الباحث القرآني
﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ حَمَلَ أهْلُ الحَدِيثِ وطائِفَةٌ مِن أهْلِ التَّأْوِيلِ الِاسْتِهْزاءَ مِنهُ تَعالى عَلى حَقِيقَتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنِ المُسْتَهْزِئُ مِن أسْمائِهِ سُبْحانَهُ، وقالُوا: إنَّهُ التَّحْقِيرُ عَلى وجْهٍ مِن شَأْنِهِ أنَّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ يَتَعَجَّبُ مِنهُ، ويَضْحَكُ، ولا اسْتِحالَةَ في وُقُوعِ ذَلِكَ مِنهُ عَزَّ شَأْنُهُ، ومَنَعَهُ مِن قِياسِ الغائِبِ عَلى الشّاهِدِ، وذَهَبَ أكْثَرُ النّاسِ إلى أنَّهُ لا يُوصَفُ بِهِ جَلَّ وعَلا حَقِيقَةً، لِما فِيهِ مِن تَقْرِيرِ المُسْتَهْزَإ بِهِ عَلى الجَهْلِ الَّذِي فِيهِ، ومُقْتَضى الحِكْمَةِ والرَّحْمَةِ أنْ يُرِيَهُ الصَّوابَ، فَإنْ كانَ عِنْدَهُ أنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِالمُسْتَهْزَإ بِهِ، فَهو لَعِبٌ لا يَلِيقُ بِكِبْرِيائِهِ تَعالى، فالآيَةُ عَلى هَذا مُؤَوَّلَةٌ إمّا بِأنْ يُرادَ بِالِاسْتِهْزاءِ جَزاؤُهُ لِما بَيْنَ الفِعْلِ وجَزائِهِ مِن مُشابَهَةٍ في القَدْرِ، ومُلابَسَةٍ قَوِيَّةٍ، ونَوْعِ سَبَبِيَّةٍ مَعَ وُجُودِ المُشاكَلَةِ المُحَسِّنَةِ ها هُنا، فَفي الكَلامِ اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ أوْ مَجازٌ مُرْسَلٌ، وإمّا بِأنْ يُرادَ بِهِ إنْزالُ الحَقارَةِ والهَوانِ فَهو مَجازٌ عَمّا هو بِمَنزِلَةِ الغايَةِ لَهُ، فَيَكُونُ مِن إطْلاقِ المُسَبَّبِ عَلى السَّبَبِ نَظَرًا إلى التَّصَوُّرِ، وبِالعَكْسِ نَظَرًا إلى الوُجُودِ، وإمّا بِأنْ يَجْعَلَ اللَّهَ تَعالى وتَقَدَّسَ كالمُسْتَهْزِئِ بِهِمْ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ المَكْنِيَّةِ، وإثْباتُ الِاسْتِهْزاءِ لَهُ تَخْيِيلًا، ورُبَّ شَيْءٍ يَصِحُّ تَبَعًا، ولا يَصِحُّ قَصْدًا، ولَهُ سُبْحانَهُ أنْ يُطْلِقَ عَلى ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ ما يَشاءُ تَفْهِيمًا لِلْعِبادِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّ الآيَةَ جارِيَةٌ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، والمُرادُ يُعامِلُهم سُبْحانَهُ مُعامَلَةَ المُسْتَهْزِئِ: أمّا في الدُّنْيا بِإجْراءِ أحْكامِ الإسْلامِ، واسْتِدْراجِهِمْ مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، وأمّا في الآخِرَةِ بِأنْ يَفْتَحَ لِأحَدِهِمْ بابًا إلى الجَنَّةِ فَيُقالُ: هَلُمَّ هَلُمَّ فَيَجِيءُ بِكَرْبِهِ وغَمِّهِ، فَإذا جاءَ أُغْلِقَ دُونَهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بابٌ آخَرُ فَيُقالُ: هَلُمَّ هَلُمَّ فَيَجِيءُ بِكَرْبِهِ وغَمِّهِ فَإذا أتاهُ أُغْلِقَ دُونَهُ، فَما يَزالُ كَذَلِكَ حَتّى أنَّ الرَّجُلَ لِيُفْتَحُ لَهُ بابٌ فَيُقالُ: هَلُمَّ هَلُمَّ فَما يَأْتِيهِ، وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ بِسَنَدٍ مُرْسَلٍ جَيِّدِ الإسْنادِ في (p-159)المُسْتَهْزِئِينَ بِالنّاسِ، وأسْنَدَ سُبْحانَهُ الِاسْتِهْزاءَ إلَيْهِ مُصَدِّرًا الجُمْلَةَ بِذِكْرِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ الِاسْتِهْزاءَ بِالمُنافِقِينَ هو الِاسْتِهْزاءُ الأبْلَغُ الَّذِي لا اعْتِدادَ مَعَهُ بِاسْتِهْزائِهِمْ لِصُدُورِهِ عَمَّنْ يَضْمَحِلُّ عِلْمُهم وقُدْرَتُهم في جانِبِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ، وأنَّهُ تَعالى كَفى عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ، وانْتَقَمَ لَهُمْ، وما أحْوَجَهم إلى مُعارَضَةِ المُنافِقِينَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ، لِأنَّهم ما اسْتُهْزِئَ بِهِمْ إلّا فِيهِ، ولا أحَدَ أغْيَرُ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وتَرَكَ العَطْفَ لِأنَّهُ الأصْلُ، ولَيْسَ في الجُمْلَةِ السّابِقَةِ ما يَصِحُّ عَطْفُ هَذا القَوْلِ عَلَيْهِ، إلّا بِتَكَلُّفٍ وبُعْدٍ، وقِيلَ: لِيَكُونَ إيرادُ الكَلامِ عَلى وجْهٍ يَكُونُ جَوابًا عَنِ السُّؤالِ عَنْ مُعامَلَةِ اللَّهِ تَعالى مَعَهم في مُقابَلَةِ مُعامَلَتِهِمْ هَذِهِ مَعَ المُؤْمِنِينَ، وقَوُلُهم ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ إشْعارٌ بِأنَّ ما حُكِيَ مِنَ الشَّناعَةِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي ظُهُورَ غَيْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ويَسْألُ كُلُّ واحِدٍ عَنْ كَيْفِيَّةِ انْتِقامِهِ مِنهُمْ، ويُشْعِرُ كَلامُ بَعْضِ المُحَقِّقِينَ أنَّهُ لِوُرُودِ هَذا القَوْلِ بِالعَطْفِ، ولَوْ عَلى مَحْذُوفٍ مُناسِبٌ لِلْمَقامِ - كَهم مُسْتَهْزِءُونَ – بِالمُؤْمِنِينَ لَأفادَ أنَّ ذَلِكَ في مُقابَلَةِ اسْتِهْزائِهِمْ، فَلا يُفِيدُ أنَّ اللَّهَ تَعالى أغْنى المُؤْمِنِينَ عَنْ مُعارَضَتِهِمْ مُطْلَقًا، وأنَّهُ تَوَلّى مُجازاتَهم مُطْلَقًا، بَلْ يُوهِمُ تَخْصِيصَ التَّوَلِّي بِهَذِهِ المُجازَةِ، وأيْضًا لِكَوْنِ اسْتِهْزاءِ اللَّهِ تَعالى بِمَكانٍ بَعِيدٍ مِنِ اسْتِهْزائِهِمْ إلى حَيْثُ لا مُناسَبَةَ بَيْنَهُما، يَكُونُ العَطْفُ كَعَطْفِ أمْرَيْنِ غَيْرِ مُتَناسِبَيْنِ، وبَعْضُهم رَتَّبَ الفائِدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْناهُما في الإسْنادِ إلَيْهِ تَعالى عَلى الِاسْتِئْنافِ مُدَّعِيًا أنَّهُ لَوْ عُطِفَ ولَوْ بِحَسَبِ التَّوَهُّمِ عَلى مُقَدَّرٍ بِأنْ يُقالَ: المُؤْمِنُونَ مُسْتَهْزِءُونَ بِهِمْ، واللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ لَفاتَتِ الفائِدَتانِ، هَذا ولَعَلَّ ما ذَكَرْناهُ أسْلَمُ مِنَ القِيلِ والقالِ، وأبْعَدُ عَنْ مَظانِّ الِاسْتِشْكالِ، فَتَدَبَّرْ، وعَدَلَ سُبْحانَهُ عَنِ: اللَّهُ مُسْتَهْزِئٌ بِهِمُ، المُطابِقِ لِقَوْلِهِمْ: إلى قَوْلِهِ: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، لِإفادَتِهِ التَّجَدُّدَ الِاسْتِمْرارِيَّ، وهو أبْلَغُ مِنِ الِاسْتِمْرارِ الثُّبُوتِيِّ الَّذِي تُفِيدُهُ الِاسْمِيَّةُ لِأنَّ البَلاءَ إذا اسْتَمَرَّ قَدْ يَهُونُ، وتَأْلَفُهُ النَّفْسُ كَما قِيلَ:
؎خُلِقْتُ ألُوفًا لَوْ رَجَعَتْ إلى الصِّبا لَفارَقُتُ شَيْبِي مُوجَعَ القَلْبِ باكِيا
وقَدْ كانَتْ نِكاياتُ اللَّهِ تَعالى فِيهِمْ ونُزُولُ الآياتِ في شَأْنِهِمْ أمْرًا مُتَجَدِّدًا مُسْتَمِرًّا، ﴿أوَلا يَرَوْنَ أنَّهم يُفْتَنُونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أوْ مَرَّتَيْنِ﴾ ﴿يَحْذَرُ المُنافِقُونَ أنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهم بِما في قُلُوبِهِمْ﴾ ﴿قُلِ اسْتَهْزِئُوا إنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ﴾ وهَذا نَوْعٌ مِنَ العَذابِ الأدْنى، ولِعَذاب الآخِرَة أُشْدُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وصَرَّحَ بِالمُسْتَهْزَإ بِهِ هُنا لِيَكُونَ الِاسْتِهْزاءُ بِهِمْ نَصًّا، وإنَّما تَرَكَهُ المُنافِقُونَ فِيما حُكِيَ عَنْهم خَوْفًا مِن وُصُولِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَأبْقَوُا اللَّفْظَ مُحْتَمِلًا لِيَكُونَ لَهم مَجالٌ في الذَّبِّ، إذا حَوْقَقُوا، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعالى كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وكَلِمَتُهُ هي العُلْيا ﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ كالبَيانِ لَهُ عَلى رَأْيٍ، والمَدُّ مِن مَدَّ الجَيْشَ وأمَدَّهُ بِمَعْنًى أيْ ألْحَقَ بِهِ ما يُقَوِّيهِ ويُكَثِّرُهُ، وقِيلَ: مَدَّ زادَ مِنَ الجِنْسِ، وأمَدَّ زادَ مِن غَيْرِ الجِنْسِ، وقِيلَ: مَدَّ في الشَّرِّ وأمَدَّ في الخَيْرِ، عَكْسُ وعَدَ وأوْعَدَ، وإذا اسْتُعْمِلَ أمَدَّ في الشَّرِّ فَلَعَلَّهُ مِن بابِ ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ وقَدْ ورَدَ اسْتِعْمالُ هَذِهِ المادَّةِ بِمَعْنَيَيْنِ أحَدُهُما ما ذَكَرْنا، وثانِيهُما الإمْهالُ ومِنهُ مَدُّ العُمْرِ، والواقِعُ هُنا مِنَ الأوَّلِ دُونَ الثّانِي، لِوَجْهَيْنِ، الأوَّلُ أنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ مِن غَيْرِ السَّبْعَةِ (يُمِدُّهُمْ) بِالضَّمِّ مِنَ المَزِيدِ، وهو لَمْ يُسْمَعْ في الثّانِي، والثّانِي أنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ، والآخَرُ مُتَعَدٍّ بِاللّامِ، والحَذْفُ والإيصالُ خِلافُ الأصْلِ، فَلا يُرْتَكَبُ بِغَيْرِ داعٍ، فَمَعْنى يَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَزِيدُهُمْ، ويُقَوِّيهِمْ فِيهِ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ البَيْضاوِيُّ وغَيْرُهُ، والحَقُّ أنَّ الإمْهالَ هُنا مُحْتَمَلٌ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجّاجُ، وابْنُ كَيْسانَ، والوَجْهانِ مَخْدُوشانِ، فَقَدْ ورَدَ عِنْدَ مَن يُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِن أهْلِ اللُّغَةِ كُلٌّ مِنهُما ثُلاثِيًّا، ومَزِيدًا، ومُعَدًّى بِنَفْسِهِ وبِاللّامِ، وكِلاهُما مِن أصْلٍ واحِدٍ، ومَعْناهُما يَرْجِعُ إلى الزِّيادَةِ، كَمًّا أوْ كَيْفًا، وفي الصِّحاحِ مَدَّ اللَّهُ في عُمْرِهِ ومَدَّهُ في غَيِّهِ أمْهَلَهُ، وطَوَّلَ لَهُ (p-160)ورُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ مَدَّ اللَّهِ تَعالى في طُغْيانِهِمُ التَّمْكِينُ مِنَ العِصْيانِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ الإمْلاءُ، ونِسْبَةُ المَدِّ إلى اللَّهِ تَعالى بِأيِّ مَعْنًى كانَ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ حَقِيقَةٌ إذْ هو سُبْحانَهُ وتَعالى المُوجِدُ لِلْأشْياءِ، المُنْفَرِدُ بِاخْتِراعِها عَلى حَسَبِ ما اقْتَضَتْهُ الحِكْمَةُ ورَفَعَتْ لَهُ أكُفَّها الِاسْتِعْداداتُ، ونِسْبَتُهُ إلى غَيْرِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى في قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ نِسْبَةُ التَّوَفِّي إلى المَلَكِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَتَوَفّاكم مَلَكُ المَوْتِ﴾ مَعَ قَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿اللَّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ﴾ وذَهَبَتِ المُعْتَزِلَةُ أنَّ الزِّيادَةَ في الطُّغْيانِ والتَّقْوِيَةِ فِيهِ مِمّا يَسْتَحِيلُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ تَعالى حَقِيقَةً، وحَمَلُوا الآيَةَ عَلى مَحامِلَ أُخَرَ، وقَدْ قَدَّمْنا ما يُوهِنُ مَذْهَبَهُمْ، فَلْنَطْوِهِ هُنا عَلى ما فِيهِ، والطُّغْيانُ بِضَمِّ الطّاءِ عَلى المَشْهُورِ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما بِكَسْرِها، وهُما لُغَتانِ فِيهِ، وقَدْ سُمِعا في مَصْدَرِ اللِّقاءِ، وقَدْ أمالَهُ الكِسائِيُّ، وأصْلُهُ تَجاوُزُ المَكانِ الَّذِي وقَفْتَ فِيهِ، ومَن أخَلَّ بِما عُيِّنَ مِنَ المَواقِفِ الشَّرْعِيَّةِ والمَعارِفِ العَقْلِيَّةِ فَلَمْ يَرْعَها فَقَدْ طَغى، ومِنهُ طَغى الماءُ أيْ تَجاوَزَ الحَدَّ المَعْرُوفَ فِيهِ، وإضافَتُهُ إلَيْهِمْ، لِأنَّهُ فِعْلُهُمُ الصّادِرُ مِنهم بِقُدَرِهِمُ المُؤَثِّرَةِ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى، فالِاخْتِصاصُ المُشْعِرَةُ بِهِ الإضافَةُ إنَّما هو بِهَذا الِاعْتِبارِ لا بِاعْتِبارِ المَحَلِّيَّةِ، والِاتِّصافِ، فَإنَّهُ مَعْلُومٌ لا حاجَةَ فِيهِ إلى الإضافَةِ، ولا بِاعْتِبارِ الإيجادِ اسْتِقْلالًا مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلى إذْنِ الفَعّالِ لِما يُرِيدُ، فَإنَّهُ اعْتِبارٌ عَلَيْهِ غُبارٌ بَلْ غُبارٌ لَيْسَ لَهُ اعْتِبارٌ، فَلا تَهُولَنَّكَ جَعْجَعَةُ الزَّمَخْشَرِيِّ، وقَعْقَعَتُهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الِاخْتِصاصُ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ طُغْيانَ غَيْرِهِمْ في جَنْبِهِمْ، كَلا شَيْءٍ لِادِّعاءِ اخْتِصاصِهِمْ بِهِ، ولَيْسَ بِالمُنْحَرِفِ عَنْ سُنَنِ البَلاغَةِ، (والعَمَهُ) التَّرَدُّدُ والتَّحَيُّرُ، ويُسْتَعْمَلُ في الرَّأْيِ خاصَّةً، والعَمى فِيهِ وفي البَصَرِ، فَبَيْنَهُما عُمُومٌ وخُصُوصٌ مُطْلَقٌ في الِاسْتِعْمالِ، وإنَّ تَغايَرا في أصْلِ الوَضْعِ، واخْتَصَّ العَمى بِالبَصَرِ عَلى ما قِيلَ، وأصْلُهُ الأصِيلُ عَدَمُ الإماراتِ في الطَّرِيقِ الَّتِي تُنْصَبُ لِتَدُلَّ مِن حِجارَةٍ وتُرابٍ ونَحْوِهِما، وهي المَنارُ، ويُقالُ: عَمِهَ يَعْمَهُ كَتَعِبَ يَتْعَبُ عَمَهًا وعَمَهانًا، فَهو عَمِهٌ وعامِهٌ وعَمْهاءُ، فَمَعْنى يَعْمَهُونَ عَلى هَذا يَتَرَدَّدُونَ ويَتَحَيَّرُونَ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وقِيلَ: العَمَةُ العَمى عَنِ الرُّشْدِ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هو أنْ يَكُبَّ رَأْسَهُ فَلا يُبْصِرُ ما يَأْتِي، فالمَعْنى يَعْمُونَ عَنْ رُشْدِهِمْ أوْ يَكُبُّونَ رُؤُوسَهم فَلا يُبْصِرُونَ، وكَأنَّ هَذا أقْرَبَ إلى الصَّوابِ، لِأنَّ المُنافِقِينَ لَمْ يَكُونُوا مُتَرَدِّدِينَ في الكُفْرِ بَلْ كانُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهِ، مُعْتَقِدِينَ أنَّهُ الحَقُّ، وما سِواهُ باطِلٌ، إلّا أنْ يُقالَ: التَّرَدُّدُ والتَّحَيُّرُ في أمْرٍ آخَرَ، لا في الكُفْرِ، وجُمْلَةُ يَعْمَهُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ، إمّا مِنَ الضَّمِيرِ في يَمُدُّهُمْ، وإمّا مِنَ الضَّمِيرِ في طُغْيانِهِمْ، لِأنَّهُ مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى الفاعِلِ، وفي طُغْيانِهِمْ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِيَمُدُّهُمْ، وأنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِيَعْمَهُونَ، وجازَ عَلى خِلافِ كَوْنٍ في طُغْيانِهِمْ ويَعْمَهُونَ حالَيْنِ مِنَ الضَّمِيرِ في يَمُدُّهُمْ،
{"ayah":"ٱللَّهُ یَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَیَمُدُّهُمۡ فِی طُغۡیَـٰنِهِمۡ یَعۡمَهُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











