الباحث القرآني

﴿أوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْدًا﴾ نَزَلَتْ في مالِكِ بْنِ الصَّيْفِ قالَ: واللَّهِ ما أُخِذَ عَلَيْنا عَهْدٌ في كِتابِنا أنْ نُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، ولا مِيثاقٌ، وقِيلَ: في اليَهُودِ، عاهَدُوا إنْ خَرَجَ لِنُؤْمِنَنَّ بِهِ، ولَنَكُونَنَّ مَعَهُ عَلى مُشْرِكِي العَرَبِ، فَلَمّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، وقالَ عَطاءٌ: في اليَهُودِ، عاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِعُهُودٍ، فَنَقَضُوها كَفِعْلِ قُرَيْظَةَ والنَّضِيرِ، والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ بِمَعْنى ما كانَ يَنْبَغِي، وفِيهِ إعْظامُ ما يَقْدَمُونَ عَلَيْهِ مِن تَكَرُّرِ عُهُودِهِمْ، ونَقْضِها، حَتّى صارَ سَجِيَّةً لَهُمْ، وعادَةً، وفي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لَهُ، وإشارَةٌ إلى أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ لا يَكْتَرِثَ بِأمْرِهِمْ، وأنْ لا يَصْعُبَ عَلَيْهِ مُخالَفَتُهُمْ، والواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مَحْذُوفٍ، أيِ اكْفُرُوا بِالآياتِ، وكُلَّما عاهَدُوا، وهو مِن عَطْفِ الفِعْلِيَّةِ عَلى الفِعْلِيَّةِ، لِأنَّ كُلَّما ظَرْفٌ، نَبَذَهُ، والقَرِينَةُ عَلى ذَلِكَ المَحْذُوفِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما يَكْفُرُ بِها﴾ إلَخْ وبَعْضُهم يُقَدِّرُ المَعْطُوفَ مَأْخُوذًا مِنَ الكَلامِ السّابِقِ، ويَقُولُ بِتَوَسُّطِ الهَمْزَةِ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، لِغَرَضٍ يَتَعَلَّقُ بِالمَعْطُوفِ خاصَّةً، والتَّقْدِيرُ عِنْدَهُ: نَقَضُوا هَذا العَهْدَ وذَلِكَ العَهْدَ، ﴿أوَكُلَّما عاهَدُوا﴾ وفِيهِ مَعَ ارْتِكابِ ما لا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ أنَّ الجُمَلَ المَذْكُورَةَ بِقُرْبِهِ لَيْسَ فِيها ذِكْرُ نَقْضِ العَهْدِ، وقالَ الأخْفَشُ: هي زائِدَةٌ، والكِسائِيُّ هي (أوِ) السّاكِنَةُ حُرِّكَتْ واوُها بِالفَتْحِ، وهي بِمَعْنى بَلْ، ولا يَخْفى ضَعْفُ القَوْلَيْنِ، نَعَمْ قَرَأ ابْنُ السَّمّاكِ العَدَوِيُّ وغَيْرُهُ (أوْ) بِالإسْكانِ، وحِينَئِذٍ لا بَأْسَ بِأنْ يُقالَ: إنَّها إضْرابِيَّةٌ بِناءً عَلى رَأْيِ الكُوفِيِّينَ، وأنْشَدُوا: ؎بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَقِ الضُّحى وصُورَتُها أوْ أنْتَ في العَيْنِ أمْلَحُ والعَطْفُ عَلى هَذا عَلى صِلَةِ المَوْصُولِ الَّذِي هو اللّامُ في (الفاسِقُونَ) مَيْلًا إلى جانِبِ المَعْنى، وإنْ كانَ فِيهِ مَسْخُ اللّامِ المَوْصُولَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: إلّا الَّذِينَ فَسَقُوا، بَلْ كُلَّما عاهَدُوا، والقَرِينَةُ عَلى ذَلِكَ، بَلْ أكْثَرُهم إلَخْ، وفِيهِ تَرَقٍّ إلى الأغْلَظِ فالأغْلَظِ، ولَكَ أنْ لا تَمِيلَ مَعَ المَعْنى، بَلْ تَعْطِفُ عَلى الصِّلَةِ، وألْ تَدْخُلُ عَلى الفِعْلِ بِالتَّبَعِيَّةِ في السَّعَةِ كَثِيرًا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ المُصَّدِّقِينَ والمُصَّدِّقاتِ وأقْرَضُوا﴾ لِاغْتِفارِهِمْ في الثَّوانِي ما لا يُغْتَفَرُ في الأوائِلِ. ومِنَ النّاسِ مَن جَوَّزَ هَذا العَطْفَ بِاحْتِمالِيَّةٍ عَلى القِراءَةِ الأُولى أيْضًا، ولَمْ يَحْتَجْ إلى ذَلِكَ المَحْذُوفِ، وقَرَأ الحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ (عُوهِدُوا)، وانْتِصابُ (عَهْدًا) عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ عَلى غَيْرِ الصَّدْرِ، أيْ (مُعاهَدَةً)، ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ قُرِئَ (عَهِدُوا) أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، بِتَضْمِينِ (عاهَدُوا) مَعْنى أعْطَوْا ﴿نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُمْ﴾ أيْ نَقَضَهُ وتَرَكَ العَمَلَ بِهِ، وأصْلُ النَّبْذِ (p-336)طَرْحُ ما لا يُعْتَدُّ بِهِ، كالنَّعْلِ البالِيَةِ، لَكِنَّهُ غَلَبَ فِيما مِن شَأْنِهِ أنْ يُنْسى لِعَدَمِ الِاعْتِدادِ بِهِ، ونِسْبَةُ النَّبْذِ إلى العَهْدِ مَجازٌ، والنَّبْذُ حَقِيقَةً إنَّما هو في المُتَجَسِّداتِ نَحْوُ ﴿فَأخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهم في اليَمِّ﴾ والفَرِيقُ اسْمُ جِنْسٍ لا واحِدَ لَهُ، يَقَعُ عَلى القَلِيلِ والكَثِيرِ، وإنَّما قالَ: فَرِيقٌ لِأنَّ مِنهم مَن لَمْ يَنْبِذْهُ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ (نَقَضَهُ)، قالَ في البَحْرِ: وهي قِراءَةٌ تُخالِفُ سَوادَ المُصْحَفِ، فالأوْلى حَمْلُها عَلى التَّفْسِيرِ، ولَيْسَ بِالقَوِيِّ، إذْ لا يَظْهَرُ لِلتَّفْسِيرِ دُونَ ذِكْرِ المُفَسِّرِ، خِلالَ القِراءَةِ وجْهٌ، ﴿بَلْ أكْثَرُهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِالأكْثَرِ النّابِذُونَ، وأنْ يُرادَ مَن عَداهُمْ، فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا لِما يُتَوَهَّمُ أنَّ الفَرِيقَ هُمُ الأقَلُّونَ بِناءً عَلى أنَّ المُتَبادِرَ مِنهُ القَلِيلُ، وعَلى الثّانِي رَدٌّ لِما يُتَوَهَّمُ أنَّ مَن لَمْ يَنْبِذْ جِهارًا يُؤْمِنُونَ بِهِ سِرًّا، والعَطْفُ عَلى التَّقْدِيرَيْنِ مِن عَطْفِ الجُمَلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن عَطْفِ المُفْرَداتِ بِأنْ يَكُونَ أكْثَرُهم مَعْطُوفًا عَلى فَرِيقٍ، وجُمْلَةُ (لا يُؤْمِنُونَ) حالٌ مِن (أكْثَرُهُمْ)، والعامِلُ فِيها (نَبَذَهُ)،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب