الباحث القرآني

﴿وإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا﴾ بَيانٌ لِدَأْبِ المُنافِقِينَ، وأنَّهم إذا اسْتَقْبَلُوا المُؤْمِنِينَ دَفَعُوهم عَنْ أنْفُسِهِمْ بِقَوْلِهِمْ: آمَنّا اسْتِهْزاءً، فَلا يُتَوَهَّمُ أنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ أوَّلِ القِصَّةِ، لِأنَّهُ إبْداءٌ لِخُبْثِهِمْ ومَكْرِهِمْ، وكَشْفٌ عَنْ إفْراطِهِمْ في الدَّعارَةِ، وادِّعاءِ أنَّهم مِثْلُ المُؤْمِنِينَ في الإيمانِ الحَقِيقِيِّ، وأنَّهم أحاطُوهُ مِن جانِبَيْهِ، عَلى أنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذا لا يَنْبَغِي أنْ يُتَوَهَّمَ تَكْرارٌ أيْضًا، لِأنَّ المَعْنى: ومِنَ النّاسِ مَن يَتَفَوَّهُ بِالإيمانِ نِفاقًا لِلْخِداعِ، وذَلِكَ التَّفَوُّهُ عِنْدَ لِقاءِ المُؤْمِنِينَ، ولَيْسَ هَذا مِنَ التَّكْرارِ بِشَيْءٍ، لِما فِيهِ مِنَ التَّقْيِيدِ وزِيادَةِ البَيانِ، وأنَّهم ضَمُّوا إلى الخِداعِ الِاسْتِهْزاءَ، وأنَّهم لا يَتَفَوَّهُونَ بِذَلِكَ، إلّا عِنْدَ الحاجَةِ، والقَوْلُ بِأنَّ المُرادَ (بِـآمَنّا) أوَّلًا الإخْبارُ عَنْ إحْداثِ الإيمانِ، وهُنا عَنْ إحْداثِ إخْلاصِ الإيمانِ مِمّا ارْتَضاهُ الإمامُ، ولا أقْتَدِي بِهِ، وتَأْيِيدُهُ لَهُ بِأنَّ الإقْرارَ اللِّسانِيَّ كانَ مَعْلُومًا مِنهم غَيْرُ مُحْتاجٍ لِلْبَيانِ، وإنَّما المَشْكُوكُ الإخْلاصُ القَلْبِيُّ فَيَجِبُ إرادَتُهُ، يَدْفَعُهُ النَّظَرُ مِن ذِي ذَوْقٍ، فِيما حَرَّرْناهُ، واللِّقاءُ اسْتِقْبالُ الشَّخْصِ قَرِيبًا مِنهُ، وهو أحَدُ أرْبَعَةَ عَشَرَ مَصْدَرًا لِلَقِيَ، وقَرَأ أبُو حَنِيفَةَ وابْنُ السَّمَيْقَعِ (لاقَوْا) وجَعَلَهُ في البَحْرِ بِمَعْنى الفِعْلِ المُجَرَّدِ، وحَذْفُ المَفْعُولِ في (آمَنّا) قِيلَ: اكْتِفاءً بِالتَّقْيِيدِ قَبْلَ بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ، وقِيلَ: المُرادُ آمَنّا بِما آمَنتُمْ بِهِ، وأبْعَدَ مَن قالَ: أرادُوا الإيمانَ بِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ دُونَ غَيْرِهِ، وحَذَفُوا تَوْرِيَةً مِنهُمْ، وإيهامًا، هَذا، ولَمْ يَصِحَّ عِنْدِي في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ شَيْءٌ، وأمّا ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ والبَيْضاوِيُّ ومَوْلانا مُفْتِي الدِّيارِ الرُّومِيَّةِ، وغَيْرُهم فَهو مِن طَرِيقِ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ، وهو كَذّابٌ، وتِلْكَ السِّلْسِلَةُ سِلْسِلَةُ الكَذِبِ لا سِلْسِلَةُ الذَّهَبِ، وآثارُ الوَجْهِ لائِحَةٌ عَلى ما ذَكَرُوهُ، فَلا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، ولا يُلْتَفَتُ بِوَجْهٍ إلَيْهِ، ﴿وإذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ﴾ مِن خَلَوْتُ بِهِ وإلَيْهِ، إذا انْفَرَدْتَ مَعَهُ، أوْ مِن قَوْلِهِمْ في المَثَلِ: اطْلُبِ الأمْرَ وخَلاكَ ذَمٌّ، أيْ عَداكَ، ومَضى عَنْكَ، ومِنهُ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكم سُنَنٌ﴾ وعَلى الثّانِي المَفْعُولُ الأوَّلُ ها هُنا مَحْذُوفٌ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِهِ، أيْ إذا خَلَّوْهُمْ، وتَعْدِيَتُهُ إلى المَفْعُولِ الثّانِي (إلى) لِما في المُضِيِّ عَنِ الشَّيْءِ مَعْنى الوُصُولِ إلى الآخَرِ، واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ مِن خَلَوْتُ بِهِ أيْ سَخِرْتُ مِنهُ فَمَعْنى الآيَةِ إذا أنْهَوُا السُّخْرِيَةَ مَعَهم (p-157)وحَدَّثُوهم كَما يُقالُ: أحْمَدُ إلَيْكَ فُلانًا وأذُمُّهُ إلَيْكَ، مِمّا لا يَنْبَغِي أنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِ كَلامُ رَبِّ العِزَّةِ، وإنْ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ والبَيْضاوِيُّ وغَيْرُهُما، إذْ لَمْ يَقَعْ صَرِيحًا (خَلا) بِمَعْنى سَخِرَ في كَلامِ مَن يُوثَقُ بِهِ، وقَوْلُهم: خَلا فُلانٌ بِعِرْضِ فُلانٍ يَعْبَثُ بِهِ، لَيْسَ بِالصَّرِيحِ، إذْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَلا عَلى حَقِيقَتِهِ، أوْ بِمَعْنى تَمَكَّنَ مِنهُ عَلى ما قِيلَ، والدّالُّ عَلى السُّخْرِيَةِ يَعْبَثُ بِهِ، وزَعَمَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أنَّ (إلى) هُنا بِمَعْنى مَعَ، ولا دَلِيلَ عَلَيْهِ، كالقَوْلِ بِأنَّها بِمَعْنى الباءِ، عَلى أنَّ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلَ لا يَقُولانِ بِنِيابَةِ الحَرْفِ عَنِ الحَرْفِ، نَعَمْ، إنَّ الخَلْوَةَ كَما في التّاجِ تَسْتَعْمِلُ إلى والباءَ ومَعَ بِمَعْنًى واحِدٍ، ويُفْهَمُ مِن كَلامِ الرّاغِبِ أنَّ أصْلَ مَعْنى الخُلُوِّ فَراغُ المَكانِ والحَيِّزِ عَنْ شاغِلٍ، وكَذا الزَّمانُ، ولَيْسَ بِمَعْنى المُضِيِّ، وإذا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كانَ مَجازًا، وظاهِرُ كَلامِ غَيْرِهِ أنَّهُ حَقِيقَةٌ. وضَعِيفانِ يَغْلِبانِ قَوِيًّا. والمُرادُ بِـ(شَياطِينِهِمْ) مَن كانُوا يَأْمُرُونَهم بِالتَّكْذِيبِ مِنَ اليَهُودِ، كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، أوْ كَهَنَتُهُمْ، كَما قالَهُ الضَّحّاكُ وجَماعَةٌ، وسُمُّوا بِذَلِكَ لِتَمَرُّدِهِمْ، وتَحْسِينِهِمُ القَبِيحَ وتَقْبِيحِهُمُ الحَسَنَ، أوْ لِأنَّ قُرَناءَهُمُ الشَّياطِينُ إنْ فُسِّرُوا بِالكَهَنَةِ، وكانَ عَلى عَهْدِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَثِيرٌ مِنهُمْ، كَكَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ مِن بَنِي قُرَيْظَةَ، وأبِي بُرْدَةَ مِن بَنِي أسْلَمَ، وعَبْدِ الدّارِ في جُهَيْنَةَ، وعَوْفِ بْنِ عامِرٍ في بَنِي أسَدٍ، وابْنِ السَّوْداءِ في الشّامِ. وحَمْلُهُ عَلى شَياطِينِ الجِنِّ كَما قالَهُ الكَلْبِيُّ مِمّا لا يَخْتَلِجُ بِقَلْبِي، والشَّياطِينُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ، وإجْراؤُهُ مَجْرى الصَّحِيحِ كَما في بَعْضِ الشَّواذِّ (تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطُونَ) لُغَةٌ غَرِيبَةٌ جِدًّا، والمُفْرَدُ شَيْطانٌ، وهو فَيْعالٌ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، فَنُونُهُ أصْلِيَّةٌ مِن شَطَنَ أيْ بَعُدَ لِبُعْدِهِ عَنِ امْتِثالِ الأمْرِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ تَشَيْطَنَ، وإلّا لَسَقَطَتْ، واحْتِمالُ أخْذِهِ مِنَ الشَّيْطانِ لا مِن أصْلِهِ عَلى أنَّ المَعْنى فَعَلَ فِعْلَهُ خِلافُ الظّاهِرِ، وعِنْدَ الكُوفِيِّينَ وزْنُهُ فَعْلانُ فَنُونُهُ زائِدَةٌ مِن شاطَ يَشِيطُ إذا هَلَكَ أوْ بَطَلَ أوِ احْتَرَقَ غَضَبًا، والأُنْثى شَيْطانَةٌ. وأنْشَدَ في البَحْرِ: ؎هِيَ البازِلُ الكَوْماءُ لا شَيْءَ غَيْرُها وشَيْطانَةٌ قَدْ جُنَّ مِنها جُفُونُها ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ الشَّيْطانَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ والدَّوابِّ. ﴿قالُوا إنّا مَعَكُمْ﴾ أيْ مَعِيَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ، وهي مُساواتُهم لَهم في اعْتِقادِ اليَهُودِيَّةِ، وهو أُمُّ الخَبائِثِ، وأتى بِالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى الحُدُوثِ مَعَ تَرْكِ التَّأْكِيدِ فِيما أُلْقِيَ عَلى المُؤْمِنِينَ المُنْكِرِينَ لِما هم عَلَيْهِ، أوِ المُتَمَرِّدِينَ، وبِالجُمْلَةِ الثُّبُوتِيَّةِ مَعَ التَّأْكِيدِ فِيما أُلْقِيَ إلى شَياطِينِهِمُ الَّذِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ، لِأنَّهم في الأوَّلِ بِصَدَدِ دَعْوى إحْداثِ الإيمانِ، ولَمْ يَنْظُرُوا هُنا لِإنْكارِ أحَدٍ، وتَرَدُّدِهِ إيهامًا مِنهم أنَّهم بِمَرْتَبَةٍ لا يَنْبَغِي أنْ يُتَرَدَّدَ في إيمانِهِمْ، لِيُؤَكِّدُوا لَعَلَّهُ أنْ يَتِمَّ لَهم مَرامُهم بِذَلِكَ في زَعْمِهِمْ، وفي الثّانِي بِصَدَدِ إفادَةِ الثَّباتِ دَفْعًا لِما يَخْتَلِجُ بِخَواطِرِ شَياطِينِهِمْ مِن مُخالَطَةِ المُؤْمِنِينَ، ومُخاطَبَتِهِمْ بِالإيمانِ، وقِيلَ: إنَّ التَّأْكِيدَ كَما يَكُونُ لِإزالَةِ الإنْكارِ والشَّكِّ يَكُونُ لِصِدْقِ الرَّغْبَةِ، وتَرْكُهُ كَما يَكُونُ لِعَدَمِ ذَلِكَ يَكُونُ لِعَدَمِ اعْتِناءِ المُتَكَلِّمِ، فَلِلرَّغْبَةِ أكَّدُوا ولِعَدَمِها تَرَكُوا، أوْ لِأنَّهم لَوْ قالُوا: إنّا مُؤْمِنُونَ كانَ ادِّعاءً لِكَمالِ الإيمانِ، وثَباتِهِ، وهو لا يَرُوجُ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ، مَعَ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الرَّزانَةِ، وحِدَّةِ الذَّكاءِ، ولا كَذَلِكَ شَياطِينُهُمْ، وعِنْدِي أنَّ الوَجْهَ هو الأوَّلُ، إذْ يَرُدُّ عَلى الأخِيرَيْنِ قَوْلُهُ تَعالى فِيما حَكى عَنْهم: ﴿نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ إلّا أنْ يُقالَ: إنَّهم أظْهَرُوا الرَّغْبَةَ هُناكَ، وتَبالَهُوا عَنْ عَدَمِ الرَّواجِ لِغَرَضٍ ما مِنَ الأغْراضِ، والأحْوالُ شَتّى، والعَوارِضُ كَثِيرَةٌ، ولِهَذا قِيلَ: إنَّهم لِلتَّقِيَّةِ والخِداعِ ودَعْوى أنَّهم مِثْلُ المُؤْمِنِينَ في الإيمانِ لِيُجْرُوا عَلَيْهِمْ أحْكامَهم ويَعْفُوهم عَنِ المُحارَبَةِ، أكَّدُوا بِالباءِ فِيما تَقَدَّمَ، حَيْثُ قالُوا: ﴿بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ والقَوْلُ بِأنَّ الفَرْقَ بَيْنَ آيَةِ الشَّهادَةِ وآيَةِ الإيمانِ هَنا ظاهِرٌ، لِأنَّهم لَوْ قالُوا: إنّا لَمُؤْمِنُونَ لَكانُوا مُلْتَزِمِينَ أمْرَيْنِ رِسالَتَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ووُجُوبَ إيمانِهِمْ بِهِ، بِخِلافِ آيَةِ الشَّهادَةِ، فَإنَّ فِيها التِزامَ الأوَّلِ، ولا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ الرَّغْبَةِ في أمْرَيْنِ عَدَمُها في أحَدِهِما ظاهِرُ الرَّكاكَةِ لِلْمُنْصِفِينَ كَما لا يَخْفى، وقَرَأ (p-158)الجُمْهُورُ (مَعَكُمْ) بِتَحْرِيكِ العَيْنِ، وقُرِئَ شاذًّا بِسُكُونِها وهي لُغَةُ رَبِيعَةَ وغَنْمٍ، ﴿إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ الِاسْتِهْزاءُ الِاسْتِخْفافُ والسُّخْرِيَةُ واسْتَفْعَلَ بِمَعْنى فَعَلَ تَقُولُ: هَزَأْتُ بِهِ واسْتَهْزَأْتُ بِمَعْنًى، كاسْتَعْجَبَ وعَجِبَ، وذَكَرَ حُجَّةُ الإسْلامِ الغَزالِيُّ أنَّ الِاسْتِهْزاءَ الِاسْتِحْقارُ والِاسْتِهانَةُ، والتَّنْبِيهُ عَلى العُيُوبِ، والنَّقائِصِ عَلى وجْهٍ يُضْحَكُ مِنهُ، وقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالمُحاكاةِ في الفِعْلِ والقَوْلِ وبِالإشارَةِ والإيماءِ، وأرادُوا مُسْتَخِفُّونَ بِالمُؤْمِنِينَ، وأصْلُ هَذِهِ المادَّةِ الخِفَّةُ يُقالُ: ناقَتُهُ تَهْزَأُ بِهِ أيْ تُسْرِعُ وتَخِفُّ، وقَوْلُ الرّازِيِّ: إنَّهُ عِبارَةٌ عَنْ إظْهارِ مُوافَقَةٍ مَعَ إبْطالِ ما يَجْرِي مَجْرى السُّوءِ عَلى طَرِيقِ السُّخْرِيَةِ، غَيْرُ مُوافِقٍ لِلُّغَةِ والعُرْفِ، والجُمْلَةُ إمّا اسْتِئْنافٌ فَكَأنَّ الشَّياطِينَ قالُوا لَهم لَمّا قالُوا إنّا مَعَكُمْ، إنَّ صَحَّ ذَلَكَ فَما بالُكم تُوافِقُونَ المُؤْمِنِينَ، فَأجابُوا بِذَلِكَ، أوْ بَدَلٌ مِن: (إنّا مَعَكُمْ)، وهَلْ هو بَدَلُ اشْتِمالِ أوْ كُلٍّ أوْ بَعْضٍ، خِلافٌ، أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ تُفِيدُ ما تُفِيدُهُ الأُولى، وهو الثَّباتُ عَلى اليَهُودِيَّةِ لِأنَّ المُسْتَهْزِئَ بِالشَّيْءِ مُصِرٌّ عَلى خِلافِهِ، وزِيادَةٍ وهو تَعْظِيمُ الكُفْرِ المُفِيدِ لِدَفْعِ شُبْهَةِ المُخالَطَةِ وتَصَلُّبِهِمْ في الكُفْرِ، فَيَكُونُ بَدَلَ اشْتِمالٍ. وأمّا الثّانِي وبِهِ قالَ السَّعْدُ: فَلِلتَّساوِي مِن حَيْثُ الصِّدْقُ، ولا يَقْتَضِي التَّساوِيَ مِن حَيْثُ المَدْلُولُ، وأمّا الثّالِثُ فَلِأنَّ كَوْنَهم مَعَهم عامٌّ في المَعِيَّةِ الشّامِلَةِ لِلِاسْتِهْزاءِ والسُّخْرِيَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ، أوْ تَأْكِيدٌ لِما قَبْلَهُ بِأنْ يُقالَ: إنَّ مُدَّعاهم بِأنّا مَعَكُمُ الثَّباتُ عَلى الكُفْرِ، وإنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ لِاسْتِلْزامِهِ رَدَّ الإسْلامِ، ونَفْيُهُ يَكُونُ مُقَرِّرًا لِلثَّباتِ عَلَيْهِ، إذْ رَفْعُ نَقِيضِ الشَّيْءِ تَأْكِيدٌ لِثَباتِهِ، لِئَلّا يَلْزَمَ ارْتِفاعُ النَّقِيضَيْنِ، أوْ يُقالُ: يَلْزَمُ: إنّا مَعَكم إنّا نُوهِمُ أصْحابَ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ الإيمانَ فَيَكُونُ الِاسْتِخْفافُ بِهِمْ، وبِدِينِهِمْ تَأْكِيدًا بِاعْتِبارِ ذَلِكَ اللّازِمِ، وأوْلى الأوْجُهِ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ الِاسْتِئْنافُ، لَوْلا ما ذَكَرَهُ الشَّيْخُ في دَلائِلِ الإعْجازِ مِن أنَّ مَوْضُوعَ إنَّما أنْ تَجِيءَ لِخَبَرٍ لا يَجْهَلُهُ المُخاطَبُ ولا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ، فَإنَّهُ يَقْتَضِي أنَّ تَقْدِيرَ السُّؤالِ هُنا أمْرٌ مَرْجُوحٌ، ولَعَلَّ الأمْرَ فِيهِ سَهْلٌ، وقُرِئَ (مُسْتَهْزِءُونَ) بِتَخْفِيفِ الهَمْزَةِ وبِقَلْبِها ياءً مَضْمُومَةً، ومِنهم مَن يَحْذِفُ الياءَ، فَتُضَمُّ الزّايُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب