الباحث القرآني
﴿ما أنْزَلْنا﴾ عَلى الأنْبِياءِ ﴿مِنَ البَيِّناتِ﴾ أيِ: الآياتِ الواضِحَةِ الدّالَّةِ عَلى الحَقِّ، ومِن ذَلِكَ ما أنْزَلْناهُ عَلى مُوسى وعِيسى - عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ - في أمْرِ مُحَمَّدٍ – صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - .
﴿والهُدى﴾ عَطَفَ عَلى البَيِّناتِ والمُرادُ بِهِ ما يَهْدِي إلى الرُّشْدِ مُطْلَقًا، ومِنهُ ما يَهْدِي إلى وُجُوبِ اتِّباعِهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - والإيمانُ بِهِ وهي الآياتُ الشّاهِدَةُ عَلى صِدْقِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - والعَطْفُ بِاعْتِبارِ التَّغايُرِ في المَفْهُومِ كَجاءَنِي الآكِلُ فالشّارِبُ، وقِيلَ: إنَّهُ عَطْفٌ عَلى ما أنْزَلْنا إلَخْ، والمُرادُ بِالأوَّلِ الأدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ، وبِالثّانِي ما يَدْخُلُ فِيهِ الأدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ، أوِ المُرادُ بِالأوَّلِ التَّنْزِيلُ، وبِالثّانِي ما يَقْتَضِيهِ مِنَ الفَوائِدِ، ولا يَخْفى أنَّهُ تَكَلُّفٌ يَأْبى عَنْهُ قُرْبُ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ والتَّبْيِينُ الدّالُّ عَلى كَمالِ الوُضُوحِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿مِن بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ﴾ أيْ: شَرَحْناهُ وأظْهَرْناهُ لَهم والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( يَكْتُمُونَ ) واللّامُ في (النّاسِ) صِلَةُ بَيَّنّا أوْ لامِ الأجَلِ، والمُرادُ بِهِمُ الجِنْسُ أوْ الِاسْتِغْراقُ، وفي تَقْيِيدِ الكِتْمانِ بِالظَّرْفِ إشارَةٌ إلى شَناعَةِ حالِهِمْ، بِأنَّهم يَكْتُمُونَ ما وضُحَ لِلنّاسِ وإلى عِظَمِ الإثْمِ بِأنَّهم يَكْتُمُونَ ما فِيهِ النَّفْعَ العامَّ ﴿فِي الكِتابِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ بَيَّناهُ وتَعَلُّقُ جارَّيْنِ بِفِعْلٍ واحِدٍ عِنْدَ اخْتِلافِ المَعْنى مِمّا لا رَيْبَ في جَوازِهِ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن مَفْعُولِهِ، والمُرادُ بِهِ الجِنْسُ، وقِيلَ: التَّوْراةُ، وقِيلَ: هي والإنْجِيلُ، وقِيلَ: القُرْآنُ، والمُرادُ مِنَ النّاسِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -، ومِنَ النّاسِ مِن حَمْلِ ( البَيِّناتِ ) عَلى ما في القُرْآنِ وعُلِّقَ ( مِن بَعْدِ ) بِـ ( أنْزَلَنا ) وفُسِّرَ ( الكِتابُ ) بِالتَّوْراةِ، ( والكِتْمانُ ) بِعَدَمِ الِاعْتِرافِ بِالحَقِّيَّةِ، ولَعَلَّ ما ذَهَبْنا إلَيْهِ أوْلى مِن جَمِيعِ ذَلِكَ.
﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ أيْ: يُبْعِدُهم عَنْ رَحْمَتِهِ ويُذِيقُهم ألِيمَ نِقْمَتِهِ والِالتِفاتُ إلى الغَيْبَةِ بِإظْهارِ اسْمِ الذّاتِ لِتَرْبِيَةِ المَهابَةِ، والإشْعارِ بِأنَّ مَبْدَأ صُدُورِ اللَّعْنِ صِفَةُ الجَلالِ المُغايِرَةُ لِما هو مَبْدَأُ الإنْزالِ والتَّبْيِينِ مِن صِفَةِ الجَمالِ، ولَمْ يُؤْتَ بِالفاءِ في هَذِهِ الجُمْلَةِ الَّتِي هي خَبَرُ المَوْصُولِ، كَما أُتِيَ بِهِ فِيما بَعْدُ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَأُولَئِكَ أتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ مَعَ أنَّ المَوْصُولَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْنى الشَّرْطِ وقَصْدِ السَّبَبِيَّةِ في المَوْضِعَيْنِ، ولِذا أوْرَدَ اسْمَ الإشارَةَ الَّذِي تَعْلِيقُ الحُكْمِ بِهِ كَتَعْلِيقِهِ بِالمُشْتَقِّ، قِيلَ: لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّ ( لَعْنَهم ) إنَّما هو بِهَذا السَّبَبِ بِناءً عَلى أنَّ (فاءَ السَّبَبِيَّةِ ) في الأصْلِ لِكَوْنِهِ ( فاءَ التَّعْقِيبِ ) يُفِيدُ أنَّ حُصُولَ المُسَبَّبِ بَعْدَ السَّبَبِ بِلا تَراخٍ، وقَدْ يُقْصَدُ مِنهُ ذَلِكَ بِمَعُونَةِ المَقامِ، كَما في الآيَةِ بَعْدُ، ولَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ أسْبابٌ جَمَّةٌ، وبِهَذا عُلِمَ أنَّ اسْمَ الإشارَةِ لا يُغْنِي عَنِ الفاءِ؛ لِأنَّهُ يُشْعِرُ بِالسَّبَبِيَّةِ، ولا يُشْعِرُ بِالتَّعْقِيبِ المُوهِمِ لِلِانْحِصارِ بِناءً عَلى امْتِناعِ التَّوارُدِ.
﴿ويَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ﴾ 159 أيْ: مَن يَتَأتّى مِنهُ اللَّعْنُ عَلَيْهِمْ مِنَ المَلائِكَةِ والثَّقَلَيْنِ، فالمُرادُ بِـ ( اللّاعِنُونَ ) مَعْناهُ الحَقِيقِيُّ، ولَيْسَ عَلى حَدِّ مَن قَتَلَ قَتِيلًا في المَشْهُورِ، والِاسْتِغْراقُ عُرْفِيٌّ؛ أيْ كُلُّ فَرْدٍ مِمّا يَتَناوَلُهُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ مُتَفاهِمِ العُرْفِ، ولَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ حَتّى يُرَدَّ أنَّهُ لا يَلْعَنُهم كُلُّ لاعِنٍ في الدُّنْيا، ويَحْتاجُ إلى التَّخْصِيصِ، وإنَّما أعادَ الفِعْلَ؛ لِأنَّ لَعْنَةَ اللّاعِنِينَ بِمَعْنى الدُّعاءِ عَلَيْهِمْ بِالإبْعادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - تَعالى - . ورَوى البَيْهَقِيُّ في (شُعَبِ الإيمانِ) عَنْ مُجاهِدٍ تَفْسِيرَ اللّاعِنِينَ بِدَوابِّ الأرْضِ، حَتّى العَقارِبِ والخَنافِسِ، ولَعَلَّ الجَمْعَ حِينَئِذٍ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والشَّمْسَ والقَمَرَ رَأيْتُهم لِي ساجِدِينَ﴾، واسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى وُجُوبِ إظْهارِ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وحُرْمَةِ كِتْمانِهِ، لَكِنِ اشْتَرَطُوا لِذَلِكَ أنْ لا يَخْشى العالِمُ عَلى نَفْسِهِ، وأنْ يَكُونَ مُتَعَيِّنًا، وإلّا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الكَتْمُ إلّا إنْ سُئِلَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الجَوابُ ما لَمْ يَكُنْ إثْمُهُ أكْبَرَ (p-28)مِن نَفْعِهِ قالُوا: وفِيها دَلِيلٌ أيْضًا عَلى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الواحِدِ؛ لِأنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ البَيانُ إلّا وقَدْ وجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ، وقَدْ يُسْتَدَلُّ بِها عَلى عَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلى النِّساءِ بِناءً عَلى أنَّهُنَّ لا يَدْخُلْنَ في خِطابِ الرِّجالِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَیَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَیَلۡعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق