الباحث القرآني
﴿وإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾: نَزَلَتْ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ لَمّا قالَ كُفّارُ قُرَيْشٍ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: صِفْ لَنا رَبَّكَ. والخِطابُ عامٌّ لِكُلِّ مَن يَصِحُّ أنْ يُخاطَبَ كَما هو الظّاهِرُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِشَأْنِ النُّزُولِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ عَطَفَ القِصَّةَ عَلى القِصَّةِ، والجامِعُ أنَّ الأُولى مَسُوقَةٌ لِإثْباتِ نُبُوَّتِهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، وهَذِهِ لِإثْباتِ وحْدانِيَّتِهِ - تَعالى - وقِيلَ: الخِطابُ لِلْكاتِمِينَ، وفِيهِ انْتِقالٌ عَنْ زَجْرِهِمْ عَمّا يُعامِلُونَ رَسُولَهم إلى زَجْرِهِمْ عَنْ مُعامَلَتِهِمْ رَبِّهِمْ؛ حَيْثُ يَكْتُمُونَ وحْدانِيَّتَهُ، ويَقُولُونَ: عُزَيْرٌ وعِيسى ابْنانِ لِلَّهِ - عَزِّ وجَلَّ -، وفِيهِ أنَّهُ وإنْ حَسُنَ الِانْتِظامُ إلّا أنَّهُ فِيهِ خُرُوجٌ شَأْنَ النُّزُولِ عَنِ الآيَةِ - وهو باطِلٌ - وإضافَةُ ( إلَهٍ ) إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ بِاعْتِبارِ الِاسْتِحْقاقِ لا بِاعْتِبارِ الوُقُوعِ، فَإنَّ الآلِهَةَ غَيْرُ المُسْتَحَقَّةِ كَثِيرَةٌ، وإعادَةُ (p-30)لَفْظِ ( إلَهٍ ) وتَوْصِيفُهُ بِالوَحْدَةِ لِإفادَةِ أنَّ المُعْتَبَرَ الوَحْدَةُ في الأُلُوهِيَّةِ، واسْتِحْقاقُ العِبادَةِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَكَفى ﴿وإلَهُكم واحِدٌ﴾ فَهو بِمَنزِلَةِ وصْفِهِمُ الرَّجُلَ بِأنَّهُ سَيِّدٌ واحِدٌ وعالِمٌ واحِدٌ. وقالَ أبُو البَقاءِ: ( إلَهٌ ) خَبَرُ المُبْتَدَأِ، و( واحِدٌ ) صِفَةٌ لَهُ، والغَرَضُ هُنا هو الصِّفَةُ؛ إذْ لَوْ قالَ: وإلَهُكم واحِدٌ، لَكانَ هو المَقْصُودُ إلّا أنَّ في ذِكْرِهِ زِيادَةَ تَأْكِيدٍ، وهَذا يُشْبِهُ الحالَ المُوَطِّئَةَ كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ رَجُلًا صالِحًا، وكَقَوْلِكَ في الخَبَرِ: زَيْدٌ شَخْصٌ صالِحٌ، ولَعَلَّ الأوَّلَ ألْطَفُ، وأكْثَرُ النّاسِ عَلى أنَّ الواحِدَ هُنا بِمَعْنى لا نَظِيرَ لَهُ ولا شَبِيهَ في ذاتِهِ ولا في صِفاتِهِ ولا في أفْعالِهِ، وقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِهِ ما لَيْسَ بِذِي أبْعاضٍ، ولا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِانْقِسامُ، ولا يَحْتَمِلُ التَّجْزِئَةَ أصْلًا، ولَيْسَ المَعْنى بِهِ هُنا مَبْدَأ العَدَدِ، وأصَحُّ الأقْوالِ عِنْدَ ذَوِي العُقُولِ السَّلِيمَةِ أنَّهُ الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ ولا شَبِيهَ لَهُ في اسْتِحْقاقِ العِبادَةِ، وهو مُسْتَلْزِمٌ لِكُلِّ كَمالٍ آبَ عَمّا فِيهِ أدْنى وصْمَةٍ وإخْلالٍ.
﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾: خَبَرٌ ثانٍ لِلْمُبْتَدَأِ أوْ صِفَةٌ أُخْرى لِلْخَبَرِ أوْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، وعَلى أيِّ تَقْدِيرٍ هو مُقَرِّرٌ لِلْوَحْدانِيَّةِ ومُزِيحٌ - عَلى ما قِيلَ - لِما عَسى أنْ يُتَوَهَّمَ أنَّ في الوُجُودِ إلَهًا، لَكِنْ لا يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ، والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ عَلى الصَّحِيحِ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في الخَبَرِ المَحْذُوفِ، فَهو بَدَلٌ مَرْفُوعٌ مِن ضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ، وقَدِ اخْتُلِفَ في المَنفِيِّ: هَلِ المَعْبُودُ بِحَقٍّ أوِ المَعْبُودُ بِباطِلٍ، فَقالَ مُحَمَّدٌ الشِّيشِينِيُّ: النَّفْيُ إنَّما تَسَلَّطَ عَلى الآلِهَةِ المَعْبُودَةِ بِباطِلٍ تَنْزِيلًا لَها مَنزِلَةَ العَدَمِ، وقالَ عَبْدُ اللَّهِ الهَبَطِيُّ: إنَّما تَسَلَّطَ عَلى الآلِهَةِ المَعْبُودَةِ بِحَقٍّ، ولِكُلٍّ انْتَصَرَ بَعْضٌ، وذَكَرَ المَلَّوِيُّ أنَّ الحَقَّ مَعَ الثّانِي؛ لِأنَّ المَعْبُودَ بِباطِلٍ لَهُ وُجُودٌ في الخارِجِ، ووُجُودٌ في ذِهْنِ المُؤْمِنِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ باطِلًا، ووُجُودٌ في ذِهْنِ الكافِرِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ حَقًّا، فَهو مِن حَيْثُ وُجُودِهِ في الخارِجِ في نَفْسِهِ لا تُنْفى؛ لِأنَّ الذّاتَ لا تُنْفى، وكَذا مِن حَيْثُ كَوْنُهُ مَعْبُودًا بِباطِلٍ لا يُنْفى أيْضًا؛ إذْ كَوْنُهُ مَعْبُودًا بِباطِلٍ أمْرٌ حَقٌّ لا يَصِحُّ نَفْيُهُ، وإلّا كانَ كَذِبًا، وإنَّما يُنْفى مِن حَيْثُ وُجُودُهُ في ذِهْنِ الكافِرِ مِن حَيْثُ وُجُودُهُ في ذِهْنِهِ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مَعْبُودًا بِحَقٍّ، فالمَعْبُوداتُ الباطِلَةُ لَمْ تُنْفَ إلّا مِن حَيْثُ كَوْنُها مَعْبُودَةً بِحَقٍّ، فَلَمْ يُنْفَ في هَذِهِ الكَلِمَةِ إلّا المَعْبُودُ بِحَقِّ غَيْرُهُ - تَعالى - فافْهَمْ، وسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ما في هَذِهِ الكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ في مَحَلِّهِ - إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى - .
﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 163﴾: خَبَرانِ آخَرانِ بَعْدَ خَبَرٍ أوْ خَبَرَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ( إلَهكم ) أوْ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ، أوْ بَدَلانِ عَلى رَأْيٍ، وجِيءَ بِهِما لِتَمْيِيزِ الذّاتِ المَوْصُوفَةِ بِالوَحْدَةِ عَمّا سِواهُ، ولِيَكُونَ الجَوابُ مُوافِقًا لِما سَألُوهُ، وفي ذَلِكَ إشارَةٌ إلى حُجَّةِ الوَحْدانِيَّةِ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ مَوْلى النِّعَمِ كُلِّها أُصُولًا وفُرُوعًا دُنْيا وأُخْرى، وما سِواهُ إمّا خَيْرٌ مَحْضٌ أوْ خَيْرٌ غالِبٌ، وهو إمّا نِعْمَةٌ أوْ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ العِبادَةَ أحَدٌ غَيْرُهُ لِاسْتِواءِ الكُلِّ في الِاحْتِياجِ إلَيْهِ - تَعالى - في الوُجُودِ، وما يَتْبَعُهُ مِنَ الكِمالاتِ.
{"ayah":"وَإِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











