الباحث القرآني
﴿ومَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ﴾ إنْكارٌ واسْتِبْعادٌ لِأنْ يَكُونَ في العُقَلاءِ مَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّتِهِ، وهي الحَقُّ الواضِحُ غايَةَ الوُضُوحِ، أيْ لا يَرْغَبُ عَنْ ذَلِكَ أحَدٌ ﴿إلا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ أيْ جَعَلَها مُهانَةً ذَلِيلَةً، وأصْلُ السَّفَهِ الخِفَّةُ، ومِنهُ زِمامٌ سَفِيهٌ أيْ خَفِيفٌ، وسَفِهَ بِالكَسْرِ كَما قالَ المُبَرِّدُ وثَعْلَبٌ: مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ، (ونَفْسَهُ) مَفْعُولٌ بِهِ، وأمّا سَفُهَ بِالضَّمِّ فَلازِمٌ، ويَشْهَدُ لَهُ ما جاءَ في الحَدِيثِ «(الكِبْرُ أنْ تُسَفِّهَ الحَقَّ وتَغْمِطَ النّاسَ)،» وقِيلَ: إنَّهُ لازِمٌ أيْضًا، وتَعَدّى إلى المَفْعُولِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى ما يَتَعَدّى إلَيْهِ، أيْ جَهِلَ نَفْسَهُ لِخِفَّةِ عَقْلِهِ، وعَدَمِ تَفَكُّرِهِ، وهو قَوْلُ الزَّجّاجِ، أوْ أهْلَكَها، وهو قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ، وقِيلَ: إنَّ النَّصْبَ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ في نَفْسِهِ، فَلا يُنافِي اللُّزُومَ، وهو قَوْلٌ لِبَعْضِ البَصْرِيِّينَ، وقِيلَ: عَلى التَّمْيِيزِ كَما في قَوْلِ نابِغَةَ الذُّبْيانِيِّ:
؎ونَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنابِ عَيْشٍ أجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنامُ
وقِيلَ: عَلى التَّشْبِيهِ بِالمَفْعُولِ بِهِ، واعْتَرَضَ الجَمِيعَ أبُو حَيّانَ قائِلًا: إنَّ التَّضْمِينَ والنَّصْبَ بِنَزْعِ الخافِضِ لا يَنْقاسانِ، وإنَّ التَّشْبِيهَ بِالمَفْعُولِ بِهِ مَخْصُوصٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ بِالصِّفَةِ، كَما قِيلَ بِهِ في البَيْتِ، وأنَّ البَصْرِيِّينَ مَنَعُوا مَجِيءَ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً، فالحَقُّ الَّذِي لا يَنْبَغِي أنْ يُتَعَدّى، القَوْلُ بِالتَّعَدِّي، (ومَن) إمّا مَوْصُولَةٌ أوْ مَوْصُوفَةٌ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى المُخْتارِ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ في يَرْغَبُ، لِأنَّهُ اسْتِثْناءٌ مِن غَيْرِ مُوجِبٍ، وسَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ ما رُوِيَ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ (p-388)ابْنَ سَلامٍ دَعا ابْنَيْ أخِيهِ سَلَمَةَ ومُهاجِرًا إلى الإسْلامِ فَقالَ لَهُما: قَدْ عَلِمْتُما أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ في التَّوْراةِ: إنِّي باعِثٌ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ نَبِيًّا اسْمُهُ أحْمَدُ، فَمَن آمَنَ بِهِ فَقَدِ اهْتَدى ورَشَدَ، ومَن لَمْ يُؤْمِن بِهِ فَهو مَلْعُونٌ، فَأسْلَمَ سَلَمَةُ وأبى مُهاجِرٌ، فَنَزَلَتْ، ﴿ولَقَدِ اصْطَفَيْناهُ في الدُّنْيا﴾ أيِ اخْتَرْناهُ بِالرِّسالَةِ بِتِلْكَ المِلَّةِ واجْتَبَيْناهُ مِن بَيْنِ سائِرِ الخَلْقِ، وأصْلُهُ اتِّخاذُ صَفْوَةِ الشَّيْءِ، أيْ خالِصِهِ، ﴿وإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ أيِ المَشْهُودِ لَهم بِالثَّباتِ عَلى الِاسْتِقامَةِ، والخَيْرِ والصَّلاحِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى ما قَبْلَها، وذَلِكَ مِن حَيْثُ المَعْنى دَلِيلٌ مُبَيِّنٌ لِكَوْنِ الرّاغِبِ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ سَفِيهًا، إذِ الِاصْطِفاءُ والعِزُّ في الدُّنْيا غايَةُ المَطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ، والصَّلاحُ جامِعٌ لِلْكَمالاتِ الأُخْرَوِيَّةِ، ولا مَقْصِدَ لِلْإنْسانِ الغَيْرِ السَّفِيهِ سِوى خَيْرِ الدّارَيْنِ، وأمّا مِن حَيْثُ اللَّفْظُ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مُقَرِّرَةً لِجِهَةِ الإنْكارِ، واللّامُ لامُ الِابْتِداءِ، أيْ أيَرْغَبُ عَنْ مِلَّتِهِ، ومَعَهُ ما يُوجِبُ عَكْسَ ذَلِكَ، وهو الظّاهِرُ لَفْظًا لِعَدَمِ الِاحْتِياجِ إلى تَقْدِيرِ القَسَمِ، وارْتَضاهُ الرَّضِيُّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى ما قَبْلَهُ، أوِ اعْتِراضًا بَيْنَ المَعْطُوفَيْنِ، واللّامُ جَوابُ القَسَمِ المُقَدَّرِ، وهو الظّاهِرُ مَعْنًى، لِأنَّ الأصْلَ في الجُمَلِ الِاسْتِقْلالُ، ولِإفادَةِ زِيادَةِ التَّأْكِيدِ المَطْلُوبِ في المَقامِ والإشْعارِ بِأنَّ المُدَّعِيَ لا يَحْتاجُ إلى البَيانِ، والمَقْصُودُ مَدْحُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وإيرادُ الجُمْلَةِ الأُولى ماضَوِيَّةً لِمُضِيِّها مِن وقْتِ الإخْبارِ، والثّانِيَةِ اسْمِيَّةً لِعَدَمِ تَقْيِيدِها بِالزَّمانِ، لِأنَّ انْتِظامَهُ في زُمْرَةِ صالِحِي أهْلِ الآخِرَةِ أمْرٌ مُسْتَمِرٌّ في الدّارَيْنِ، لا أنَّهُ يَحْدُثُ في الآخِرَةِ، والتَّأْكِيدُ بِإنَّ، واللّامِ لِما أنَّ الأُمُورَ الأُخْرَوِيَّةَ خَفِيَّةٌ عِنْدَ المُخاطَبِينَ، فَحاجَتُها إلى التَّأْكِيدِ أشَدُّ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي نُشاهِدُ آثارَها، وكَلِمَةُ (فِي) مُتَعَلِّقَةٌ (بِالصّالِحِينَ)، عَلى أنَّ ألْ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ لا مَوْصُولَةٌ، لِيَلْزَمَ تَقْدِيمُ بَعْضِ الصِّلَةِ عَلَيْها، عَلى أنَّهُ قَدْ يُغْتَفَرُ في الظَّرْفِ ما لا يُغْتَفَرُ في غَيْرِهِ، أوْ بِمَحْذُوفٍ، أيْ صالِحٍ، أوْ أعْنِي، وجَعْلُهُ مُتَعَلِّقًا (بِاصْطَفَيْناهُ)، وفي الآيَةِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، أوْ بِمَحْذُوفٍ حالًا مِنَ المُسْتَكِنِّ في الوَصْفِ بَعِيدٌ.
{"ayah":"وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَـٰهُ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











