَعَتْهُمُ الأسْبابُ، كَما تَقُولُ: تَفَرَّقَتْ بِهِمُ الطَّرِيقُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ﴾ وأصْلُ ( السَّبَبِ ) الحَبْلُ مُطْلَقًا، أوِ الحَبْلُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى الماءِ، أوِ الحَبْلُ الَّذِي أحَدُ طَرَفَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّقْفِ، أوِ الحَبْلُ الَّذِي يُرْتَقى بِهِ النَّخْلُ. والمُرادُ بِـ ( الأسْباب ) هُنا الوُصَلُ الَّتِي كانَتْ بَيْنَ الأتْباعِ والمَتْبُوعِينَ في الدُّنْيا مِنَ الأنْسابِ والمَحابِّ، والِاتِّفاقِ عَلى الدِّينِ، والِاتِّباعِ والِاسْتِتْباعِ، وقُرِئَ ( تَقَطَّعَتْ ) بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ و( تَقَطَّعَ ) جاءَ لازِمًا ومُتَعَدِّيًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب