الباحث القرآني
﴿قُلْ أتُحاجُّونَنا﴾ تَجْرِيدُ الخِطابِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِما أنَّ المَأْمُورَ بِهِ مِنَ الوَظائِفِ الخاصَّةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ، وقَرَأ زَيْدٌ والحَسَنُ وغَيْرُهُما بِإدْغامِ النُّونِ، أيْ تُجادِلُونا، ﴿فِي اللَّهِ﴾ أيْ في دِينِهِ، وتَدَّعُونَ أنَّ دِينَهُ الحَقَّ اليَهُودِيَّةُ والنَّصْرانِيَّةُ، وتَبْنُونَ دُخُولَ الجَنَّةِ والِاهْتِداءَ عَلَيْهِما، وقِيلَ: المُرادُ في شَأْنِ اللَّهِ تَعالى واصْطِفائِهِ نَبِيًّا مِنَ العَرَبِ دُونَكم بِناءً عَلى أنَّ الخِطابَ لِأهْلِ الكِتابِ، وسَوْقُ النَّظْمِ يَقْتَضِي أنْ تُفَسَّرَ المُحاجَّةُ بِما يَخْتَصُّ بِهِمْ، والمُحاجَّةُ في الدِّينِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، والقَرِينَةُ عَلى التَّقْيِيدِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ قَبْلُ: ﴿وما أُنْزِلَ إلَيْنا﴾ وبَعْدُ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً﴾ حَيْثُ إنَّهُ تَعْرِيضٌ بِكِتْمانِ أهْلِ الكِتابِ شَهادَةَ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وما رُوِيَ في سَبَبِ النُّزُولِ أنَّ أهْلَ الكِتابِ قالُوا: الأنْبِياءُ كُلُّهم مِنّا، فَلَوْ كُنْتُ نَبِيًّا لَكُنْتَ مِنّا، فَنَزَلَتْ، ولا يَخْفى عَلَيْكَ أنَّ المُحاجَّةَ في الدِّينِ عَلى ما ذَكَرْنا مُخْتَصَّةٌ بِهِمْ، عَلى أنَّ ظاهِرَ السَّوْقِ يَقْتَضِي ذَمَّهم بِما صارَ دَيْدَنًا لَهُمْ، وشَنْشَنَةً فِيهِمْ، حَتّى عُرِفُوا فِيهِ، ومُشْرِكُو العَرَبِ، وإنْ حاجُّوا في الدِّينِ (p-399)أيْضًا، لَكِنَّهم لَمْ يَصِلُوا فِيهِ إلى رُتْبَةِ أهْلِ الكِتابِ، لِما أنَّهم أُمِّيُّونَ عارُونَ عَنْ سائِرِ العُلُومِ، جاهِلُونَ بِوَظائِفِ البَحْثِ بِالكُلِّيَّةِ نَظَرًا إلى أُولَئِكَ القائِمِينَ عَلى ساقِ الجِدالِ، وإنَّ القَرِينَتَيْنِ السّابِقَةَ واللّاحِقَةَ عَلى التَّقْيِيدِ في غايَةِ الخَفاءِ، وأنَّ ما رُوِيَ في سَبَبِ النُّزُولِ لَيْسَ مَذْكُورًا في شَيْءٍ مِن كُتُبِ الحَدِيثِ ولا التَّفاسِيرِ المُعْتَبَرَةِ كَما نَصَّ عَلى ذَلِكَ الإمامُ السُّيُوطِيُّ وكَفى بِهِ حُجَّةً في هَذا الشَّأْنِ.
﴿وهُوَ رَبُّنا ورَبُّكُمْ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ أيْ: أتُجادِلُونَنا والحالُ أنَّهُ لا وجْهَ لِلْمُجادَلَةِ أصْلًا، لِأنَّهُ تَعالى مالِكُ أمْرِنا وأمْرِكُمْ، ﴿ولَنا أعْمالُنا ولَكم أعْمالُكُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَبْلَهُ، أيْ لَنا جَزاءُ أعْمالِنا الحَسَنَةِ المُوافِقَةِ لِأمْرِهِ، ولَكم جَزاءُ أعْمالِكُمُ السَّيِّئَةِ المُخالِفَةِ لِحُكْمِهِ، ﴿ونَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ في تِلْكَ الأعْمالِ لا نَبْتَغِي بِها إلّا وجْهَهُ، فَأنّى لَكُمُ المُحاجَّةُ ودَعْوى حَقِّيَّةِ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ، والقَطْعُ بِدُخُولِ الجَنَّةِ بِسَبَبِهِ، ودَعْوَةِ النّاسِ إلَيْهِ، والجُمْلَةُ حالِيَّةٌ كالَّتِي قَبْلَها، وذَهَبَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ كَجُمْلَتَيْ ﴿ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿ونَحْنُ لَهُ عابِدُونَ﴾ اعْتِراضٌ، وتَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ الَّذِي عَقَّبَ بِهِ مَقُولٌ عَلى ألْسِنَةِ العِبادِ بِتَعْلِيمِ اللَّهِ تَعالى، لا عَطْفٌ، وتَحْرِيرُهُ أنَّ ﴿ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ مُناسِبٌ (لِآمَنّا) أيْ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وبِما أنْزَلَ عَلى الأنْبِياءِ صَلَواتُ اللَّهِ تَعالى وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ، ونَسْتَسْلِمُ لَهُ، ونَنْقادُ لِأوامِرِهِ ونَواهِيهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَحْنُ لَهُ عابِدُونَ﴾ مُلائِمٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ لِأنَّها بِمَعْنى دِينِ اللَّهِ، فالمَصْدَرُ كالفَذْلَكَةِ لِما سَبَقَ، وهَذِهِ الآيَةُ مُوافِقَةٌ لِما قَبْلَها، ولَعَلَّ الذَّوْقَ السَّلِيمَ لا يَأْباهُ، وأمّا القَوْلُ بِأنَّ مَعْنى ﴿وهُوَ رَبُّنا﴾ إلَخْ، أنَّهُ لا اخْتِصاصَ لَهُ تَعالى بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، فَيُصِيبُ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ فَلا يَبْعُدُ أنْ يُكْرِمَنا بِأعْمالِنا، كَما أكْرَمَكم بِأعْمالِكُمْ، كَأنَّهُ ألْزَمَهم عَلى كُلِّ مَذْهَبٍ يَفْتَحُونَهُ إفْحامًا، وتَبْكِيتًا، فَإنَّ كَرامَةَ النُّبُوَّةِ إمّا تَفَضُّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فالكُلُّ فِيهِ سَواءٌ، وإمّا إفاضَةُ حَقٍّ عَلى المُسْتَحِقِّينَ لَها بِالمُواظَبَةِ عَلى الطّاعَةِ، والتَّحَلِّي بِالإخْلاصِ، فَكَما أنَّ لَكم أعْمالًا، رُبَّما يَعْتَبِرُها اللَّهُ تَعالى في إعْطائِها، فَلَنا أيْضًا أعْمالٌ ونَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ بِها لا أنْتُمْ، فَمَعَ بِنائِهِ عَلى ما عَلِمْتَ رَكاكَتَهُ غَيْرُ مُلائِمٍ لِسِباقِ النَّظْمِ الكَرِيمِ وسِياقِهِ، بَلْ غَيْرُ صَحِيحٍ في نَفْسِهِ، كَما أفْتى بِهِ مَوْلانا مُفْتِي الدِّيارِ الرُّومِيَّةِ، لِما أنَّ المُرادَ بِالأعْمالِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ ما أُشِيرَ إلَيْهِ مِنَ الأعْمالِ الصّالِحَةِ والسَّيِّئَةِ، ولا رَيْبَ أنَّ أمْرَ الصَّلاحِ والسُّوءِ يَدُورُ عَلى مُوافَقَةِ الدِّينِ المَبْنِيِّ عَلى البَعْثَةِ ومُخالَفَتِهِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ اعْتِبارُ تِلْكَ الأعْمالِ في اسْتِحْقاقِ النُّبُوَّةِ واسْتِعْدادِها المُتَقَدِّمِ عَلى البَعْثَةِ بِمَراتِبِ هَذا! وقَدِ اخْتَلَفَ النّاسُ في الإخْلاصِ، فَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: «(سَألْتُ جِبْرِيلَ عَنِ الإخْلاصِ ما هُوَ؟ فَقالَ: سَألْتُ رَبَّ العِزَّةِ عَنْهُ فَقالَ: سِرٌّ مِن أسْرارِي، اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَن أحْبَبْتُهُ مِن عِبادِي)،» وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الإخْلاصُ أنْ لا تُشْرِكَ في دِينِهِ ولا تُراءِ أحَدًا في عَمَلِهِ، وقالَ الفُضَيْلُ: تَرْكُ العَمَلِ مِن أجْلِ النّاسِ رِياءٌ، والعَمَلُ مِن أجْلِ النّاسِ شِرْكٌ، والإخْلاصُ أنْ يُعافِيَكَ اللَّهُ تَعالى مِنهُما، وقالَ حُذَيْفَةُ المَرْعَشِيُّ: أنْ تَسْتَوِيَ أفْعالُ العَبْدِ في الباطِنِ والظّاهِرِ، وقالَ أبُو يَعْقُوبَ: المَكْفُوفُ أنْ يَكْتُمَ العَبْدُ حَسَناتِهِ كَما يَكْتُمُ سَيِّئاتِهِ، وقالَ سَهْلٌ: هو الإفْلاسُ، ومَعْناهُ احْتِقارُ العَمَلِ، وهو مَعْنى قَوْلِ رُوَيْمٍ: ارْتِفاعُ عَمَلِكَ عَنِ الرُّؤْيَةِ، قِيلَ: ومُقابِلُ الإخْلاصِ الرِّياءُ، وذَكَرَ سُلَيْمانُ الدّارانِيُّ ثَلاثَ عَلاماتٍ لَهُ: الكَسَلُ عِنْدَ العِبادَةِ في الوَحْدَةِ، والنَّشاطُ في الكَثْرَةِ، وحُبُّ الثَّناءِ عَلى العَمَلِ.
{"ayah":"قُلۡ أَتُحَاۤجُّونَنَا فِی ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡ وَلَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُخۡلِصُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











