الباحث القرآني
﴿إلا الَّذِينَ تابُوا﴾ أيْ: رَجَعُوا عَنِ الكِتْمانِ أوْ عَنْهُ، وعَنْ سائِرِ ما يَجِبُ أنْ يُتابَ عَنْهُ بِناءً عَلى أنَّ حَذْفَ المَعْمُولِ يُفِيدُ العُمُومَ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ التَّوْبَةَ عَنِ الكِتْمانِ فَقَطْ لا يُوجِبُ صَرْفَ اللَّعْنِ عَنْهم ما لَمْ يَتُوبُوا عَنِ الجَمِيعِ، فَإنَّ لِلَعْنِهِمْ أسْبابًا جَمَّةً.
﴿وأصْلَحُوا﴾ ما أفْسَدُوا بِالتَّدارُكِ فِيما يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الحَقِّ والخَلْقِ، ومِن ذَلِكَ أنْ يُصْلِحُوا قَوْمَهم بِالإرْشادِ إلى الإسْلامِ بَعْدَ الإضْلالِ، وأنْ يُزِيلُوا الكَلامَ المُحَرَّفَ، ويَكْتُبُوا مَكانَهُ ما كانُوا أزالُوهُ عِنْدَ التَّحْرِيفِ.
﴿وبَيَّنُوا﴾ أيْ: أظْهَرُوا ما بَيَّنَهُ اللَّهُ – تَعالى - لِلنّاسِ مُعايَنَةً وبِهَذَيْنَ الأمْرَيْنِ تَتِمُّ التَّوْبَةُ، وقِيلَ: أظْهَرُوا ما أحْدَثُوهُ مِنَ التَّوْبَةِ لِيَمْحُوا سِمَةَ الكُفْرِ عَنْ أنْفُسِهِمْ، ويَقْتَدِي بِهِمْ أضْرابُهُمْ، فَإنَّ إظْهارَ التَّوْبَةِ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ شَرْطٌ فِيها عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ بَعْضُ الآثارِ، وفِيهِ أنَّ الصَّحِيحَ أنَّ إظْهارَ التَّوْبَةِ إنَّما هو لِدَفْعِ مَعْصِيَةِ المُتابَعَةِ، ولَيْسَ شَرْطًا في التَّوْبَةِ عَنْ أصْلِ المَعْصِيَةِ، فَهو داخِلٌ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأصْلَحُوا﴾ .
﴿فَأُولَئِكَ أتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ بِالقَبُولِ وإفاضَةِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ.
﴿وأنا التَّوّابُ الرَّحِيمُ 160﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ تَذْيِيلٌ لَهُ، والِالتِفاتُ إلى التَّكَلُّمِ لِلِافْتِنانِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ الرَّمْزِ إلى اخْتِلافِ مَبْدَأٍ، فَعَلَيْهِ السّابِقُ واللّاحِقُ.
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وماتُوا وهم كُفّارٌ﴾: المَوْصُولُ لِلْعَهْدِ كَما هو الأصْلُ، والمُرادُ بِهِ الَّذِينَ كَتَمُوا، وعَبَّرَ عَنِ الكِتْمانِ بِالكُفْرِ نَعْيًا عَلَيْهِمْ بِهِ، والجُمْلَةُ عَدِيلَةٌ لِما فِيها. ( إلّا ) ولَمْ تُعْطَفْ عَلَيْها إشارَةً إلى كَمالِ التَّبايُنِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ، والآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلى الجَمْعِ والتَّفْرِيقِ جَمْعَ الكاتِمِينَ في حُكْمٍ واحِدٍ، وهو أنَّهم مَلْعُونُونَ، ثُمَّ فَرَّقَ فَقالَ: أمّا الَّذِينَ تابُوا فَقَدْ تابَ اللَّهُ – تَعالى - عَلَيْهِمْ، وأزالَ عَنْهم عُقُوبَةَ اللَّعْنَةِ، وأمّا الَّذِينَ ماتُوا عَلى الكِتْمانِ ولَمْ يَتُوبُوا عَنْهُ فَقَدِ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةُ، ولَمْ تَزُلْ عَنْهم. وأوْرَدَ كَلِمَةَ الِاسْتِثْناءِ في الجُمْلَةِ الأوْلى، مَعَ أنَّهُ لَيْسَ لِلْإخْراجِ عَنِ الحُكْمِ السّابِقِ، بَلْ هو بِمَعْنى ( لَكِنْ ) لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ التَّوْبَةَ صارَتْ مُكَفِّرَةً لِلَّعْنِ عَنْهُمْ، فَكَأنَّهم لَمْ يُباشَرُوا ولَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَهُ - قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ - وفِيهِ ارْتِكابُ خِلافِ الظّاهِرِ في الِاسْتِثْناءِ، ولِهَذا قالَ البَعْضُ: إنَّ المُرادَ بِالجُمْلَةِ المُسْتَثْنى مِنها بَيانُ دَوامِ اللَّعْنِ واسْتِمْرارُهُ، وعَلَيْهِ يَدُورُ الِاسْتِثْناءُ المُتَّصِلُ، وجُمْلَةُ ( إنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ) إلَخْ مُسْتَأْنِفَةٌ سِيقَتْ لِتَحْقِيقِ بَقاءِ اللَّعْنِ فِيما وراءَ الِاسْتِثْناءِ، وتَأْكِيدِ دَوامِهِ واسْتِمْرارِهِ عَلى غَيْرِ التّائِبِينَ، والِاقْتِصارِ عَلى ذِكْرِ الكُفْرِ في الصِّلَةِ مِن غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَمِ التَّوْبَةِ والإصْلاحِ، والتَّبْيِينُ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ وُجُودَ الكُفْرِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِها جَمِيعِها، كَما أنَّ وُجُودَها مُسْتَلْزِمٌ لِلْإيمانِ المُوجِبِ لِعَدَمِ الكُفْرِ، ولِذا لَمْ يُصَرِّحْ بِالإيمانِ في صِفاتِ التّائِبِينَ، والفَرْقُ بَيْنَ الدَّوامَيْنِ أنَّ الأوَّلَ تُجَدُّدِيٌّ، والثّانِي ثُبُوتِيٌّ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا أوْفَقُ بِظاهِرِ اللَّفْظِ، وما ذَكَرَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أجْزَلُ مَعْنًى وأعْلى كَعْبًا وأدَقُّ نَظَرًا، وقِيلَ: المَوْصُولُ عامٌّ للَّذِينَ كَتَمُوا وغَيْرَهم كَما يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ الصِّلَةِ، والآيَةُ مِن بابِ التَّذْيِيلِ، فَيَدْخُلُ الكاتِمُونَ الَّذِينَ ماتُوا عَلى الكِتْمانِ دُخُولًا أوَّلِيًّا، واعْتُرِضَ بِأنَّ تَقْيِيدَ الوَعِيدِ بِعَدَمِ التَّخْفِيفِ أعْدَلُ شاهِدٍ عَلى أنَّ الآيَةَ في شَأْنِ الكاتِمِينَ الَّذِينَ ماتُوا عَلى ذَلِكَ؛ لِأنَّهم أشَدُّ الكَفَرَةِ وأخْبَثُهُمْ، فَإنَّ الوَعِيدَ في حَقِّ الكَفَرَةِ مُطْلَقُ الخُلُودِ في النّارِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا في حَيِّزِ المَنعِ، بَلْ ما مِن كافِرٍ جَهَنَّمِيٍّ إلّا وحالُهُ يَوْمَ القِيامَةِ طِبْقُ ما ذُكِرَ في الآيَةِ، ولا أظُنُّكَ في مِرْيَةٍ مِن ذَلِكَ بَعْدَ سَماعِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ المُجْرِمِينَ في عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ﴾ ﴿لا يُفَتَّرُ عَنْهم وهم فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ فَلا يَبْعُدُ القَوْلُ بِحُسْنِ هَذا القِيلِ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الإمامُ، وكَلامُ الطِّيبِيِّ يُشِيرُ إلى حُسْنِهِ وطِيبِهِ فَتَدَبَّرْ.
{"ayah":"إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ وَأَصۡلَحُوا۟ وَبَیَّنُوا۟ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَتُوبُ عَلَیۡهِمۡ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











