الباحث القرآني

﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ اعْتِراضٌ لِبَيانِ حالِ مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ بَعْدَ ذِكْرِ أحْوالِ كَفَرَتِهِمْ، ولَمْ يُعْطَفْ تَنْبِيهًا عَلى كَمالِ التَّبايُنِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ، والآيَةُ نازِلَةٌ فِيهِمْ، وهُمُ المَقْصُودُونَ مِنها سَواءٌ أُرِيدَ بِالمَوْصُولِ الجِنْسُ أوِ العَهْدُ، عَلى ما قِيلَ إنَّهُمُ الأرْبَعُونَ الَّذِينَ قَدِمُوا مِنَ الحَبَشَةِ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أبِي طالِبٍ اثْنانِ وثَلاثُونَ مِنهم مِنَ اليَمَنِ وثَمانِيَةٌ مِن عُلَماءِ الشّامِ، ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ أيْ يَقْرَؤُونَهُ حَقَّ قِراءَتِهِ، وهي قِراءَةٌ تَأْخُذُ بِمَجامِعِ القَلْبِ فَيُراعى فِيها ضَبْطُ اللَّفْظِ، والتَّأمُّلُ في المَعْنى، وحَقُّ الأمْرِ والنَّهْيِ، والجُمْلَةُ حالٌ مُقَدَّرَةٌ أيْ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مُقَدَّرًا تِلاوَتُهُمْ، لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا تالِينَ، وقْتَ الإيتاءِ، وهَذِهِ الحالُ مُخَصَّصَةٌ لِأنَّ لَيْسَ كُلُّ مَن أُوتِيَهُ يَتْلُوهُ، (وحَقَّ) مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِيَّةِ لِإضافَتِهِ إلى المَصْدَرِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ وصْفًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وأنْ يَكُونَ حالًا أيْ مُحِقِّينَ، والخَبَرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ (يَتْلُونَهُ) خَبَرًا لا حالًا، (أُولَئِكَ) إلَخْ، خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، أوْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وعَلى أوَّلِ الِاحْتِمالَيْنِ يَكُونُ المَوْصُولُ لِلْجِنْسِ، وعَلى ثانِيهِما يَكُونُ لِلْعَهْدِ، أيْ مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ الفِعْلِيِّ لِلْحَصْرِ، والتَّعْرِيضِ، والضَّمِيرُ لِلْكِتابِ، أيْ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِكِتابِهِمْ دُونَ المُحَرِّفِينَ، فَإنَّهم غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِهِ، ومِن هُنا يَظْهَرُ فائِدَةُ الإخْبارِ عَلى الوَجْهِ الأخِيرِ، ولَكَ أنْ تَقُولَ: مَحَطُّ الفائِدَةِ ما يَلْزَمُ الإيمانُ بِهِ (p-373)مِنَ الرِّبْحِ بِقَرِينَةِ ما يَأْتِي، ومِنَ النّاسِ مَن حَمَلَ المَوْصُولَ عَلى أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وإلَيْهِ ذَهَبَ عِكْرِمَةُ، وقَتادَةُ، فالمُرادُ مِنَ الكِتابِ حِينَئِذٍ القُرْآنُ، ومِنهم مَن حَمَلَهُ عَلى الأنْبِياءِ والمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وإلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ كَيْسانَ، فالمُرادُ مِنَ الكِتابِ حِينَئِذٍ الجِنْسُ لِيَشْمَلَ الكُتُبَ المُتَفَرِّقَةَ، ومِنهم مَن قالَ بِما قُلْنا، إلّا أنَّهُ جَوَّزَ عَوْدَ الضَّمِيرِ بِهِ إلى الهُدى، أوْ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أوْ إلى اللَّهِ تَعالى، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ في الكَلامِ التِفاتٌ مِنَ الخِطابِ إلى الغَيْبَةِ، أوْ مِنَ التَّكَلُّمِ إلَيْها، ولا يَخْفى ما في بَعْضِ هَذِهِ الوُجُوهِ مِنَ البُعْدِ البَعِيدِ. ﴿ومَن يَكْفُرْ بِهِ﴾ أيِ الكِتابِ بِسَبَبِ التَّحْرِيفِ، والكُفْرِ بِما يُصَدِّقُهُ، واحْتِمالاتُ نَظِيرِ هَذا الضَّمِيرِ مَقُولَةٌ فِيهِ أيْضًا. ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ مِن جِهَةِ أنَّهُمُ اشْتَرُوا الكُفْرَ بِالإيمانِ، وقِيلَ: بِتِجارَتِهِمُ الَّتِي كانُوا يَعْمَلُونَها بِأخْذِ الرِّشا عَلى التَّحْرِيفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب